بـ”ألفاظ جارحة” موسكو ترد على مطالب بولندا بتعويضات عن الحرب
بـ"ألفاظ جارحة" موسكو ترد على مطالب بولندا بتعويضات عن الحرب
عادت بولندا إلى ما وصفته موسكو بـ”مزاعم” ضرورة الحصول على التعويضات المالية من روسيا مقابل ما لحق من “خسائر عسكرية وأضرار ودمار” على أيدى القوات الروسية مع بدايات الحرب العالمية الثانية في عام 1939.
وكان نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميترى ميدفيديف أول من رد على بيان الخارجية البولندية، بتصريحات اتسمت بكثير من الحدة، والخروج عن المألوف. ففي قناته على “تيليغرام”، كتب يقول إنه “يمكن الرد على بيان ممثلي وزارة الخارجية البولندية المنحطين، في شأن الرغبة في تعويض الخسائر العسكرية بطريقتين”.
ونقلت وكالة أنباء “ريا نوفوستي” الروسية عن ميدفيديف الذي سبق وشغل منصب رئيس روسيا الاتحادية خلال الفترة 2008-2012، قوله إن الطريقة الأولى تتلخص في أن موسكو يمكنها إعداد كشوف حسابات بكل ما سلمه الاتحاد السوفياتي إلى بولندا خلال أوقات الاشتراكية، وهي التي تبلغ بحسب تقديراته “مئات المليارات من الدولارات”. أما الطريقة الثانية فإنه وبحسب ما يعتقد ميدفيديف “على البولنديين استخدام هذه الكشوف “في مسح أنفسهم بحساباتهم القذرة، ولا سيما بعد ارتفاع أسعار ورق التواليت في الاتحاد الأوروبي بسبب ما جرى فرضه ضد روسيا من عقوبات”.
أما وزارة الخارجية الروسية فقد أوجزت ردها في بيان قالت فيه إنه “كان يطلق على مطالبات بولندا المحتملة لموسكو في شأن دفع التعويضات في السابق، أنها غير كافية وتكمن في عالم الأوهام السياسية”. وأشارت وزارة الخارجية الروسية إلى أن “وارسو تحاول من خلال مثل هذه الأساليب حل مشكلاتها السياسية الداخلية”، وتتحول إلى “المراجعة التاريخية”، بينما وصفت مصادر في الكرملين ما صدر عن وارسو من تصريحات بأنها “كراهية مسعورة للروس” و”تطرف سياسي غير صحي”.
تخيلات سياسية
ونقلت صحيفة “كوميرسانت” الروسية عن أوليج تيابكين، مدير القسم الأوروبي الثالث بوزارة الخارجية الروسية، ما قاله حول أن “مطالبات بولندا ضد روسيا بدفع تعويضات عن خسائر الحرب العالمية الثانية تخيلات سياسية”. وكان تيابكين أدلى إلى وكالة “ريا نوفوستي” بتصريحات قال فيها إن “المزاعم غير الكافية من الدوائر السياسية البولندية لروسيا في ما يتعلق بالخسائر التي تكبدتها بولندا خلال الحرب العالمية الثانية لا وجود لها إلا في عالم الأوهام السياسية”. ومضى المسؤول الدبلوماسي الروسي ليقول “إنهم في بولندا يلجأون غالباً إلى المراجعة التاريخية عند حل المشكلات السياسية الداخلية”.
وفي السياق وصفت مصادر مجلس الدوما ما صدر عن الرئيس البولندي أندريه دودا من تصريحات تقول إن بولندا يجب أن تحصل على تعويضات من روسيا عن الحرب العالمية الثانية بأنها لا تعدو إلا أن تكون محاولة لـ”إعادة تأهيل للفاشية”. وكانت الصحافة الروسية أشارت في أكثر من مقال إلى سنوات الاحتلال البولندي للعاصمة موسكو في عام 1610 وما استمرت بعد هذا التاريخ من حرب حتى عام 1618، وبما تكبدته روسيا خلال هذه السنوات من خسائر بشرية ومادية، حتى تم طرد الغزاة البولنديين.
ومن المعروف أن وزارة الخارجية البولندية سبق وأعدت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أيضاً قائمة مماثلة تقدمت بها إلى ألمانيا للمطالبة بتعويضات جديدة عما لحق ببولندا من “أضرار” خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، قدرتها بمبلغ ستة تريليونات و220 ملياراً و609 ملايين زلوتي (نحو 1.3 تريليون دولار) وهو ما سبق وأشارت إليه “اندبندنت عربية” في تقرير سابق لها من موسكو. وكانت الحكومة الألمانية أعلنت في أكثر من مناسبة أنها لن تفعل أي شيء من هذا القبيل، مكتفية بتصريحات قالت فيها إن “بولندا تلقت تعويضات كبيرة بعد الحرب مباشرة، فضلاً عن أن الجانبين الألماني والبولندي سبق واتفقا في عام 1953 على إغلاق باب التعويضات”، بل ونقلت المصادر الألمانية ما صدر عن مصادر رسمية من تصريحات تتضمن التلميح بإمكانية عودة ألمانيا إلى المطالبة بتحرير ما جرى ضمه إلى شرق بولندا من أراض ألمانية في بروسيا الشرقية وممر دانزيج، بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، التي فرضت أيضاً ضم بولندا إلى أراضيها شمال مقاطعة كينيسبرج التي استولى الاتحاد السوفياتي على جنوبها في ما يسمى اليوم بمقاطعة “كالينينغراد” على ضفاف البلطيق.
أما عن موقف روسيا بهذا الصدد، فيقول المراقبون في موسكو إن السلطات الروسية سبق وأعلنت في أكثر من تصريح رسمي ومناسبة أن “بعض الدول الأوروبية تحاول إعادة كتابة التاريخ”. وحول هذه القضية عادت صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” إلى الاستشهاد بما قاله الرئيس فلاديمير بوتين في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2019 “إن بولندا ودولاً أخرى تواطأت مع ألمانيا النازية. موسكو لديها وثائق تاريخية حول كيفية إجراء هذه المفاوضات. وفقاً للسياسيين الروس، فإن أوروبا ليست مستعدة للاعتراف بهذا الجزء من تاريخها”.
وأشار بوتين إلى أن “موسكو ملزمة بضمان الحفاظ على حقيقة الحرب الوطنية العظمى ومقاومة محاولات تزوير تاريخها”. ويتذكر المراقبون ما سبق واحتدم من خلافات بين البلدين، على وقع ما جرى ارتكابه خلال السنوات الأخيرة، من جرائم وتجاوزات شملت “تدمير مئات النصب التذكارية لجنود الجيش الأحمر الذين لقوا حتفهم من أجل تحرير بولندا من نير الاحتلال النازي إبان سنوات الحرب العالمية الثانية”. وفي هذا الصدد استعرضت المصادر الروسية ما وقعه الرئيس البولندي أندريه دودا في صيف عام 2017 من تعديلات على القانون الذي يحظر الدعاية للشيوعية أو أي نظام شمولي آخر إلى جانب إلغاء وتغيير أسماء المباني والأشياء ذات الصلة بالتاريخ السوفياتي القديم. وأشارت المصادر الروسية إلى أن ذلك القانون ينص ضمناً، ومن بين أمور أخرى، على هدم الآثار السوفياتية. واستشهدت هذه المصادر بما أعلنه معهد الذاكرة الوطنية في بولندا، المسؤول عن الأعمال التذكارية، من تقديرات قال فيها إن ما أصدرته بولندا من قوانين حول إزالة رموز الماضي سينال من قرابة 230 نصباً تذكارياً للجيش الأحمر، وإن قالت مصادر بولندية إن القانون لن ينال من المقابر والأماكن التي تم فيها دفن الجنود السوفيات أو تضم رفاتهم.
مساعدات روسية
ورداً على كثير مما يجري اتخاذه من قرارات وخطوات من جانب السلطات البولندية في إطار “محاربة رموز الماضي أو إعادة كتابة التاريخ” بحسب التقديرات الروسية. تقول المصادر الرسمية وغير الرسمية في موسكو إن “الجيش الأحمر” حرر بولندا من الغزاة النازيين في 1944-1945، وإن الخسائر البشرية السوفياتية في هذه العملية بلغت أكثر من 600 ألف شخص”، إضافة إلى ذلك، “قدم الاتحاد السوفياتي مساعدات هائلة في عملية إعادة بناء بولندا بعد الحرب”.
واستعرضت المصادر كذلك بعضاً مما قدمته السلطات السوفياتية من مساعدات، قالت المصادر الروسية إنها “أسهمت في وارسو وحدها في إزالة عشرات الآلاف من القذائف والألغام وترميم الجسور والطرق، إلى جانب ما جرى تقديمه من تبرعات من الأطعمة، والفحم والكيروسين للسكان. في الوقت نفسه، لم يتدخل الجيش السوفياتي في أسلوب الحياة الداخلية للشعب البولندي”، وذلك كله فضلاً عما حصلت عليه بولندا من مساعدات ومنح دراسية وعلمية وأسلحة ومعدات عسكرية منذ سنوات انضمامها إلى حلف وارسو.
ونقلت وكالة أنباء “ريا نوفوستي” عن دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين ما قاله في معرض تعليقاته على تصريحات من وارسو “تزعم” أن الاتحاد السوفياتي لم يحرر بولندا من النازيين في وقت سابق، حول أن ذلك “كذبة وحشية، ومحاولة لخداع جيل الشباب البولنديين”.
ومن الطريف في شأن التعويضات التي تطالب بها بولندا ما صدر من تعليقات تقول إن بولندا تطالب ألمانيا بالتعويضات التي تريد أن تستفيد منها لحل ما يصادفها من مشكلات داخلية. أما عن التعويضات التي تسعى من أجل “الترويج لها في حربها الإعلامية ضد روسيا”، فإنها تستهدف بالدرجة الأولى جمع الأموال التي يمكن استخدامها لحل المشكلات الداخلية لأوكرانيا المجاورة، التي تقع ضمناً ضمن “مطامعها التوسعية”.
ويذكر المراقبون ما بذلته وتبذله القيادات البولندية من جهود من أجل التغلغل في شرق أوكرانيا، في إطار مخطط بعيد المدى يستهدف استعادة ما فقدته بولندا من أراض تقع اليوم داخل الحدود الأوكرانية، وهي التي سبق ضمها إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، ونتيجة للجهود التي بذلها الزعيم السوفياتي الأسبق ستالين.
ويذكر المراقبون في موسكو تلك الزيارة التي قامت بها أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية للعاصمة البولندية وارسو، أنها شهدت ضمناً تركيز الجانب البولندي على إثارة موضوع التعويضات. وقالت المصادر إن وزيرة الخارجية الألمانية كشفت عن موقف بلادها من هذه القضية، وأنها لا تنوي دفع أية تعويضات أو مبالغ مالية، وأنه وبدلاً من ذلك يعرض على بولندا التركيز على “بناء مستقبل أوروبي مشترك ودعم أوكرانيا ومواجهة روسيا”.
ومن اللافت في هذا الصدد ما أشارت إليه صحيفة “كوميرسات” الروسية حول أنه “كان المقرر وحسب نتائج مؤتمري بوتسدام ويالطا، أن تحصل بولندا على تعويضات ليست مباشرة من الجانب الألماني، لكن من جمهورية ألمانيا الديمقراطية من حصة الاتحاد السوفياتي”. ومضت الصحيفة لتقول إن الاتحاد السوفياتي وجمهورية بولندا الشعبية وقعتا في عام 1953 اتفاقية حول “وقف دفع هذه التعويضات”. وأشارت إلى أنه وحسب تقديرات الجانب البولندي كانت وارسو اتخذت هذه الخطوة تحت الضغط، بالتالي لا يمكن اعتبار ما صدر عنها من اعترافات حول “التزامات التعويض” قد تم الوفاء بها.
واستطردت الصحيفة الروسية لتنقل عن الجانب الألماني ما أصدره من تصريحات يقول فيها إن “رفض المطالبة بأي تعويضات من ألمانيا تم تسجيله أكثر من مرة، وليس فقط في عام 1953، بل وأيضاً في عام 1990، في المعاهدة الدولية للتسوية النهائية في ما يتعلق بألمانيا التي وقعها وزراء خارجية الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية”.
المصدر : اندبندنت عربية