بولندا سياسة

بولندا تتعسكر بالخفاء خوفاً من بوتين

تمدد الرئيس الروسي بوتين في شبه جزيرة القرم وسيطرته على مساحات من شرق أوكرانيا، أحيا مخاوف قديمة عند جيرانه، ودفعهم إلى التسلح استعداداً لمواجهة جيوشه في حال قرر غزوهم.

تلك الصورة نقلها الوثائقي التلفزيوني الألماني «جنود يوم الأحد» بعد استقصائه حقيقة الأنباء الواردة عن وجود منظمات بولندية تدرب مدنيين خارج إطار الدولة، الأمر الذي يشي بوجود نزعة قومية متشددة تستغل المواقف العدائية الروسية لأغراضها الأيديولوجية.

كل يوم أحد يجتمع عدد من المدنيين في غابات التاترا الكثيفة وهناك يبدأون بالتدريب على استخدام السلاح. أحد المتطوعين قال لمعدي البرنامج: «هذه بالنسبة إلي ليست لعبة أو هواية، بل واجب وعلى كل بولندي عنده القابلية الجسمانية أن يكون مستعداً لمواجهة الهجوم الروسي المنتظر».

يكشف الوثائقي عبر تحريه أسباب الحماسة القومية الزائدة إلى وجود ميول قديمة لتسليح المدنيين وعسكرة المجتمع، «نادي الرماية» دليل عليها. يقدم مديره نبذة تاريخية عن تأسيسه منذ أكثر من مئة عام وكيف أرفد الجيش البولندي خلال الحربين العالميتين بآلاف الاحتياطيين من المسلحين المدنيين.

يستعيد معظم قادة التنظيمات المسلحة التاريخ القريب، يوم تخلى البريطانيون والفرنسيون عنهم لحظة اجتياح الجيش النازي لبلدهم، وبعدها صمتهم على التدخل الروسي.

نزعة التسلح لها شعبية واسعة في صفوف غالبية البولنديين. ولهذا ثمة مباركة عامة للتنظيمات المدنية المسلحة التي أخذت تظهر إلى العلن وسط ترحيب عام مسنود على مخاوف تغذيها سياسة بوتين وتدفع المجتمع البولندي أكثر فأكثر نحو التسلح، وأخذت طابعاً دستورياً يوم اتخذ البرلمان وبضغط من القوميين المحافظين قراراً يسمح بتشكيل وحدات من الجيش المدني داخل الجيش الرسمي.

القوات الرديفة بلغ تعدادها أكثر من خمسين ألف متطوع كلفت موازنة الدولة نحو بليون يورو، وتمت بمباركة وزير التربية نفسه. توجه لا يتفق معه كل العسكريين المحترفين وبعضهم، مثل الجنرال فلاديمير سكريزباك اعتبر «تعدد قيادات الجيش يضعف مركزية القرار العسكري، وحصره فقط بوزير الدفاع. تعدد المراكز يربك الوضع الدفاعي أثناء الحروب الحقيقية». من مظاهر عسكرة المجتمع البولندي تخصيص مدارس ثانوية للتأهيل الحربي.

في مدينة لوبلين يزور الوثائقي ثانوية يتدرب طلابها على السلاح ويرتدون الزي العسكري أثناء دراستهم. أحد مُدرسيها يقدم موجزاً عن توسعها: «لدينا الآن نحو ثلاثمائة مدرسة عسكرية معظمها تأسس خلال السنوات القصيرة الماضية، وهي مجهزة بمعدات وأجهزة لا تختلف عن تلك التي تتوفر عليها الأكاديميات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع».

النزعة القومية في تصاعد ومقابلة شباب من سكان المدينة يدعى دانيل كوزي يكشف مدى طغيانه: «جدي كان محارباً خلال الحرب العالمية الأولى، وعلى القيّم العسكرية نشأ كل أفراد العائلة وأنا واحد منهم». يعترف الشاب بنزعته القومية ويتفاخر بها، ما دفع البرنامج إلى البحث عن دوافع أخرى عند المتطوعين للتدريب العسكري. تُبيّن المقابلات مع عدد منهم أفكارهم العنصرية والقومية المتطرفة على رغم نفي غالبيتهم وجود مثل تلك الأفكار عندهم، لكنهم يبررون ميولهم العسكرية إلى الخوف من إعادة التجربة الستالينية ثانية!

في المقابل تكشف حوارات الوثائقي مع مدنيين سلميين عن مخاوف من احتمال إضعاف الروح الديموقراطية في المجتمع وتغليب العنف فيه، واعتبروا أن الحكومة البولندية تستغل مخاوف الناس المشـــروعة سياسياً وتضع مفهوم الوطنية على المحك، فيما يتفق عدد كبير منهم على أن سياسة بوتين ونزعته التوسعية هي المغذي الأساس للأفكار القومية المتطرفة التي ستضر في النهاية المــجتمع البولندي وتبعده عــن طـريق التــطور الســلمي الصــحيح.

الوثائقي عبر الرابط التالي : https://www.doku-star.de/polens-zivilisten-ruesten-auf/

قيس قاسم- الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى