سفير دولة فلسطين في بولندا:لم يتم إبلاغنا بإتفاقيات التطبيع ،ولدينا العديد من الخيارات !
شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن يوم أمس الثلاثاء التوقيع على ” اتفاقيات السلام ” بين الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة ، و ” إسرائيل ” من جهة أخرى ، برعاية أمريكية مباشرة .
وتم التوقيع على الإتفاقية بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيري الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد والبحريني عبد اللطيف الزياني الى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من مسؤولين أميركيين.
وللوقوف على الموقف الفلسطيني من إتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين مع ” اسرائيل ” كان لنا لقاء مع سعادة سفير دولة فلسطين في بولندا الدكتور محمود خليفة ، الذي أجاب عن أسئلتنا حول تطورات الأحداث فيما يخص القضية الفلسطينية .
سعادة السفير ، لقائنا معكم اليوم يأتي بعد أكثر من شهر من إعلان الإمارات العربية المتحدة عن التطبيع مع ” اسرائيل ” وبعد أيام من إعلان البحرين أيضاً عن القيام بالخطوة ذاتها ، ما هي قرائتكم لهذه التطورات ، ولماذا تم إختيار هذا التوقيت ؟
فيما يتعلق بالاتفاق الإماراتي البحريني الإسرائيلي الأمريكي اعتقد أنه قبل أي شيئ يتوجب أن نضع أمامنا ميزان ، ونرى ما الذي كسبته البحرين والإمارات من هذه الإتفاقية ، وبالتأكيد سترجّح كفة اسرائيل في المكسب الكبير الذي حققته ، والذي وصفه نتنياهو بأنه إنتصار كبير لهم ، لأنهم حققوا إنتصاراً كبيراً على الصعيد العربي ، وحققوا خللاً فيما يتعلق بآلية تعامل الأشقاء العرب مع القضية الفلسطينية .
ما فعلته الإمارات والبحرين بالتأكيد هو شرخ وتصدع كبير فيما يتعلق بـ الجامعة العربية وآلية تعامل الأشقاء العرب مع القضية المركزية لـ الأمة العربية وهي القضية الفلسطينية .
بالنسبة لنا خيار الإستسلام والهزيمة ليس موجوداً لا في الثقافة الفلسطينية ، ولا في الثقافة العربية بشكل عام ، فلسطين التي تحيى في أفئدة كل مواطن عربي يتطلع الى القدس كأولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين لا يمكن أن تكون في مزايدات بعض الأنظمة للحصول على الحماية من بطش الإدارة الأمريكية فيما تبقى لها من إقامة في البيت الأبيض.
نعتقد جازمين أن الضغط الكبير والهائل الذي مارسته الإدارة الأمريكية لإحداث خرق في الجدار العربي والمكون الذي شكل دائماً حاضنة لـ القضية الفلسطينية لن ينحج.
نعم نجحت الإدارة الأمريكية مع الإمارات والبحرين وقد تنجح مع أنظمة أخرى ، لكن بالتأكيد أن هذا الأمر لن يشكل لنا نكسة ولن يحقق لهم إنتصاراً في الخطرة بالذهاب نحو خذلان الأمة العربية ، بعد أن ارتؤوا الوقوف الى جانب الإدارة الأمريكية ونتنياهو لإنقاذهم مرة أخرى من السقوط المريع الذي نشاهده يومياً عبر شاشات التلفزة سواء في اسرائيل أو في الولايات المتحدة
بالنسبة لنا نعتقد أن التاريخ سيسجل لنا كل ما يقال حول ما جرى في أبو ظبي وفي المنامة وما يحدث الآن في واشنطن ، ونعتقد أن لقاءات سرية استمرت لوقت طويل حتى نجحت الإدارة الأمريكية في إحداث هذا الشرخ .
وما فعلته الإمارات والبحرين عبر عقد اتفاقيات مع إسرائيل لن يشكل طوق نجاة لـ الإدارة الأمريكية أو اسرائيل ، وإنما عرّى وأسقط أوراق التوت الأخيرة من أمام هذين النظامين .
هل ما حدث هو تسلسل طبيعي للأحداث ؟ أم أنه تم إختيار هذا التوقيت لأسباب معينة ؟
التوقيت هو مسألة أخرى ، و التوقيت يحمل في طياته العديد من المفارقات ، فالإدارة الأمريكية تعتقد أنها ربما تحقق من وراء ذلك مشهداً يعطي الإدار الأمريكية الحالية بعداً قوياً لدى الناخب الأمريكي بعد أسابيع قليلة الى صناديق الإقتراع .
واذا ذهبنا أبعد من ذلك ، الى عام 1993 ، وتحديداً تاريخ 13 سبتمبر / ايلول من ذلك العام ، عندما وقّعت القيادة الفلسطينية مع اسرائيل اتفاقية سلام ، اردناها سلام ، وارادها الإسرائيلي مضيعة للوقت لعلهم يعيدون صياغة التاريخ ، وحالياً تاريخ 15 سبتمبر / ايلول 2020 ( تاريخ توقيع الإتفاق ) هو إثبات أن الإسرائيليين والأمريكيين نجحوا في العبث بمجرى التاريخ ، والعبث في مصائر الشعوب و أنهم ليسوا شريكاً بالمطلق في عملية السلام ، بل يرغبون بكسب المزيد من الوقت .
ومن المفارقات أيضاً اليوم التوقيع على الإتفاقية في ساحة البيت الأبيض ، تماماً من نفس المكان الذي أعلن فيه الرئيس ترامب وعده الجديد لـ دولة اسرائيل عندما منحها أولاً القدس ، وثانياً الجولان ، مع عدد من الدول العربية التي وأن لم تكون في حالة حرب مع اسرائيل ، الا أنها كانت الجانب الإجماع العربي والموقف العربي الموحد من أجل الذهاب نحو السلام ، والذي كان تحت عنوان مبادرة الملك عبدالله فيما يخص المبادرة العربية للسلام التي اعتمدتها جامعة الدول العربية عام 2002 .
اعتقد أن ما نشاهده في هذه الفترة من عبث أمريكي ليس في القضية الفلسطينية فحسب ، وإنما في السياق العربي أجمع يهدف الى إعادة صياغة الوضع الدولي ، ويعتقدون أنهم قادرين الآن على تحطيم معالم القوة العربية ، فقد نجحوا قبل ذلك في تدمير العراق ، ونجحوا في تدمير ليبيا ، وتدمير العديد من الدول الأخرى كـ اليمن وسوريا ، لذلك هم يعتقدون أنه حينما يجلسون مع الدول العظمى في العالم ، المقعد العربي سيكون فارغ ، كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى ، وكما حصل بعد الحرب العالمية الثانية ، وهذا ما يريدونه لنا عبر الحروب التي يشنوونها ، والتي لا تحمل الطابع الكلاسيكي العسكري ، وإنما عبر تقاسم ما يعتبرونه حقاً لهم في الدول النامية .
للأسف دولة الإمارات ودولة البحرين ساهمتا بشكل كبير في افراغ الجامعة العربية من محتواها ومضمونها .
بحسب رأيكم هل لمؤتمر وارسو الذي قاطعته السلطة الفلسطنية دور فيما يجري الأن ؟ خصوصاً أنه كان الإجتماع الرسمي الأول للحديث عن صفقة القرن ؟
بالتأكيد ما يحصل اليوم هو خطوة أخرى في إتجاه تمرير ” صفقة القرن ” الأمريكية ، فـ صفقة القرن التي أعلن عنها بمشاورة كاملة ما بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وتحديداً نتياهو ، لأنهم ( الإدارة الأمريكية ) معنيون بـ نتنياهو قبل غيره ، وكانت الإدارة الأمريكية تنتظر من القيادة الفلسطينية أن تصفق لها.
وتعبّر عن الشكر لها ، وأنا اعتقد أن الإدارة الأمريكية استمعت للرفض مرة ثم مرة ثم مرة ، وحتى اللحظة لا تزال تستمع للرفض الفلسطيني لمخططاتهم ولطموحاتهم ومخيلاتهم ، ليس رفضاً للسلام ، نحن من طلبنا السلام ، وقدمنا التنازلات الكبيرة للحصول على سلام عادل مقبول يحقق للشعب الفلسطيني إقامة دولته على حدود 4 حزيران 1967 , لكن الإدارة الأمريكية بدلاً من الذهاب في هذا الإتجاه ذهبت نحو إحداث الكثير من الفرقعات الإعلامية سواء من خلال مؤتمر وارسو ، والذي استحضرت فيه عدد من الأشقاء العرب ، واخذ معظمهم صور ” السيلفي ” مع نتياهو والحكومة الإسرائيلية التي شاركت في هذا المؤتمر ولم تقدم شيئ ، بينما تسابق بعض الأشقاء العرب للمشاركة في المؤتمر .
ولا بد أن نتذكر ماذا صّرح وزير الخارجية البحريني خلال المشاركة في المؤتمر، عندما قال بالحرف الواحد أن اسرائيل ليست العدو بالنسبة للبحرين .
والخطوة التي تلت مؤتمر وارسو هي مؤتمر المنامة ، والذي مرة أخرى قدم فيه الأشقاء العرب عنوان للهزيمة ، عوضاً عن الإنتصار لشقيقهم العربي ( فلسطين ) وبالتأكيد ما جرى من ذهاب الإمارات والبحرين إلى هذا الإتفاق هو تكملة لما حدث في تلك المؤتمرات ، ولا زلنا نتابع ما يجري من اتصالات مع اسرائيل بعضها من تحت الطاولة من قبل بعض الدول العربية ، ونحن على علم ودراية بكل ما يجري .
الجامعة العربية في إجتماعها الأخير لم تتمكن من التوافق على تمرير قرار يدين الخروج عن الإجماع العربي فيما يخص القضية الفلسطينية ، برأيكم هل ما حصل هو خذلان للقضية الفلسطينية ؟
ما حصل هو أكبر من خذلان ، عندما تشكلت الجامعة العربية ، كان أحد عناوينها الرئيسية نصرة الشعب الفلسطيني ، وأنا أحد الأشخاص الذين شاركوا في العديد من إجتماعات الجامعة العربية على الصعيد الإعلامي ، ومتابع دائم لمجريات الجامعة العربية ، وأنا اعتذر الآن لـ القراء الذين قرؤوا ما كتبت عن الجامعة العربية ، والتي كنت اعتقد بأنها واحدة من ثمرات الجهد العربي المشترك من أجل وحدة الموقف العربي .
وعلى الجانب الآخر نحن أمام تشييع رسمي للعمل العربي المشترك ، لم يعد هناك عمل عربي مشترك ، ولم يعد هناك اجماع عربي مشترك ، لا على صعيد الجامعة العربية ولا على صعيد الأنظمة العربية .
عندما تذهب الجامعة العربية نحو حماية موازنتها ، على حساب الأهدف الرئيسية ، وعندما تتحدث عن سقوط ذريع للجامعة العربية في الوصول الى بيان يندد بما ذهبت اليه الإمارات ، سنتذكر مجموعة من الأحداث ، منها ما حدث عام 1947 عندما خذلت الجامعة العربية عبد القادر الحسيني الذي كان يحقق الإنتصارات حول القدس ، وللأسف استشهد بعد شهر في نيسان 1947 عندما لم يجد الدعم والسند من الأشقاء العرب .
نستذكر أيضاً نقل مقر الجامعة العربية عندما ذهب السادات لتوقيع معاهدة ” الإستسلام ” مع اسرائيل ، حينها نقلت الجامعة العربية ( من مصر ) ونستذكر الآن ما قامت وتقوم به الجامعة العربية من تجميد لمقعد سوريا في الجامعة العربية بسبب ما يجري في سوريا ، فإذا بها الآن أمام قضيتها المركزية تتراخى وتقدم الكثير من التنازلات .
بالأمس الأمين العام للجامعة العربية قال بالأمس أن ما يجري من تطورات لن يثني الأشقاء العرب عن ضرورة تحقيق السلام ، ودعم مبادرة السلام ودعم الشقيق الفلسطيني ، وحصوله على أهدافه !
ما الذي بقي من كل هذا الكلام ؟ الجامعة العربية اُفرغت من محتواها ، واليوم الساعة السابعة بتوقيت الشرق الأوسط ، سنسمع وسنشهد تشييعاً كبيراً على لسان ترامب ، وعلى لسان الأشقاء في الإمارات والأشقاء في البحرين تشييع الجامعة العربية عبر التوقيع على وثيقة استسلام عربية بإمضاء الإمارات والبحرين بشكل كامل .
هل فشل الجامعة العربية في تبني بيان الإدارة نابع من الإختلاف في المصالح ؟ أم نتيجة الصراعات الداخلية التي تعصف بعدد من الدول العربية ؟
السبب هو مجموعة من العوامل ، وهنا أعود الى الضغوطات الأمريكية التي واجهت ياسر عرفات قبل وفاته للتوقيع على إتفاق وثيقة ” استسلام ” ، والتي بموجبها يمنح الإسرائيليين اسفل(باطن الأرض) مافي القدس ، وأجواء القدس ، فرفض ذلك ، وعندها قيل له أن الإدارة الأمريكية قادرة على إزالة أنظمة وإحداث حرائق !
نعم الإدارة الأميريكية أحدثت الكثير من الحرائق في العالم العربي ، كما حدث في سوريا والعراق و لبنان وليبيا وفي اليمن ، وفي غيرها من الدول العربية ، وما يحدث الآن هو تقديم قرابين لإسرائيل على حساب الأشقاء في الامارات وفي البحرين .
واذا ذهبنا أبعد من ذلك ، فالخريطة العربية باتت مشتعلة ، ومثّخنة بالجراح ، والساحة العربية تحتاج الى من يعيد توحيدها على قضيتها المركزية ، ومن يعيد توحيدها على قضاياها الرئيسية ، وذلك لأن كل نظام في منطقتنا العربية بات يبحث عن حماية غير موجودة من الإدارة الأمريكية .
وهنا لا بد من التذكير بما قاله الرئيس المصري السابق حسني مبارك ” المتغطي بالأمريكان عريان ”
خلال الأيام الأخيرة ومنذ إعلان الإمارات وبعدها البحرين عن نيتهم توقيع ” إتفاقيات سلام ” مع اسرائيل ، إنطلقت مبادرات شعبية في البلدين ترفض هذه الإتفاقية ، هل يمكن لمثل هذه المبادرات أن يكون لها تأثيراً على مجريات الأحداث ؟
بالطبع ، في حديثي السابق كنت أتحدث عن الأنظمة في دولة الإمارات والبحرين ، لكن انا كنت في البحرين وزرت الإمارات عدة مرات ، ولدي الكثير من الإصدقاء في هاتين الدولتين الشقيقتين ، المجتمع العربي لا يزال متمسك بقضاياه ، وما زال متمسك بتلابيب ما تبقى من قيم تريد بعض الأنظمة أن تلقيها في سلة المهملات ، لكن الشعوب العربية نابضة بالحياة ، وتعبر يومياً عن تمسكها بـقضيتها المركزية .
نحن لسنا هنا أمام احتلال عادي لدولة عادية ، نحن أمام قيمة وعقيدة ، وهذه همسة ورسالة الى الكثير من شيوخ السلاطين الذين يطبلون ويزمرون ويتناسون القيمة العقيدية لـ القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرها من المقدسات الموجودة في الإقصى ، وبالتالي الاشقاء العرب والشارع العربي كان دائماً الرافعة لقضاياه المركزية ، ودائماً عندما ذهبت الأنظمة في إتجاه المزايدات السياسية ، كانت الرافعة دائماً الشعوب العربية ، وما اشاهده دائماً أن هناك الكثير من الرفض سواء أكان من الأشقاء في الإمارات الذين نكنّ لهم كل الإحترام ، وكذلك الأشقاء في البحرين والذين أيضاً نكنّ لهم كل الإحترام ، وكغيرهم من الدول العربية الشقيقة الأخرى .
ولا أنسى هنا أي دولة عربية ، لأنني أتحدث عن الشعوب التي كانت دائماً الإسناد القوي في اسناد القضية الفلسطينية بمواجهة المخاطر التي لم تبدأ فقط في عهد إدارة ترامب ، بل من عهود الرؤساء السابقين ، وكانت دائماً – الشعوب – في مواجهة الإنهيار الذي كان يحصل بين وقت وآخر من بعض الأنظمة العربية تجاه القضايا المركزية .
اعتقد أنه في هذا الجانب أن الشارع العربي دائماً يقول كلمته ، وأن الشارع العربي هو من يحدد المجرى الرئيسي ، فالإردن وقعّت ” معاهدة سلام ” مع اسرائيل ، ومصر الشقيقة أيضاً وقعّت وثيقة سلام مع اسرائيل ، ولكن كيف ينظر الشارع العربي لهاتين الوثيقتين ، وكيف ينظر الشارع العربي لإسرائيل.
وهنا أيضاً لا بد أن أُشير الى أن بعض الفضائيات العربية التي تقوم بإستضافة ما يُسمّون بـ ” الإعلاميين ” ، تعمل على ” الردح ” أكثر من الإنظمة السياسية بحد ذاتها ، عندما تقوم قناة عربية بوضع شريط أخباري يقول ” ايران والحوثيين ، والسلطة ، وحماس يرفضون الإتفاقية ” فهذا غير صحيح ، فالشارع العربي بأسره يرفض التخلي عن القيم العربي تجاه قضيته المركزية ، وعليه في هذا الجانب أستطيع أن أقول بشكل واضح بأن الشارع العربي ينطبق عليه قول الشاعر “هذا أوان الشد فاشتدي زِيمْ ”
هل تم إبلاغ القيادة الفلسطينية بتفاصيل الإتفاق الذي وقّع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل ؟ وهل لا تزال الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط ؟
القيادة الفلسطينية تتابع ما يحدث ولديها مصادرها دوماً ، خاصة عندما يتعلق الأمر بنا ، نحن الفلسطينيين ، لكونه لا يوجد علاقات مع الإدارة الأمريكية ، ولن تكون هناك علاقات مع الإدارة الأمريكية الحالية ( إدارة ترامب ) التي ارتأت أن تذهب بالكامل بإتجاه نتنياهو في مفارقة غريبة ضد مصالحها الأمريكية ، وضد مصالح الإسرائيليين أيضاً .
وبالطبع الولايات المتحدة ليست وسيطاً بالمطلق ، وهي منحازة بالكامل لإسرائيل ، ووضعت أيضاً مجموعة من الشخوص الذي كان هدفهم على مدار الوقت وضع اشخاص كان هدفهم الرئيس الهمس في اذني ترامب والعبث بآرائه ، وهنا أقصد صهره كوشنر ( مستشار الرئيس ترامب ) ، و غرينبلات (المستشار الخاص لـ ترامب إلى الشرق الأوسط) و السفير الأمريكي في اسرائيل فريدمان ، وفوق كل هؤلاء نتياهو ، وهم الرباعي الذي كان طول الوقت يجتمع ويقرر لترامب ما الذي عليه فعله وبالتالي عندما تبحث ما بين طيات القرارات الارتجالية الكبيرة التي اتخذها ترامب في الفترة الأخيرة هي تقدم القرابين لنتياهو دون غيره ، فهو اتخذ قرار بمنح القدس للإسرائيليين لوشائج تاريخية وعقائدية وهمية ، وكأنما القدس ليس لديها وشائج تاريخية وعربية واسلامية ومسيحية بالنسبة للفلسطينيين ! هو لا يرى سوى نتياهو ، عندما بعد ذلك قرر ولأسباب أمنية ولأجل الحفاظ على أمنه أن يمنح نتياهو مرتفعات الجولان .
وعندما لا يعترف ( ترامب ) بالقرارات الدولية فهو يذهب بإتجاه اسرائيل ، وعندما يضغط أيضاً على محكمة الجنايات الدولية لوقف عملها عندما أرادت أن تحاكم جنود الإحتلال الإسرائيلي ، وجنرالات الإحتلال الإسرائيلي الذين قاموا بالعديد من جرائم الحرب ضد أهلنا في قطاع غزة وفي جنين وفي القدس وفي اريحا، وفرضت على محكمة الجنايات الدولية العديد من الإجراءات منها حظر السفر ، وحظر تحركاتهم ، والحظر على أرصدتهم .
لذلك فإنه وبناء على ما ذكرناه فإن الولايات المتحدة لا ترى سوى ربيبتها اسرائيل ، والحقيقة أن الأمر هو معاكس تماماً حيث أن الإدارة الأميريكة الحالية هي ربيبة اسرائيل ، ويمكن مشاهدة ذلك بإستمرار ، من خلال نشاط اللوبي والمؤتمر اليهودي العالمي عندما يتحدث عن مصالح أمريكا ايضاً ، ونرى كيف يتحدث ترامب عن اسرائيل بمغالطات تاريخية بحق اليهود والأمريكيين .
وبالعودة الى الإمارات والبحرين ، البنود التي تم التوقيع عليها ، تماماً كما صفقة القرن ، لم تعرض على الجانب الفلسطيني بالمطلق ، ولم نعرف بهذه الإتفاقيات بشكل رسمي نهائياً .
معظم هذه المفاوضات السرية والإتفاقات تجري من تحت الطاولة ، وتحت غطاء تقديم مساعدات لفلسطين مثل ما حدث بين الحكومة الإماراتية وحكومة اسرائيل عبر ارسالها الى مطار تل ابيب ، وكنّا على إطلاع بها.
لم يقل لنا الأشقاء في الإمارات أننا ذاهبون إلى طعن الجانب الإسرائيلي في صدره ، ولم يقل لنا ذلك أيضاً الأخوة في البحرين ، عندما قاموا بذلك لحماية أنظمتهم على حساب شعوبهم وعلى حساب المصالح الوطنية الفلسطينية والعربية كاملة .
ما حدث بين الإمارات والبحرين واسرائيل يتم منذ زمن طويل وبرعاية أمريكية واضحة ، ولقاءاتٍ كانت تتم في تل أبيب وفي أبو ظبي بشكل واضح وبدون أي خجل .
وفي هذه الإتفاقيات لم تحصل الإمارات والبحرين على شيئ ، وقدمت كل شيئ لإسرائيل ، فإسرائيل حصلت على السياحة ، والطيران ، وموانئ ، وأيضاً أموال ، فعندما يقول نتنياهو في الأسبوع الأول من هذا الإتفاق ستحصل اسرائيل على 500 مليون دولار ، فيمكن أن تقيس على ذلك ، والمفارقة أنه لا الإمارات ولا البحرين في حالة عجز ولا في حاجة الى اسرائيل ، ولكن كلامهما في حاجة الى الحماية الأمريكية وبالتالي كان هذا الإتفاق ثمناً لهذه الحماية .
وهنا أود التذكير بأن جلالة ملك البحرين قال قبل اسبوعين أن البحرين لن تذهب نحو التطبيع ، ورئيس الوزراء البحريني قال بشكل واضح لن نذهب نحو التطبيع ،الا أنهم هرولوا خلف الإمارات بإتجاه التطبيع ، وأعود مرة ثانية للقضية الرئيسية ولنضع الميزان أمامنا ونزن ما حصلت عليه البحرين والإمارات وما حصلت عليه اسرائيل ، المكسب بالطبع لإسرائيل ، والخسارة عربية بإمتياز ، وفلسطينية بالطبع ، فنحن تأثرنا بشكل كبير ، فقوة العالم العربي تقدم القوةلفلسطين ، ولقضايانا العربية والفلسطينية ،واذا حصل هناك تراجع فسيؤثر علينا بالتأكيد ، لكن أعود وأقول هذا أوان الشد ونحنا جاهزون ، وشتّان بين من يدافع عن حقوقه ويرابط على أقدس مقداسات العالم الإسلامي والمسيحي في القدس وإكناف بيت المقدس ، وبين من يدفع دائماً دراهم من أجل أن يسرج ضوء في بيت المقدس ، وهذه قضية مركزية يجب أن يعرفها الأشقاء في الإمارات والبحرين وأي دولة عربية تفكر بالذهاب نحو التطبيع .
معظم دول الإتحاد الأوروبي باركت إتفاقية ” السلام ” بين اسرائيل والإمارات والبحرين ، هل كان لكم أي تحرك في هذا الصعيد لشرح موقف القيادة الفلسطينية من هذا الإتفاق ؟
دعني أقول بشكل واضح أن القيادة الفلسطينية والدبلوماسية الفلسطينية لم تتوقف عن حراكها لا في هذه القضية ولا في غيرها من القضايا ، وبالتالي نحن في تواصل مع الإتحاد الأوروبي والدول الأوروبية وفي العام أجمع .
نعم صدر موقف أوروبي مرحب بالسلام ، ونحن ايضاً مع السلام ، لكننا نرفض الاستسلام ، ونرفض أن تكون الهزيمة خيارنا ، ونحن متمسكون بالمبادرة العربية ، والتي لم نقدمها نحن ، لكننا كنا جزء في التوافق حولها على إعتبار أن هناك رؤية عربية تجاه السلام ، وبالتالي المبادرة العربية تتحدث عن تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية ، ولكن في محاولة ضغط على اسرائيل للذهاب نحو السلام كانت هناك خطوات ، بينما ذهبت الإمارات والبحرين الى آخر خطوة في هذه المبادرة ووضعتها بالمقدمة وهي التطبيع ، وبالتالي ما الذي سيجبر اسرائيل الآن على أن تقدم تنازلات من أجل السلام ؟ وتحدثت الإمارات عن وقف اسرائيل عن ضم مناطق من الأغوار ( مقابل اتفاقية السلام ) ليس مبرراً ، وليس دقيقاً ، وحتى إن قالت بأنها أخذت ضمانة أمريكية في هذا الأمر ، فنحن لسنا بحاجة الى ضمانات اميريكة أو ضمانات عربية من أجل وقف الضم ، نحن نريد جهداً عربياً وعالمياً من أجل تحقيق السلام ، ضمن حل الدولتين ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وبعيداً عن أي خطوات أحادية لا من الإمارات ولا من البحرين ولا من غيرها أيضاً ، ونحن نعلم أن هناك أيضاً دولاً تهرول بذلك الإتجاه والأسبوع القادم هناك شخصيتان عسكريتان ستتوجهان الى الإمارات بحثاً عن استسلام آخر ، لأنهم ايضاً يبحثون عن دعم أمريكي لإخراجهم من قائمة الإرهاب ، وكأن دولنا العربية راعية للإرهاب ، بينما الراعي الأول للإرهاب معروف للجميع ، وهو من دعم وشكل القاعدة ، ومن بعدها داعش ، ومن بعدها التنظيمات المتطرفة التي تعبث في اليمن ، وفي ليبيا ، وفي سوريا ، وفي العراق ، كل هذه التنظيمات ليست من صناعة العالم العربي ، بل خُلقت في الشارع العربي لأجل اشغال الشارع العربي في قضايا ليست جزء من ثقافته .
حالياً ومع فشل الجامعة العربية في اتخاذ موقف موحد من الخروج عن الإجماع العربي ، وفي ظل الضغوطات الكبيرة التي تُمارس على القيادة الفلسطينية ، ما الخيارات المتبقية لديكم ؟
الخيارات كثيرة ، لم نعدم الخيارات ، وبالتالي نحن مرة أخرى نقول أن القيادة الفلسطينية أوضحت رؤيتها ، وهي تريد سلاماً عادلاً ، يعطي حلاً وأمناً واستقراراً ليس للشعب الفلسطيني فحسب ، بل أيضاً للإسرائيليين ولكل المنطقة ، من خلال حل الدولتين ، ان لم يكن هذا الحل متوفراً ، فلدينا العديد من الخيارات ، وأعتقد أن ما أعلنت عنه القيادة الفلسطينية هو مجرد هامش من الخيارات ، ومنها إنطلاق التحركات في الشارع الفلسطيني ، واعتقد أيضاً جزء من الشارع العربي ، رفضاً لـ تلك المسرحية الهزلية في البيت الأبيض
ومن قال أن القضية الفلسطينية ستنتهي ، وسيجبر الفلسطينيون على الإنصياع والإستسلام والهزيمة ، بالتأكيد هذا لن يحدث ، فهذه القضية الفلسطينية تتوارثها الأجيال الفلسطينية والعربية ، ولن تتوقف بالمطلق عند خيانه عربية هنا أو استسلام عربي هناك ، وإنما بالتأكيد للأجيال الفلسطينية ، إن لم ننجح الآن في تحقيق الحل العادل الذي يؤمٌن للأجيال الفلسطينية القادمة الإستقرار والسلام ، وأن يكونو جزء من المجتمع الدولي ، فإن الأجيال القادمة ستحقق ذلك .
وفيما يتعلق بـ فسطين والتاريخ الفلسطيني ، فإن فلسطين كانت دائماً مقبرة للغزاة ، وقد مر على فلسطين العديد من الغزاة ، ذهبو و بقيت فلسطين ، ومن أحد المفارقات العجيبة المتعلقة بـ مدينة عكا التي كنت فيها أكثر من مرة ، ولم يكن فيها عبر التاريخ أي يهودي ، توجد فيها لوحة على أحد أسوار عكا التي صدت نابليون ، يريد الإسرائيليين أن يقولوا من خلالها أنهم كانو هنا ، بينما اللوحة كتبها حاخام اسرائيلي وكتبها قبل أن يهرب من المدينة بعد أن هاجمها نابليون هارباً من هول المعركة، بينما بقيت عكا التي هاجمها نابليون لليوم تتحدث بالعربية ، وكثير من الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها اسرائيل وتدعي أنها جزء من اسرائيل ، لا تزال تنطق بالعربية ، لذلك نحن نثق بالمستقبل .
وبكلمات مختصرة فإن المرحلة القادمة ستشكل للفلسطينين تحدي كبير والمطلوب منا أن نصمد أكثر .