بولندا سياسة

آلية دولة القانون الأوروبية.. هل تكفي لحماية الديمقراطية والحريات؟

منذ سنوات يدور نقاش في الاتحاد الأوروبي حول كيفية وقف التطورات المناهضة للديمقراطية في الدول الأعضاء. فهل آلية دولة القانون الجديدة وسيلة ناجعة ومناسبة لضمان ذلك؟

طوال شهور أثار ما يُسمى آلية دولة القانون للاتحاد الأوروبي النقاش والجدل لدى الرأي العام الأوروبي، وخلاف الفيتو مع بولندا والمجر سبب أزمة داخل الاتحاد الأوروبي. وبعد جدل حاد دخلت آلية دولة القانون حيز التنفيذ مطلع هذا العام. ويراد من خلال هذه الآلية تغيير كل شيء داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لضمان الشفافية والديمقراطية ودولة القانون.

وهذه القاعدة من شأنها تمكين الاتحاد الأوروبي من معاقبة دول أعضاء إذا ما ابتعدت عن القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي ومبادئ دولة القانون. ويدور جدل حاد منذ عقد من الزمن حول هذا النوع من إمكانيات المعاقبة داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تجلى هذا التوجه أولا في عملية إعادة البناء غير الديمقراطية التي أطلقها رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان عام 2010 وفي عام 2015 جاءت سياسة حزب “القانون والعدالة” الذي يقود الحكومة البولندية في هذا الاتجاه أيضا. وكلا البلدين يدعوهما الاتحاد الأوروبي ومنذ سنوات للالتزام بمبادئ دولة القانون بدون جدوى، لأن إمكانيات العقاب إلى حد الآن فشلت جميعها.

من دولة القانون إلى آلية مكافحة الفساد!

وآلية دولة القانون من شأنها وضع حد لهذا الأمر، لكن هل بمقدورها فعلا تحقيق ذلك؟ وهل هي ذات فاعلية قانونية بعد دخولها حيز التنفيذ مطلع هذا العام وهل يمكن تطبيقها؟ وهذا هو موقف المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي.لكن بولندا والمجر تتمسكان بأن تقوم المحكمة الأوروبية العليا بالتحقق من الآلية وتطبيقها بعد صدور حكمها. وهذا قد يطول لمدة سنة أو اثنتين. والقاعدة التي دخلت الآن حيز التنفيذ جاءت بمبادرة من البرلمان الأوروبي عام 2018.
وفي الأصل كان الكثير من البرلمانيين يفكرون في آلية أوسع تمكن من معاقبة العديد من الخرقات لمبادئ دولة القانون في الاتحاد الأوروبي. لكن في يوليو/ تموز 2020 توصل البرلمان والمفوضية والدول الأعضاء إلى حل وسط: الآلية تم اختصارها في إطار الخروقات المتصلة بالأموال الأوروبية.

ويرى خبراء كثيرون أنه ومن خلال ذلك، قد تم تحويل الأمر من آلية لدولة القانون إلى آلية لمكافحة الفساد، و”للأسف هذا هو الواقع”، يقول خبير القانون الدستوري المجري المعروف غابور هاالماي، الأستاذ بجامعة فلورنسا، ويضيف لـ DW “وحقيقة أن يبقى الاتحاد الأوروبي عاجزا، في حالة المجر ومنذ عشر سنوات وفي حالة بولندا منذ خمس سنوات، عن معاقبة خروقات جسيمة لمبادئ دولة القانون، لا تتغير مع الآلية الجديدة”. وحتى نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، السياسية الألمانية كاتارينا بارلي غير سعيدة بحل الوسط هذا، وعبرت عن ذلك لـ DW بقولها “للأسف يجب القول بأن حكومتي بولندا وهنغاريا نجحتا في الانتقاص من الآلية”.

وإلى جانب العراقيل التي وضعها معارضو الآلية هناك أيضا مبدأ “الغالبية المؤهلة” أي يجب أن تكون موافقة غالبية معينة في المجلس الأوروبي، الذي يتكون من رؤساء دول وحكومات أعضاء الاتحاد الأوروبي، على فرض عقوبات على أحد الأعضاء. وعمليا هذه الأغلبية تعني موافقة 15 عضوا من أصل 27 دولة وتمثل 65 في المائة على الأقل من مجموع سكان الاتحاد الأوروبي. وفي الأصل كان العكس مبرمجا وهو أن يتم وقف العقوبات بغالبية المجلس فقط. وكاتارينا بارلي تفيد أنه لا يمكن تقليص الآلية لتشمل قضايا مكافحة الفساد فقط، بل يمكن تطبيقها على نحو أوسع.

تحقيق من قبل المحكمة الأوروبية العليا 

وبما أن حق المبادرة للإجراءات العقابية يكون في يد المفوضية الأوروبية فقط، فإن الكثير يبقى رهنا بإرادتها السياسية، كما تفيد بارلي. وفي هذه النقطة تبقى متشككة، إذ إلى حد الآن ظلت المفوضية متحفظة تجاه بولندا وهنغاريا.

وشعرت بارلي بثقة في موقفها المتشكك حين لم تعارض المفوضية الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول إعلان زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الذي يوصي بالتحقق من الآلية من جانب المحكمة الأوروبية العليا تطبيقها بطلب من الدول الاعضاء. وهذه الإمكانية تريد بولندا وهنغاريا استغلالها.

خيبة أمل الحقوقيين

وتنفي متحدثة باسم المفوضية الأوروبية في ردها على سؤال لـ DW صحة عدم إمكانية تطبيق آلية دولة القانون إلا بعد التحقق منها من قبل المحكمة الأوروبية العليا، وتقول إن “المفوضية تعكف على وضع ترتيبات لتطبيق القاعدة”، وتضيف أن “القاعدة ستُطبق ابتداء من يناير/ كانون الثاني 2021 ولا يحصل فقدان (إهمال) أي حالة”.

وبغض النظر عن هذا يعبر خبراء وحقوقيون منذ الآن عن خيبة أملهم. فالآلية “خطوة إلى الأمام”، كما تقول مارتا باردافي، الرئيسة المشتركة للجنة هلسنكي المجرية، إحدى أهم المنظمات الحقوقية في هنغاريا. “لكن القاعدة تبقى وسيلة غير مرحب بها لحماية دولة القانون. ونتيجة الجدل الطويل لا يمكن لأحد أن يكون مسرورا بها”.

وموقف أشد انتقادا جاء من خبير القانون الدستوري غابور هالماي، الذي أوضح أن الخاسرين الكبار في الجدل حول آلية دولة القانون هم الذين كانوا يأملون في وقف إجراءات القضاء على الديمقراطية ودولة القانون في بولندا وهنغاريا بمساعدة الاتحاد الأوروبي، ويقول “يجب عليهم الآن الاعتراف بأنه لا يمكن أن يعولوا على مساعدة بروكسل”.

dw.كينو فيرزيك/ م.أ.م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى