بولندا مجتمع
بولندا وإسرائيل و…سياحة الكارثة
الصحفي رونين بيرغمان (“يديعوت احرنوت”) كان الرجل السليم في المكان السليم، في الزمن السليم وفي السؤال السليم. المكان كان مؤتمر الأمن في ميونخ. الحدث: كلمة رئيس وزراء بولندا، ماتوش مورافيتسكي. فقد روى بيرغمان لرئيس الوزراء البولندي ما روته له أمه، كيف أنقذت جزءا من أبناء عائلتها بعد أن تعرفت على أن الجيران البولنديين يوشكون على الوشاية عن اليهود في الحي لـ “اس اس”. هل سأعتبر مجرما إذا قلت هذا في دولتكم؟ سأل بيرغمان، واجيب بجواب بائس شبه فيه بين المجرمين البولنديين، الروس والاوكرانيين وبين ضحاياهم اليهود.
لم تكن هذه زلة لسان: في نظر القيادة البولندية القائمة، كانت الكارثة حدثا جنائيا، شيئا ما مثل سطو على بنك، ليس مسؤولا عنه إضافة إلى الألمان سوى اولئك الذين شاركوا فيه بالفعل. والأسوأ من هذا، فإن الكارثة هي مصدر إقلاق، صرف للانتباه، سرقة هالة الضحية من الضحية الحقيقية، الشعب البولندي. ومن كل الاماكن، هذا يحصل في ميونخ، عرش العصر النازي.
رئيس وزرائنا رد على اقوال نظيره البولندي بحذر زائد. وحتى الخطوة اللازمة بعد مثل هذه الاحداث، إعادة السفيرة إلى البلاد للتشاور، لن تتم. يكفي بيان لفظي ومكالمة هاتفية. من السهل أن نخمن ماذا كان نتنياهو سيقول لو كان اليوم في المعارضة: لكان اتهم حكومة إسرائيل بترك الشعب اليهودي لمصيره وبالتعاون مع اللاساميين الجدد. الحكومة نسيت ماذا يعني أن نكون يهودا، كان سيعلن في مظاهرة ممولة من خارج البلاد للناجين من الكارثة.
ما يريده حزب “القانون والعدل” الذي يسيطر اليوم في بولندا، واضح تماما. فقد تفجر قادته غضبا حين رأوا كيف أن آلاف الشبان اليهود يبكون على ارض بولندا ويحتفلون على أرض المانيا. هذا التشويه هو ما أرادوا إصلاحه. ولكن ما بدأ كجهد شرعي لاعادة المسؤولية التاريخية عن الكارثة لمن بادر اليها وادارها، تدحرجت إلى تنكر عام لكل مسؤولية عما حدث ليهود بولندا، في اثناء الاحتلال الالماني وبعده. فليس لأول مرة في التاريخ، ما بدأ بنية وطنية انتهى بفعل لاسامي.
السياسة البولندية لا ينبغي أن تقلقنا: من حق كل شعب ان تكون له الحكومة التي انتخبها. والسؤال هو اين نحن في هذه القصة. مسألة واحدة هي إسرائيل والشعب اليهودي. حكومة إسرائيل الحالية تشدد أكثر من كل حكومة سابقة على الطابع اليهودي للدولة. يهوديا أولا، ديمقراطية بعد ذلك. وهي تحاول حتى أن تقرر هذا النظام في القانون. رئيس وزرائنا هو أيضا رئيس وزراء الشعب اليهودي – هكذا يعلن.
ولكن أمام الحكومات المصابة باللاسامية كالحكومة الهنغارية أو البولندية، وأمام صعود جماعات عنصرية، لاسامية، في أميركا ترامب، فإن حكومة الشعب اليهودي تسكت.
إن القاسم المشترك الذي يربط بين حكومات اليمين المتطرف هو الخوف من المهاجرين والخوف من الاسلام. حكومتنا هي جزء من هذا الحلف. في كل نقطة يصطدم فيها التضامن اليميني مع التضامن اليهودي، ينتصر التضامن اليميني. هذا ليس واجب الواقع – إسرائيل يمكنها أن تسمح لنفسها بسياسة اخرى، ولكن هذا هو الموجود.
النقطة الثانية هي سياحة الكارثة إلى بولندا. منذ البداية كانت مشكلة في هذا المشروع، في التمييز الذي يخلقه بين أطفال أغنياء وفقراء، في تعريض فتيات وفتيان غير ناضجين لفظاعة معسكرات الابادة في رحلات تدهورت احيانا إلى الكحول وإلى السلوك المهين، السائب وانفجارات النزعات القومية المتطرفة.
والآن، حين يكون واضحا بان البولنديين ملوا عبء الكارثة، ملوا اليهود الذين يذكرونهم بها كل الوقت وملوا سياحة المعسكرات، حان الوقت لإعادة تعليم الكارثة وتخليدها إلى المكان السليم، إلى القدس، إلى “يد واسم”. قد يكون هذا مثيرا للانفعال أقل، صادم أقل، مستفز أقل، ولكن هذا لنا.
اضافة إلى ذلك: في السنة الماضية صدر في إسرائيل كتاب “عالم بلا يهود” كتبه ألون كونفينو، بروفيسور في جامعتي فيرجينيا وبن غوريون. الفتيات والفتيان الذين يسافرون إلى بولندا سيحسنون صنعا اذا ما قرأوه. ليس قبل، ليس بعد – في المكان. فهو سيعينهم كم كانت الثقافة الالمانية جاهزة لإبادة اليهود، كم كانت ابادتهم جزءا من الهوية الالمانية. وسيفهمون شيئا ما عن الأراضي التي تنبت منها العقائد العنصرية، بما في ذلك عقائد اللاسامية. بعد ذلك يمكنهم أن يسافروا ببهجة إلى وارسو أو إلى برلين.