أزمة ديموغرافية في بولندا: معدل الخصوبة يسجل أدنى مستوى في التاريخ الحديث
سجلت بولندا في عام 2024 أدنى معدل خصوبة في تاريخها الحديث، في تطور يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه البلاد على الصعيد الديموغرافي. ووفقًا لأحدث بيانات هيئة الإحصاء البولندية (GUS)، بلغ معدل الخصوبة 1.099 طفل لكل امرأة، وهو رقم يضع بولندا بين أدنى الدول في العالم من حيث معدل الإنجاب.

المعدل الحالي لا يتجاوز نصف ما سُجل في عام 1990 (1.991) ويبتعد كثيرًا عن “معدل الإحلال” البالغ 2.1، وهو المعدل الذي يضمن استقرار عدد السكان من دون انخفاض. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المواليد بلغ العام الماضي 252 ألفًا فقط، مقابل 409 آلاف حالة وفاة، ما يجعل عام 2024 السنة الثانية عشرة على التوالي التي تتراجع فيها أعداد السكان نتيجة ارتفاع الوفيات وتراجع المواليد.
وتؤكد هيئة الإحصاء أن “الوضع السكاني في بولندا لا يزال مقلقًا، ولا يُتوقع حدوث تغيرات جوهرية في المستقبل القريب”، مرجحة استمرار التدهور بسبب انخفاض عدد النساء في سن الإنجاب نتيجة عقود من انخفاض الخصوبة.
عوامل متعددة وراء التراجع
تقول أغنيشكا خولون-دومينتشاك، مديرة معهد الإحصاء والديموغرافيا بجامعة وارسو للاقتصاد، إن من الصعب تحديد سبب واحد لهذا التدهور، لكنها تشير إلى أن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا أثارتا حالة من القلق وعدم الاستقرار بين الشباب، مما انعكس سلبًا على قرارات الإنجاب.
إلى جانب العوامل الاقتصادية والسكنية، أشارت الباحثة إلى تأثير تشديد قانون الإجهاض في عام 2021، الذي بات يمنع إنهاء الحمل في حال تشوهات الجنين، معتبرة أنه أحد العوامل التي أثرت على رغبة النساء في الإنجاب.
الشباب البولندي: لا يرغب في الإنجاب
كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة وارسو أن معظم أفراد الجيل زد (مواليد 1995–2012) يعارضون فكرة الإنجاب لأسباب تتعلق بسوء الوضع الاقتصادي، وغياب الاستقرار في سوق العمل، وضعف فرص الإسكان. أكثر من نصف المستجيبين أكدوا أن لا شيء قد يقنعهم بإنجاب أطفال.
الشيخوخة تتسارع
البيانات تشير أيضًا إلى ارتفاع متوسط عمر المرأة عند الإنجاب الأول إلى 29.1 عامًا، مقارنة بـ22.7 عامًا في عام 1990. في الوقت نفسه، أكثر من 23.8% من السكان تجاوزوا سن التقاعد، مقارنة بـ16.8% فقط في عام 2010، في تسارع واضح لمعدل الشيخوخة.
سياسات لم تنجح
حاولت الحكومات البولندية السابقة معالجة المشكلة من خلال برامج دعم مالي مثل “500+” الذي تطور لاحقًا إلى “800+”، لكنه لم يحقق النتائج المرجوة. وبعد ارتفاع طفيف في عدد المواليد، عادت الأرقام إلى الانخفاض، ما دفع حكومة حزب القانون والعدالة (PiS) للاعتراف بفشل البرنامج في عام 2020.
الحكومة الحالية، التي تسلمت الحكم في ديسمبر 2023، واصلت هذه البرامج، وأطلقت إجراءات لدعم عمل الأمهات وتوسيع رياض الأطفال، لكنها تواجه تحديًا متجذرًا عمره عقود.
الهجرة كحل مؤقت
رغم التراجع السكاني، ساهمت موجات الهجرة غير المسبوقة في تعويض جزء من النقص، حيث تعد بولندا اليوم من أعلى الدول الأوروبية استقبالًا للمهاجرين.
خلاصة
أزمة الخصوبة في بولندا لم تعد مجرد رقم سلبي في سجلات الإحصاء، بل تهديد استراتيجي لمستقبل البلاد على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وإذا لم تُتخذ سياسات شاملة ومستدامة، فإن الطريق نحو مجتمع يتسم بالشيخوخة والانكماش الديموغرافي يبدو أمرًا لا مفر منه.