بولندا مجتمع

بدء هجرة اللقالق البولندية وتسطير روايتها الخيالية

   

 

دخل موسم هجرة “اللقلق”، والحريصون عليه في لبنان يلتقطون أنفاسهم لعبوره، خشية اصطياده، أولاً، والدخول بأزمة دبلوماسية مع بعض دول العالم، خصوصاً بولندا، بسبب اصطياده، ثانياً.

واللقلق الحاد الذاكرة، يحاول تجنب معابر اصطياده، لذلك، بات يقلع إلى مرتفعات عالية بعيداً عن مرمى نيران بنادق الصيد، ولم يلاحظ عبوره بكثرة حتى اليوم من هذا العام، على ما لفت نظر كثير من الصيادين. وهو حاد الذاكرة لأنه يرحل من موطن ولادته في بولندا وبعض دول أوروبا الشرقية أواخر الصيف قاصداً دفء جنوبي أفريقيا متلافياً موسم الشتاء في موطنه الأصلي، وعابراً زهاء عشرة آلاف كيلومتر، ذهاباً، وعندما يعود في الربيع إلى موطنه، يقصد مباشرة العش الذي ولد ونما فيه قبل عام تقريباً.

واللقلق بحسب مراكز الاهتمام به، ومراكز الأبحاث البولندية خصوصاً، هو من الطيور المهددة، وفي الوقت عينه من الطيور المفيدة جداً لاقتصاد البلد الذي يعيش فيه. لذلك اعتمدته “بولندا” رمزاً وطنياً على علمها.

وبسبب حرص بولندا على هذا الطير، فإنها تراقب حركاته، وتنامي أعداده، وتلاحق مشكلة اصطياده في رحيله، وتتابع مع السلطات المختصة مسألة منع اصطياده.

وقد لاحظت بولندا في بداية الأمر أن رفوف الطيور تعود ناقصة، فتتبعت الأمر وأدركت أن اصطياده في فوضى الصيد اللبناني هو سبب أساسي في تناقص اعداده.

وقد تيقنت بعد عدة سنوات من الملاحقة، أن أعداداً منه لا تعود إلى البلاد في فترة التبييض، وأن عددها يقل عاماً بعد عام، وبعد تقصي الحقائق حول الأمر، أدركت أن عشوائية الصيد، و فوضاه في لبنان، تشكل عاملاً مهما في تناقص أعداد هذا الطير، فقدمت احتجاجات لدى السلطات اللبنانية طالبة وقف صيده وحمايته، فلحمه لا يؤكل، وهو من الطيور الممنوعة الصيد عالمياً.

وأفادت بولندا منذ سنوات بعضاً من دبلوماسييها إلى لبنان للتفاوض على حماية الطير من الصيد، وفي ملف الدبلوماسية البولندية أن ما يحصل في لبنان هو صيد عشوائي، ولو كانت هذه الطيور تؤكل، ربما كان لذلك تبرير، مستنتجة أن هدف هذا الصيد هو القتل للتسلية، وإرضاء الذات رغم الضرر الكبير الذي يسببه ذلك.

نظام اللقلق الخاص

في عملية الترحال التي تشاهد اليوم، يعبر اللقلاق من موطنه إلى جنوبي أفريقيا، ويستوطن فيها طوال موسم الشتاء والبرد في بلاده، بينما يكون الطقس دافئاً، وصيفياً في أفريقيا الجنوبية، ويختار المناطق التي تتقارب طبيعة مناخها مع طبيعة موطنه، ولا يستقر في المناطق الشديدة الحرارة وأواسط أفريقيا، ويعود مطلع الربيع المقبل حيث يكون المناخ في موطنه قد بدأ يميل للتحسن، والصحو، وفي ذلك الحين تبدأ رحلته في شهر شباط/فبراير من أفريقيا متجهاً شمالاً.

الطير يعبر عشرة آلاف كيلومتر للوصول إلى مبتغاه في إحدى الدول الأوروبية متخذا خطين للطيران، واحد يعبر شرق المتوسط باتجاه شرق أوروبا، ومن هذا الخط يعبر فوق لبنان ويتخذ من جباله وغاباته محطة استراحة، والثاني، فوق مضيق جبل طارق باتجاه المناطق الواقعة غرب جبال الألب.

يستفيد الطائر من الهواء الساخن الذي يحمله إلى أعلى فيساعده على الطيران، ولذلك يؤثر الطيران النهاري، وعند اقتراب الليل، يبرد الهواء، ويكون الطائر قد أنهكه الطيران طوال النهار، فيبحث عن محطة استراحة على البر، وبين انهاكه وقربه من الأرض يصبح هدفا سهلا للصيادين.

يتابع ما ينجو من الطيور من نيران الصيادين، سيره باتجاه الدول التي يقصدها بتركيز، ومعرفة غريزية، وخبرة، فيعود إلى النقطة التي يقوم فيها عشه الذي ولد فيه لإجراء عملية التبييض.

يسبق ذكر اللقلق أنثاه بأربعة أيام، يستكشف خلالها حال عشه، فإذا كان ما يزال في مكانه، أجرى عليه بعض لمسات ترميم، وتحضير، وإذا كان مدمراً، بنى عشاً آخر على بعد لا يزيد على الخمسين كيلومتراً من المكان السابق تحضيراً لـ”الخدر الزوجي” الذي تلد فيه أنثاه الأبناء.

بعد أربعة أيام، تصل أسراب الإناث، وتتوزع الطيور أزواجاً، كل زوجين معاً لفصل صيف واحد، يستكشفان المكان، ويتمتعان بجماليته، يتبادلان إشارات الوداد كأنهما في شهر العسل، وبعد جولة تمتع بأرض الوطن الذي تاقا إليه، وبمروجه وحقوله الخضراء، يتجهان إلى العش الذي هيأه الذكر، يجريان فيه طقوس التزاوج، ثم تضع الأنثى بيوضها التي تتراوح بين 3-5 بيضات.

 

   

 

يستغرق تفقيس البيض شهرا من الحضانة، ثم تخرج صغار اللقلاق من بيوضها، وتبقى في حضانة الأب والأم مدة تتراوح بين شهرين وثلاثة، ثم تغادر وتلتحق بالجيل الجديد مثلها الذي يتجمع أسرابا على ضفاف المياه، وفي المروج الرطبة، ثم تبدأ رحلة هجرتها أواسط آب كحد أقصى باتجاه أفريقيا هربا من برد الشتاء القادم.

تعتبر الحشرات مصدر الغذاء الأساسي للقلق،  وتحتاج عائلة اللقلق شهريا إلى ما بين 200-250 كيلوغرام من لحم الحشرات، يكفي تناقصها لإحداث توازن بيئي لا تعرفه الطبيعة التي لا يتوافر اللقلق فيها.

تبلغ أعداد اللقلاق 30 ألف زوج في بولندا، وهو الرقم الأكبر بين كل دول العالم ولذلك تعتبر بولندا الدولة الأم له، لكنه في عدد من البلدان الأوروبية في تناقص مستمر، وينظر إلى بضع المئات المتبقية منه في بعض هذه الدول كرقم في طريق الانقراض.

بعض المعتقدات الخرافية في بولندا تقوم على اللقلق حيث يعتقد البولنديون أن رؤية عش من أعشاشه نذير خير وسعادة، ويعتقد الأطفال أن اللقلق هو الذي أتى بهم إلى أهلهم.

 

   

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم