حتى في بولندا.. الإفصاح عن المثلية يقابل بالعنف
رغم انضمامها للاتحاد الأوروبي، الذي يحمي حقوق المثليين، حذر باحثون من انتشار ظاهرة رهاب المثلية في بولندا أكثر منه في دول أوروبا الشرقية الأخرى. وذلك على إثر هجمات على أحد احتفالات المثليين في إحدى المدن االبولندية.
عندما كان الكاتب البولندي جاسيك دينل لايزال في المدرسة، لم يكن هناك رسميا وجود للممثلين في بلده، حسبما قال الكاتب في حوار له مع DW. ويستدرك دينل: “قبل بضع سنوات، عُدت إلى هناك مرة أخرى ورأيت أزواجاً مثليين وكان الجميع يعرفون بذلك”. الكاتب الذي وُلد عام 1980، تزوج العام الماضي من شريك حياته في لندن، وهو الكاتب والمترجم بيوتر تارسينسكي.
في مسقط رأسه بولندا، لم يكن زواج المثليين ممكناً. لكن العديد من الأشياء تحسنت اليوم في بولندا، فهناك على سبيل المثال نواب برلمانيون ورؤساء بلديات مثليو الجنس ومتحولون جنسياً، كما يقول دينل.
على الصعيد المحلي تبقى العدائية سيدة الموقف “خاصة مع توجه سياسيين محليين إلى إعلان المزيد من المناطق مناطق خالية من المثليين. كما كانت تُعلن في حقبة تاريخية أخرى بعض المناطق مناطق خالية من اليهود. مشهد قاس إلى درجة ينال منا نحن الأقوياء”، كما يقول الكاتب، الذي يدعو في الوقت نفسه المثليين من النساء والرجال إلى إشهار مثليتهم ومساندة بعضهم في كل مكان.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، عايش جاسيك دينل خلال تواجده في إحدى احتفالات المثليين في مدينة بياويستوك البولندية مدى قسوة وبشاعة نتيجة الأحكام المسبقة ضد الأشخاص من مجتمع المثليين.
تعرض المشاركون في الاحتفال للإيذاء اللفظي من قِبل القوميين ومثيري الشغب. كما تعرضوا أيضاً للبصق والضرب بأشياء مختلفة منها البيض الفاسد والمفرقعات والحجارة وحتى زجاجات مملوءة بالبول. “لقد شاهدنا، كيف هاجم مثيرو الشغب الأشخاص على بعد ما يقرب من عشرة أمتار. رجل طويل القامة يرتدي قناعاً أحمر اللون يغطي رأسه ووجه بالكامل، يوزع الركلات على الأشخاص من حوله بما في ذلك الفتيات المراهقات”، كان هذا ما كتبه الكاتب البولندي جاسيك دينل على صفحته على “فيسبوك”. وبعد أن تمكنت الشرطة من السيطرة إلى حد ما على أعمال الشغب والفوضى خلال الاحتفال، تمكن دينل من إلقاء خطابه في افتتاح احتفال المثليين”، وقال: “أنا لست متحدثاً رسمياً، ولا ناشطاً مثلياً، ولا حكيماً عظيماً، أنا كاتب فقط، و مثلي الجنس بالصدفة”.
السياسيون اليمينيون يثيرون المخاوف
عند الحديث عن حوادث رهاب المثلية، فإن السياسيين اليمينيين يتحملون أيضاً جزءاً من المسؤولية، كما يرى رئيس مركز الأبحاث الخاصة بالأحكام المسبقة في قسم علم النفس بجامعة وارسو، ميشال بيلفيتش في مقابلة له مع DW: “يستخدمون الأحكام المسبقة لناخبيهم لتخويفهم من تهديدات مزعومة”. وأضاف بيلفيتش:” في عام 2015، كان التخويف من المهاجرين، وفي عام 2018 من اليهود واليوم من مجتمع المثليين”.
“في بولندا، تعد مؤشرات رهاب المثلية أعلى من نظيرتها في أوروبا الغربية وحتى في بلدان أوروبا الشرقية الأخرى، باستثناء روسيا ودول القوقاز”، كما يقول الباحث ميشال بيلفيتش.ويتساءل عن السبب في ذلك: “لماذا؟” ويجيب في نفس الوقت: “75 في المائة من البولنديين يقولون إنهم لا يعرفون أي شخص من مجتمع المثليين”. بالأخص في بودلاشيا، المنطقة المحيطة بياويستوك ، من المحتمل أن عدداً قليلاً جداً من الأشخاص هم من لديهم تواصل مع مجتمع المثليين، لأنهم لا يتحدثون بصراحة عن ميولهم الجنسية خوفاً من عواقب سلبية.
“إذا لم يكن هناك تواصل مباشر، يمكن من التحقق من الأحكام المسبقة، تحدث مثل هذه المشاكل” يوضح ميشال بيلفيتش ويضيف: “عندما يضع السياسيون عدواً: المهاجرون، اليهود، والآن المثليون، فإن النتيجة تكون العنف “. ويتابع رئيس مركز الأبحاث الخاصة بالأحكام المسبقة: “إن أفضل طريقة لمواجهة الأحكام المسبقة، هي أن يكون لديك جار أو بائع أو معلم من هذا المجتمع. حينها يلاحظ المرء أن الشخص ليس مختلفاً عنه”.
التحررية أم الطائفية الكاثوليكية؟
على الرغم من تغيير السلطة قبل أربع سنوات، بفوز حزب “القانون والعدالة” المحافظ في الانتخابات، أصبح المجتمع البولندي أكثر انفتاحاً بشكل عام، بحسب الكاتب جاسيك دينل: وفقًا لاستطلاع أُجري مؤخراً، فإن 56 في المائة من البولنديين مع الزواج المدني المسجل و 41 في المائة منهم مع زواج المثليين. ويتذكر دينل أنه “قبل عشر سنوات كانت النسبة لا تزال 16 في المائة”.
حتى أنه يمكن إيجاد شيء ايجابي في احتفال المثليين في بياويستوك، على الرغم من الحوادث الجانبية: “في السابق كان هناك مسيرتان، أو ثلاث مسيرات من هذا القبيل في بولندا. هذا العام ستكون هناك 25 مسيرة، بما في ذلك لأول مرة في بياويستوك ولوبلين، حيث كان هذا من المستحيل قبل بضع سنوات “.
يفصح المزيد من الأشخاص اليوم عن ميولهم الجنسية، بما في ذلك العديد ممن يمثلون قدوة، خاصة للمراهقين الذين يعيشون صراعاً بشأن هويتهم الجنسية. وهذا أمر مهم بشكل خاص، كما أكد جاسيك دينل في خطابه خلال احتفال بياويستوك: “لأن المراهقين المثليين تراودهم فكرة الانتحار ست مرات أكثر من المراهقين الآخرين في نفس سنهم، ونحن نعلم أن الأمر لا يتوقف غالبا عند الفكرة فقط”.
وفي رأيه تعيش بولندا مرحلة من الاضطرابات ويمكن للبلد أن يتطور في اتجاهين مختلفين تماماً كما يقول: “إما أن يكون هناك تحرر، ربما شبيها لما هو في مالطا الكاثوليكية، حيث بعد تغير سياسي، تم السماح بزواج المثليين. لكن يمكن أن يذهب إلى اتجاه الطائفية الكاثوليكية على غرار نمط الأصولية الإسلامية”.
أوغيليوس. م بيدتسفول/ إ.م – DW