لا مقراً ولا ممراً… مهاجرون يتحدثون عن معاناتهم في بولندا
قدوم المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا بحثاً عن الأمان والاستقرار قاسم مشترك بينهم مهما اختلفت قصصهم. أمام بوابة مركز الاستقبال الأولي في مدينة آيزنهوتنشتات، كان لـ “مهاجر نيوز” لقاء بمهاجرين أفارقة.
خلال زيارة للحدود البولندية الألمانية، عاين فريق “مهاجر نيوز” القبض على بعض المهاجرين المتسللين في سيارات وشاحنات. دورية الشرطة غالباً ما توقف السيارات الكبيرة الحجم والشاحنات. يطلب عناصر الشرطة من الركاب الإدلاء ببطاقة الهوية، وإن كنت تتوفر على بطاقة إقامة كأجنبي، فيطلب منك جواز السفر أيضاً.
الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين في مركز الاستقبال الأولي في مدينة آيزنهوتنشتات، تم القبض عليهم عند عبورهم الجسر الرابط بين مدينتي فرانكفورت (أودر) الألمانية ومدينة سلوبفورت البولندية مشياً أو في سيارات مهربين، بينما تمكن البعض من التسلل دون مشاكل وسلم نفسه بعدها.
“أنهكني الصد من الجانبين”
بيرتراند، أحد هؤلاء الشباب المتواجدين حالياً في المركز، قدم من كونغو برازافيل (جمهورية الكونغو). وصل إلى بيلاروسيا منذ نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، وكان هدفه عبور الحدود البولندية للوصول إلى ألمانيا. يقول بيرتراند: “تم اعتقالي 10 مرات من قبل الشرطة البولندية وإعادتي بالقوة إلى بيلاروسيا، قامت الشرطة البولندية بتهديدنا باستعمال السلاح، وعاملونا مثل الحيوانات، نعتونا بأوصاف عنصرية”.
عمليات الصد التي تعرض لها بيرتراند من الجانبين، جعلته يمضي شهراً كاملاً في الغابة: “دون طعام أو ماء نقي نشربه، أمضينا شهراً في الغابات في طقس بارد للغاية دون أغطية. كنا نشرب الماء المتسخ ونأكل أشياء لا نعرف ماهي أحياناً”.
هكذا يلخص الشاب الكونغولي ما عاشه خلال رحلة خاضها مضطراً؛ فسبب مغادرته هو تهديد يلاحقه على خلفية مساندته لمعارض ترشح للانتخابات الأخيرة في بلده، على حد قوله.
بيرتراند لم يتجه إلى أوروبا في رحلته الخطيرة وحيداً، بل برفقة شقيقته الصغرى البالغة من العمر 28 عاماً، وابنة أخته الكبرى التي توفيت منذ سنوات، وتركت ابنة تبلغ من العمر اليوم 20 سنة. الرحلة مع الشابتين، أضافت لبيرتراند مهمة الحفاظ على سلامتهما وسط غابات شاسعة في ظروف ينعدم فيها الأمن تماماً.
“أريد الأمان فقط”
للوصول إلى بيلاروسيا، كانت الطائرة وسيلة سريعة، لكن الوصول إلى ألمانيا استغرق شهراً كاملاً. قابل بيرتراند خلاله أطفالا ونساء وأسراً وشباباً من مختلف الدول التي تعيش أزمات. أحياناً وسط الغابات وأحياناً أخرى في مراكز احتجاز المهاجرين من قبل الشرطة البولندية، حيث يتم تجميع عدد منهم لإعادتهم نحو الأراضي البيلاروسية.
“كان ربي رحيماً بنا عندما جعلنا نلتقي بمجموعة شباب عرب، تمكنوا من الاتفاق مع مهرب ليوصلهم إلى ألمانيا بالسيارة. وسمحوا لنا بمرافقتهم”. لكن الشرطة الألمانية المتأهبة على الحدود، ألقت القبض على المجموعة فور وصولها لنقطة حدودية.
“فقدت والدتي أثناء الحرب في بلدي عام 1997 وأبي عام 2012. كل ما أريده هو أن أجد هنا الأمن لشقيقتي وابنة أختي. لو كنت وحيداً لكان الأمر أسهل، لكن من أجل سلامتهما قد أضحي بحياتي. أنا أؤمن بالله، وأقول إن كل شيء سيكون على ما يرام يوماَ ما”.
“ضحية” حرب أهلية
من ليبريا، جاء أنطوني المتواجد منذ سبعة أشهر في مركز استقبال طالبي اللجوء في مدينة أيزنهوتنشتات في شرق ألمانيا. ليست هذه أول تجربة هجرة له، فقد غادر بلده نحو نيجيريا سابقاً، سنة 2003، وحاول طلب اللجوء هناك.
خلال عام 1989 كانت بلده تعيش حرباً أهلية، خلالها تم تجنيد أنطوني وعمره لا يتجاوز 12 عاماً في الجيش الليبيري. من حظه السيء، أن انفجر صاروخ بمحاذاته عام 1995، وتسبب له في إصابة بليغة في الساق، كما روى لنا قصته.
عندما اندلعت الحرب الثانية في عام 2003، اضطر أنطوني إلى مغادرة بلده صوب نيجيريا، ليتفادى تكرار سيناريو الرعب الذي عاشه سابقاً. لكن الحياة في نيجيريا كانت صعبة. “عام 2009 ذهبت إلى نيروبي، عاصمة كينيا، قضيت هناك سنة واحدة فقط، ثم لجأت للسفارة البولندية، طلباً للمساعدة في تلقي العلاج”.
منحته السفارة البولندية تأشيرة لمدة عشرة أيام. بعد وصوله، هرب أنطوني وذهب إلى أمستردام وتقدم بطلب لجوء في هولندا. خوفاً من الترحيل، عاد أدراجه بمساعدة صديق له نحو بولندا.
عاش هناك عشر سنوات، دون أن يتلقى العلاج المناسب، حسب قوله. تزوج من بولندية وأنجبا طفلين، لكنه لم يحصل على بطاقة إقامة دائمة أو علاج جيد. قرر الشاب الليبيري أن يبحث عن مكان أفضل بعد أزمة الحدود التي انطلقت شرارتها وكان وقودها المهاجرون.
“لقد عانيت في إفريقيا، وأعاني هنا مرة أخرى. تواجدت عدة مرات في مخيمات للمهاجرين، تعامل البولنديين مع المهاجرين مروع وغير إنساني”، يقول أنطوني: “لن أستسلم أبداً، إما أن أجد لنفسي حياة أفضل أو أهلك وسط الغابات”، بهذه القناعة انطلق الشاب في رحلته نحو ألمانيا.
حلم مهاجر
بعد مضي ثمانية أشهر على تواجده في ألمانيا، لم تعد أحكام اتفاقية دبلن تنطبق على ملفه، لذلك أصبح أمله في البقاء هنا كبيراً. “أدعو الله أن يعيد الأوروبيون النظر في تعاملهم مع المهاجرين العالقين في الغابات، يجب أن تستمر ألمانيا في مساعدتهم أو يوقفوا توحش بيلاروسيا التي سببت الأزمة”.
وعن حال الأشخاص المعاقين قال أنطوني: “لا يسلم المهاجرون المعاقون المتواجدون في الغابات من وحشية البولنديين، حتى وأنت تعيش في دولتهم، لا تتلقى رعاية إنسانية كما هو الحال في باقي دول الاتحاد الأوروبي، يؤسفني حقاً قضاء عشر سنوات في ذلك البلد، لقد دمرت حياتي هناك”.
أحلام أنطوني تتجاوز مساعدة أمه العجوز الوحيدة في ليبيريا، إذ قال: “حلمي هو العمل الإنساني لصالح المعاقين في إفريقيا. بعد الحرب الليبيرية، كثير من الأشخاص أصبحوا معاقين، الحكومة هناك لا تأبه لهم. كما أتمنى خلق مشروع إنساني يتم دعمه من قبل المنظمات الإنسانية، من أجل التكفل بالأرامل واليتامى الذين خلفت الحروب آلافاً منهم”.
DW