دولي

واشنطن تتحرك لمنع وقوع أسلحتها في أوكرانيا بـ”الأيدي الخطأ”

واشنطن تتحرك لمنع وقوع أسلحتها في أوكرانيا بـ"الأيدي الخطأ"

أجرى مراقبون أميركيون عمليات تفتيش شخصية لنحو 10% فقط من 22 ألف قطعة سلاح أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، وتتطلب إشرافاً خاصاً وذلك وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم قولهم إنهم يتسابقون لنشر وسائل جديدة لتتبع الأسلحة التي ينظر إليها على أنها تنطوي على خطر متزايد من إمكانية تحويلها إلى وجهات أخرى، بما في ذلك صواريخ “ستينجر- أرض جو”، وصواريخ “جافلين” المضادة للدبابات، وسط ما وصفوه بأنه “صراع شديد السخونة” في أوكرانيا.

ويأمل المسؤولون، الذين قدموا تفاصيل لم يتم الإعلان عنها من قبل، في تحقيق مستوى “معقول” من الامتثال لقواعد الرقابة الأميركية على تلك المواد عالية الخطورة، لكنهم يعترفون أيضاً بأنه من غير المرجح أن يحققوا 100% من عمليات الفحص، لأن الحرب المتصاعدة في البلاد مع روسيا تُجهد الأنظمة الهادفة لضمان عدم سرقة الأسلحة أو إساءة استخدامها.

تخفيف المخاطر

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، الذي أدى إلى إغلاق السفارة الأميركية في كييف لعدة أشهر، تمكن المسؤولون الأميركيون من إجراء عمليتي تفتيش شخصيتين فقط للأسلحة التي تتطلب رقابة معززة في مستودعات الأسلحة التي وُضعت فيها أسلحة أميركية من بولندا.

وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية “الصراع يخلق ظروفاً غير مثالية بالنسبة لنا للتأقلم بسرعة. نُريد أن نحشد بعض الموارد للعمل مع حلفائنا وشركائنا للتخفيف من المخاطر، أينما استطعنا”.

وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن “التدافع للتأقلم مع قواعد الرقابة المصممة لوقت السلم، اكتسب أهمية أكبر مع وصول حجم المساعدات الأميركية إلى مستويات مذهلة وتكثيف تدقيق الكونجرس”.

ويقول مسؤولون أميركيون وأوكرانيون إنهم لم يُوثقوا أي حالات استخدام أو نقل غير مشروعين للأسلحة الأميركية في أوكرانيا منذ أن أعلنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء العمليات العسكرية ضد أوكرانيا، لكن أسلحة أخرى اختفت. وانفجرت قاذفة قنابل يدوية سويدية، يبدو أنها سرقت من ساحة المعركة في أوكرانيا، في صندوق سيارة في روسيا خلال مايو الماضي.

ويُحذر خبراء تجارة الأسلحة من أنه يجب على الإدارة الأميركية وحلفائها أن يظلوا على أهبة الاستعداد على الرغم من الدعم الغربي الواسع لجهود كييف لمواجهة غزو بوتين، والتكتيكات الوحشية التي استخدمتها قواته ضد المدن الأوكرانية والمدنيين.

وقالت راشيل ستول نائبة رئيس للبرامج البحثية في مركز “ستيمسون” ومقره واشنطن إنه يتعين على المسؤولين أيضاً وضع خطط طويلة الأجل لضمان أمن فائض الأسلحة الأميركية بمجرد انتهاء الصراع مع روسيا، مشيرةً إلى تاريخ أوكرانيا كمسرح لتهريب الأسلحة الصغيرة بعد الحرب الباردة.

وأضافت أن مطالب الرقابة الشاملة قد تبدو متناقضة مع رغبة الولايات المتحدة في المساعدة في لحظة ذات أهمية وجودية في أوكرانيا، لكنها أشارت إلى أنه “يجب أن نتأكد من أننا لا ندع الوتيرة والإلحاح يفوقان مصالحنا على المدى الطويل”.

“المساءلة عن الأسلحة”

التحديات في أوكرانيا تعكس المخاوف الأكبر بشأن كيفية استخدام الأسلحة المنتجة في الولايات المتحدة، أكبر بائع عالمي للأسلحة، في جميع أنحاء العالم.

ولطالما اشتكى المدافعون عن حقوق الإنسان من أنه على الرغم من الأنظمة المصممة لمنع إساءة استخدامها، فقد استخدم الشركاء الأجانب في بعض الأحيان تلك الأسلحة ضد المدنيين في أماكن من بينها اليمن.

كما سقطت المعدات الأميركية المتطورة في أيدي الخصوم، ما سمح لتنظيم داعش باستعراض دبابات “أبرامز”، وطالبان بقيادة طائرات مروحية من طراز “بلاك هوك”.

وتحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسليط الضوء على دَفعة رقابية جديدة لتفسير أي تسرب محتمل من التدفق الكبير للأسلحة الأميركية، خاصة وأن الجمهوريين في الكونجرس يُعبّرون عن مخاوف متزايدة بشأن المساءلة عن المساعدات والحجم الإجمالي للمساعدات لأوكرانيا.

وقد يصبح تمرير حزم مساعدات ضخمة أكثر صعوبة بعد انتخابات التجديد النصفي في 8 نوفمبر الجاري.

وفي الأسبوع الماضي، كشفت الإدارة الأميركية النقاب عن خطة لمنع تحويل الأسلحة في أوروبا الشرقية إلى جهات أخرى.

ومع تقديم ما يقرب من 18 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية منذ فبراير وحده، فإن شريان الحياة لإدارة بايدن لأوكرانيا هو أكبر مبلغ من هذا القبيل منذ انتهاء الحرب الباردة.

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون إن كييف كانت شريكاً “راغباً وقادراً” في المساءلة عن الأسلحة، وأضافت: “بينما ندرك عدم القدرة على التنبؤ بسير عملية القتال، تعاونت الولايات المتحدة وأوكرانيا لمنع تحويل الأسلحة غير المشروع منذ بدء الغزو الروسي في وقت سابق من هذا العام”.

ويقول مسؤولون أميركيون إن أوكرانيا تعمل جاهدة لتوضيح امتثالها لمتطلبات المساءلة عن الأسلحة من الولايات المتحدة ودول أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المسؤولين المحليين يعرفون أن أي حالات تحويل مثبتة يمكن أن تضعف الدعم الغربي القوي الذي يُعد حيوياً لمعركتهم.

“مراقبة الاستخدام النهائي”

معظم المعدات المقدمة إلى أوكرانيا حتى الآن تخضع للحد الأدنى فقط من متطلبات التتبع بموجب نظام الإشراف على الأسلحة الأميركي، والمعروف باسم “مراقبة الاستخدام النهائي”.

وبالنسبة لمواد مثل ذخيرة الأسلحة الصغيرة أو معدات الحماية الشخصية، التي يُنظر إليها على أنها تُشكل خطراً أقل انتشاراً، يتم تكليف ضابط عسكري أميركي في شرق بولندا بالمهمة الوحيدة المتمثلة في الإشراف على نقل السيطرة على تلك المعدات من الولايات المتحدة إلى الأيدي الأوكرانية، بما في ذلك عملية يقوم فيها مسؤولون من كلا البلدين بجرد الأصناف.

وكما يحدث في أي عملية نقل أخرى للمعدات العسكرية الأميركية، يجب على أوكرانيا الالتزام بعدم نقل الأسلحة إلى دول أخرى دون إذن من الولايات المتحدة، لكن هناك القليل من المراقبة الروتينية بعد ذلك، حسبما قال المسؤولون.

وتتطلب المعدات الأكثر تطوراً أو حساسية مجموعة إضافية من عمليات الفحص، بما في ذلك التفتيش السنوي الذي يُجريه ضابط أميركي، في ظل الظروف العادية، لضمان تخزين الأسلحة بشكل آمن ومطابقة الأرقام التسلسلية.

وتشمل هذه العناصر أيضا طائرات مسيرة من طراز “سويتش بليد”، وأجهزة للرؤية الليلية، وتشكل هذه العناصر حوالي نصف تلك الخاضعة لتتبع إضافي.

ولا تتطلب أنظمة الأسلحة الأكبر حجماً، مثل صواريخ الإطلاق المتعددة “هيمارس”ومدفع “هاوتزر M777” ، مراقبة معززة.

واعترف المسؤولون بأنه عندما اندلعت الحرب، لم يكن لديهم مخطط لتتبع الأسلحة في صراع تقليدي مثل القتال في أوكرانيا، ولا يستطيع الأفراد الأميركيون المغامرة في المناطق الشاسعة من البلاد التي تحتلها القوات الروسية أو التي تشهد قتالاً نشطاً.

وللتعويض عن هذه القيود، يعتمد المسؤولون على التكنولوجيا التي تم تبنيها لأول مرة خلال جائحة كورونا، باستخدام الماسحات الضوئية التي من شأنها أن تسمح للأوكرانيين بجرد الأرقام التسلسلية دون وجود أفراد أميركيين، ثم تحميل معلومات الجرد، التي يتم التقاطها دون تحديد الموقع الجغرافي للعناصر، لأسباب أمنية تشغيلية، وتقديمها إلى المسؤولين الأميركيين.

و بدأ العسكريون الأميركيون تدريب أقرانهم الأوكرانيين في بولندا على تقنية الماسح الضوئي الجديدة، حيث يسعون إلى نشر هذا الحل البديل قبل الذكرى السنوية الأولى للحرب في فبراير 2023، وبعد ذلك من المحتمل أن تخرج عشرات الأسلحة عن الامتثال.

وتتفاقم التحديات بسبب حجم فريق التعاون الأمني المتنامي، وإن كان لا يزال صغيراً.

“لا نظام تتبع دولي”

المسؤولون الأميركيون يحاولن أيضاً إحصاء الأسلحة التي تستخدمها القوات الأوكرانية، من خلال مسح عبوات الأسلحة المستهلكة والحصول على تقارير النفقات من الجيش الأوكراني.

وبحسب ما ذكرت “واشنطن بوست” أضاف المسؤولون أن أوكرانيا قدمت أيضاً “عدداً” من تقارير الخسائر عندما تتعطل المعدات، ومعظمها معدات للرؤية الليلية.

وفي حين لا تزال تقارير الخسائر والنفقات ترد في شكل ورقي، يأمل المسؤولون أن يتم إعدادها في شكل إلكتروني أيضاً قريباً، الأمر الذي يُسهل الحصول على صورة في الوقت الفعلي لكيفية استخدام الأسلحة الأميركية ضد روسيا.

وكشف تقرير صدر عام 2020 من المفتش العام للبنتاجون أن مسؤولي الدفاع قد امتثلوا لمتطلبات المراقبة الخاصة بصواريخ “جافلين” وقاذفاتها المقدمة إلى أوكرانيا لكنهم لم يفعلوا ذلك بالكامل لأجهزة الرؤية الليلية.

وأشار التقرير إلى عدم قيام الجيش الأوكراني بالإبلاغ باستمرار عن فقدان أو سرقة تلك الأصناف، ووجد أن الأرقام التسلسلية تسقط أحياناً أو تصبح غير مقروءة، ممّا يحول دون إجراء قوائم جرد سليمة.

وفي كييف، يقول مسؤولون إن طبيعة القتال، الذي “تضرب فيه القوات الروسية بانتظام المدن الأوكرانية وتعذب المدنيين الأوكرانيين”، تجعل تحويل الأسلحة أمراً لا يمكن تصوره.

وقال أوليكساندر زافيتنيفيتش الذي يرأس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الأوكراني إن أعضاء لجنة برلمانية أُنشئت هذا العام للقيام بالرقابة على الأسلحة زاروا مستودعات الأسلحة وبحثوا في شائعات عن تحويل أو سرقة لكنهم لم يجدوا “إشارات حقيقية” على أنشطة غير مشروعة.

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن الجيش الأوكراني يحاول الآن تحديث نظامه الخاص لتتبع الأسلحة المتبرع بها رقمياً، كما يفعل الجيش للصيانة والخدمات اللوجستية.

وبدأت إدارة بايدن في إطلاع الدول الأخرى التي تُزود أوكرانيا بعملية المراقبة الأميركية في أوكرانيا. وحتى الآن، وفي حين أن هناك آليات جديدة لتنسيق التبرعات بالأسلحة بشكل فضفاض، لا يوجد نظام تتبع دولي مركزي.

ويعترف المسؤولون الأميركيون بأنه من غير المرجح أن يكونوا راضين عن النتائج الإجمالية لنهجهم الرقابي المتطور، لكنهم يقولون إنه لا ينبغي النظر إلى ذلك على أنه سبب للحد من الدعم الأميركي.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية “إنها مسؤوليتنا الأدبية والمعنوية لمساعدة الشعب الأوكراني، وعواقب عدم القيام بذلك أسوأ بكثير. لذلك، من حيث التكلفة والعائد، يبدو ذلك واضحاً جداً”.

 

الشرق للأخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى