بولندا مجتمع
البستنة لمعالجة الاضطرابات النفسية في بولندا بمساعدة سويسرية
العلاج من خلال البستنة… هذا ما تقدمه حديقة كبيرة تمتد على 13 هكتارا في محيط قصر روسكي بياسكي في شمال بولندا، في برنامج مستوحى من سويسرا يسمح بتشغيل الحواس وتحريك الجسم
وقد أطلقت مؤسسة تقدم المساعدة الاجتماعية لنساء يعانين من أمراض نفسية هذا المشروع على نسق مبادرة رائدة في سويسرا وبفضل تمويل سويسري. وهو يطبق أيضا في بضع مؤسسات بولندية أخرى.
وتقول ألينا أناسييفيتش مديرة روسكي بياسكي “اكتشفنا أَثْنَاءَ زيارتنا إلى سويسرا أمورا كثيرة نطبقها هنا”.
وتشير المديرة بفخر إلى نافورة جميلة تتندى النساء بمائها في أيام الحر ويمكنهن أيضا الدخول إلى الحوض المحيط به لتلامس أقدامهن أحجارا صغيرة وضعت في قعره.
وللوصول إلى النافورة، تمر النساء حافيات الأقدام على “مسار حسي” من حصى صغيرة ورمل وقطع خشبية صغرى مستديرة تشغل الحواس والذهن.
وفي الجهة الثانية من الأرض، تقلب ثلاث مريضات تربة البستان، ما يسمح لهن باستنشاق الروائح ولاحقا استهلاك المزروعات وتحويلها إلى مربيات وتقديمها كهدايا أيضا، وهي كلها تجارب تنعكس عليهن إيجابا.
أصول فرعونية
تروي الطبيبة بوزينا شيفتشيك-تارانك التي فتحت اختصاصا جامعيا في العلاج من أَثْنَاءَ البستنة في جامعة كراكوف للزراعة لتدريب علماء الأحياء الراغبين في العمل في هذا المجال أن “البستان يشكل حيزا تستخدم فيه حواس مختلفة، فيمكن للمريض أن يشم عبير الورد والنبات ويلمسها وقد يتعرض لوخزة شوكة. كما يتسنى له إجراء تمارين بدنية والقفز من حجرة إلى أخرى، خصوصا إذا كان يعاني من عَقَبَاتُ في التوازن”.
وتؤكد “لا شك في أنه لا بد من حظر النبات السام، مثل الهورتنسيا… عندما يتعلق الأمر بمرضى يعانون من تراجع في القدرات الذهنية”.
{loadposition top3}
وتعود جذور العلاج من أَثْنَاءَ البستنة إلى الحضارة الفرعونية حيث اكتشف كهنة مطببون الآثار الإيجابية للبستنة على الْأَفْرَادِ المصابين باضطرابات نفسية. وقد راجت هذه المقاربة في الولايات المتحدة وكندا في القرن التاسع عشر قبل أن تعتمد تدريجا في أوروبا. وبعد الحرب العالمية الأولى، كان الجنود المصابون يرسلون إلى البساتين لمساعدتهم على التعافي جسديا ونفسيا.
ولا يسمح هذا العلاج الذي طور خصوصا في الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا، بالشفاء بالكامل من اضطراب نفسي معين، غير أنه يحفز المرضى على الصعيدين الفكري والاجتماعي ويعزز ثقتهم بالنفس ويحسن وضعهم الجسدي، أقله لأنه يدفعهم إلى الخروج من غرفهم، بحسب رومان كفياتكوفسكي المعالج النفسي في كراكوف.
فعندما تسوء الأحوال الجوية أو حتى في الشتاء، يتراجع وضع المرضى ويصابون بالإحباط، بحسب ادارة المركز. فالبستان يعزز الرفاه، وقد أصرت مريضة غادرت المؤسسة لزيارة عائلتها على العودة إليها أبكر من القمرر لأنها مِنْ خِلَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ “مشتاقة إلى البستان”.
نهاية وشيكة
طور هذا المشروع بفضل الدعم المالي لبرنامج “سويس كونتريبيوشن” السويسري للتعاون الممتد من 2007 إلى 2017 بهدف تقليص التفاوت القائم بين البلدان الغربية والأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي وهم بغالبيتهم من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق. وبلغت ميزانية البرنامج 1.3 مليار فرنك سويسري خصص منها نصف مليار إلى بولندا.
وأطلق في إطار هذا البرنامج 58 مشروعا مختلفا في بولندا، منها عدة مبادرات متمحورة على تحسين الصحة، قضت إحداها بسحب 131 ألف طن من الأسبستوس من أسقف منزلية وإرساء ألواح شمسية.
وفي روسكي بياسكي، سمح هذا البرنامج بتحويل الغابة المهملة المحيطة بالموقع إلى “متنزه علاجي” يضم عدة بساتين زهور وأعشاب وخضار.
وقد وضعت أحواض عالية مملوءة بالتربة للسماح للمرضى الذين يتعذر عليهم الانحناء بزرع الأعشاب، على غرار ما يحصل في سويسرا.
وقد درب الطاقم للاعتناء بالمريضات البالغ عددهن 59 في هذا المتنزه العلاجي.
غير أن كل هذا التقدم يبقى رهن البرنامج الذي من المرتقب أن تنتهي صلاحيته في نهاية العام 2017. ولا شك في أن الحاجة لا تزال كبيرة إلى هذا النوع من المبادرات. ويقول غيدو بيلتراني رئيس الفرع البولندي من “سويس كونتريبيوشن”، “قد ندرس إمكانية تقديم سويسرا مساهمة جديدة على ضوء وضع العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي”.
المصدر: مونتي كارلو