الذكرى الـ 100 لميلاد بابا الكنسية الكاثوليكية الراحل يوحنا بولس الثاني البولندي الجنسية ! أول بابا كاثوليكي يقوم بالدخول والصلاة في مسجد
يصادف اليوم الأحد الذكرى الـ 100 لولادة لميلاد بابا الكنسية الراحل يوحنا بولس الثاني البولندي الجنسية ، وهو تاريخ يحتفل فيه البولنديون كل عام ، الا أن الظروف التي يمر بها العالم ( جائحة كورونا ) حرمت البولنديين من الإحتقال بشكل كبير ، وإقتصرت الإحتفالات على مراسم محدودة .
و ولد البابا الراحل بولس الثاني في 18 مايو 1920 باسم كارول جوزيف فوتيلا في بولندا بالبولندية: Karol_Józef_Wojtyła ، وانخرط في سلك الكهنوت عام 1946 وأصبح أسقفًا عام 1958 ثم كاردينالاً عام 1967 وأخيرًا حبرًا أعظم للكنيسة الكاثوليكية خلفًا للبابا يوحنا بولس الأول؛ وعند انتخابه كان البابا غير الإيطالي الأول منذ عهد إدريان السادس (1522 – 1523) كما كان البابا البولندي الأول في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
واعتبر البابا يوحنا بولس الثاني واحدًا من أقوى عشرين شخصية في القرن العشرين، وقد لعب دورًا بارزًا في إسقاط النظام الشيوعي في بلده بولندا وكذلك في عدد من دول أوروبا الشرقية، وكذلك فقد ندد “بالرأسمالية المتوحشة” في تعليمه الاجتماعي .
ونسج علاقات حوار بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الآنجليكانية إلى جانب الديانة اليهودية والإسلامية، على الرغم من أنه انتقد من قبل بعض الليبراليين لتمسكه بتعاليم الكنيسة ضد وسائل منع الحمل الاصطناعي والإجهاض والموت الرحيم وسيامة النساء ككهنة، كذلك فقد انتقد من بعض المحافظين بسبب دوره الأساسي في المجمع الفاتيكاني الثاني والإصلاحات التي أدخلت إثره على بنية القداس الإلهي، ولكسره عددًا وافرًا من التقاليد والعادات البابوية.
كذلك فقد كان البابا واحدًا من أكثر قادة العالم سفرًا خلال التاريخ، إذ زار خلال توليه منصبه 129 بلدًا. وكان يجيد الإيطالية والألمانية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والروسية والكرواتية إلى جانب اللاتينية والبولندية لغته الأم. كما أنّ أحد محاور تعليمه اللاهوتي كان يستند على “القداسة الشاملة” وفي سبيل ذلك أعلنت خلال حبريته قداسة 483 شخصًا وفق العقائد الكاثوليكية وطوباوية 1340 آخرين، أي أن ما رفع خلال حبريته يوازي حصيلة أسلافه خلال القرون الخامسة السابقة، وفي 19 ديسمبر 2005 طلب البابا بندكت السادس عشر فتح ملف تطويب يوحنا بولس الثاني، واحتفل بإعلانه طوبايًا للكنيسة الكاثوليكية الجامعة في 1 مايو 2011.
ولد كارول فوتيلا في بلدة وادووايس البولندية، وكان الأصغر في عائلة مؤلفة من ثلاث أطفال، هم إدموند وإميليا وجوزيف، وقد توفيت إميليا من قبل أن يولد كارول. رغم كون العائلة بولندية إلا أن هناك بعض البحوث تشير إلى كونها ذات أصول ليتوانية أو أوكرانية.. توفيت والدته في 13 أبريل 1929، عندما كان عمره ثماني سنوات فقط خلال وضعها لمولودها الرابع الذي توفي بعد فترة وجيزة من إبصاره النور وكانت فتاة دعيت أولغا.. وفي أعقاب ذلك، تولى إدموند شقيقه الذي يكبره بأربع عشر عامًا شؤون تربيته، إلا أن إدموند بدوره قد توفي بالحمى القرمزية التي أصابته خلال معالجته مرضى بها، وكان لوفاة والدته ثم شقيقه الأثر الأكبر على كارول..
في شبابه، كان كارول رياضيًا بارزًا في كرة القدم وغالبًا ما يأخذ دور حارس المرمى، وتأثرت تلك المرحلة من حياته باتصاله المستمر بالجالية اليهودية المزدهرة في وادوايس، وكانت المدرسة التي تلقى فيها دورسه الابتدائية والإعدادية غالبًا ما تنظم مباريات كرة قدم بين فرق من اليهود والكاثوليك، وفي بعض الأحيان كان كارول يقدم نفسه طوعًا كحارس مرمى بديل في الفريق الآخر، إذ كانوا يعانون دومًا من نقص في اللاعبين.
في منتصف عام 1938 غادر كارول مع والده وادوايس وانتقل إلى كراكوف حيث التحق بجامعة جاغيلونيان، وكان يعمل إلى جانب دراسته الجامعية على دراسة اللغات المختلفة، ويتعرف على فقه اللغات. كذلك فقد عمل كأمين مكتبة، وتطوع للمشاركة في التدريب العسكري في الجامعة، لكنه رفض إطلاق النار من الأسلحة. عمل أيضًا مع جماعات مسرحية مختلفة وككاتب مسرحي. وخلال دراسته الجامعية، ازدهرت موهبته اللغوية وتعلم ما يصل إلى 12 لغة أجنبية، تسعة منها استخدمها على نطاق واسع كبابا.
في عام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية وقامت القوات النازية بغزو بولندا، وفرضت على جميع الذكور القادرين على العمل، التطوع لخدمتها، فعمل فوتيلا كنادل في مطعم، وعامل في محاجر الحجر الجيري وفي مصنع سولفاي الكيميائي، يذكر أيضًا أن القوات النازية قد أغلقت الجامعة وكانت تعاقب من يرفض العمل بترحيله إلى ألمانيا. في عام 1941 أصبح كارول ضابطًا في الجيش البولندي، وفي العام نفسه توفي والده وبذلك أصبح كارول الفرد الوحيد الباقي على قيد الحياة في أفراد عائلته. وقد كتب البابا عن نفسه بأن سلسلة الأزمات المتتالية هذه قد أثرت على حياته بشكل بليغ، ودفعته للتفكير جديًا بدارسة اللاهوت، ومن ثم كتب أنه بات متأكدًا بأن الموضوع هو “حقيقة داخلية واضحة وضوحًا مطلقًا”. وفي أكتوبر 1942 توجه إلى مقر أسقف كراكوف وأعلمه برغبته في دراسة الكهنوت، وفي بعد فترة وجيزة بدأ بتلقي دورسه اللاهوت في مدرسة سريّة تحت الأرض يديرها مطران كراوف إلى جانب كاردينال بولندي آخر، لكون النازية قد أغلقت المدارسة اللاهوتية.. في 29 فبراير 1944 صدمته شاحنة تنقل ضابطًا في الجيش الألماني وأمضى أسبوعين في المستشفى للعلاج حيث سبب الحادث خلعًا في الكتف، وقد قال البابا أن هذا الحادث وجده تأكيدًا لدعوته الكهنوتية. في 6 أغسطس 1944 والذي يطلق عليه اسم “يوم الأحد الأسود” قام الجيش النازي باعتقال شبّان في كراكوف لتفادي أي انتفاضات شعبية بعد أن اندلعت مثل هذه الانتفاضات في وارسو عاصمة بولندا، وقد هرب كارول واختبئ في منزل أحد أعمامه في الطابق السفلي بين ما قامت القوات بتفتيش الطابق العلوي، وقد بلغ عدد المعتقلين من كراكوف في ذلك اليوم أكثر من ثمانية آلاف رجل، وقد هرب لاحقًا إلى مقر مطرانية كراكوف وظلّ مقيمًا فيه ومختفيًا حتى بعد كف النازيين عن الاعتقال.
في 17 يناير 1945 انسحب الألمان من المدينة، وتطوع كارول في مهمة تنظيف المدينة من آثار الاحتلال النازي، كما قام بمساعدة عدد من اليهود الهاربين من معسكرات الاعتقال في شيستوشوا، وهو ما أثبتته منظمات أخرى مثل بناي بريث الذي قالت أن البابا ساعد على حماية الكثير من اليهود البولنديين من النازيين..
علاقته مع المسلمين :
في عام 1981 أصدر يوحنا بولس الثاني «التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية» وناقش فيه قضية خلاص غير المسيحيين، واعتبر البابا في الوثيقة التي تعتبر “دستور رسولي” أن “خطة الله للخلاص تشمل المسلمين أيضًا الذين يعبدون معنا الله الواحد”، وكان المجمع الفاتيكاني الثاني قد أصدر خلال حبرية البابا بولس السادس وثيقة شبيهة عن المسلمين.
في 6 مايو 2001 أصبح يوحنا بولس الثاني أول بابا كاثوليكي يقوم بالدخول والصلاة في مسجد، فخلال زيارته سوريا قام البابا بزيارة المسجد الأموي، وأصر على اتباع العادات الإسلامية فخلع حذائه لدى دخوله المسجد، وقام بتقبيل القرآن الأمر الذي جعل له شعبية واسعة بين المسلمين، وقام بالصلاة أمام ضريح يوحنا المعمدان المعروف باسم النبي يحيى في الإسلام، وألقى خطابًا قال فيه: “إن المسلمين والمسيحيين أساؤوا إلى بعضهم البعض، ونحن اليوم نطلب الاستغفار عن ذلك من الله العلي والقدير، ونقدم الاعتذار عن كل خطأ آخر”. في عام 2004 أقام البابا “الحفلة البابوية للمصالحة” والتي جمعت قادة مسلمين مع زعماء يهود وقادة كاثوليك في الفاتيكان، وقد أقام الحفلة الموسيقية أوركسترا كراكوف من بولندا وأوكسترا أخرى من بريطانيا وثالثة من الولايات المتحدة ورابعة من تركيا، كتمثيل لمجموعات دينية مختلفة، وقد صمم الحفل السير جيلبرت ليفي، وبثّ في مختلف أنحاء العالم.
علاقته مع اليهودية
في عام 1979 زار البابا معتقل أوشفيتز الألماني في بولندا، حيث لاقى العديد من اليهود البولنديين حتفهم خلال الاحتلال النازي لبولندا في الحرب العالمية الثانية. في عام 1998 أصدر البابا منشورًا بابويًا بعنوان “نحن نتذكر: تأملات في المحرقة” أوجزت تفكيره حول المحرقة اليهودية، كما كان أول بابا يقوم بزيارة بابوية رسمية لكنيس عندما زار الكنيسة اليهودي في روما يوم 13 أبريل 1986.
في عام 1994 أقام البابا علاقات رسمية بين الكرسي الرسولي وإسرائيل بعد اتفاقيات أوسلو التي كان من المقرر أن تفضي إلى سلام في الشرق الأوسط، ولهذه المناسبة أقام البابا حفلاً حضره حاخام روما الأكبر ورئيس جمهورية إيطاليا والناجين من المحرقة في جميع أنحاء العالم. خلال زيارته إسرائيل عام 2000 زار البابا نصب ياد فاشيم، وهو النصب التذكاري للمحرقة اليهودية في إسرائيل، كما أنه زار حائط المبكى الذي يعتبر واحدًا من أقدس المواقع في الديانة اليهودية، ووضع هناك – حسب العادات اليهودية – رسالة دعا خلالها للصفح عن الإجراءات التي تمت ضد اليهود. في يناير 2005 أصبح البابا أول حبر أعظم ينال بركة من حاخام أثناء زيارة الحاخام بنيامين بليش للقصر الرسولي.
ومباشرة بعد وفاته، أصدرت جمعية آي.دي.إل اليهودية بيانًا قالت فيه أن البابا يوحنا بولس الثاني قد أحدث ثورة في العلاقات الكاثوليكية اليهودية، وقالت التحسينات التي وقعت خلال ثمانية وعشرين عامًا من باباويته لم تحصل خلال ألفي عام من قبل.
ثلاث محاولات لإغتياله :
في 13 مايو 1981 كان البابا يجول على حشود من المؤمنين في ساحة القديس بطرس في الذكرى السنوية لظهور العذراء في بلدة فاطمة في البرتغال عام 1917 وفق العقائد الكاثوليكية، حينها أقدم مسلح تركي هو محمد علي أغا، الذي يوصف بكونه خبيرًا ومتدربًا في الرماية إلى جانب كونه عضوًا في “جماعة الذئاب الرمادية الفاشية”، بإطلاق النار على البابا باستخدام مسدس براوننج عيار 9 ملم، وقد استقرت الرصاصات في الأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة، وقد نقل البابا إلى مشفى الفاتيكان ثم إلى مشفى جيميلي في روما، وخلال طريقه إلى المشفى فقد البابا الوعي، وخسر كمية كبيرة من الدم وخضع لعملية جراحية دامت خمس ساعات، لعلاج الكمية الكبيرة من الدم التي فقدها ولترميم الجروح التي أصيب بها في البطن. مما قام به الأطباء تحويل مسار الأمعاء الغليظة للسماح بالقسم السفلي منها بالشفاء. وقد قال البابا أن سيدة فاطمة هي من ساعدت على إبقاءه قيد الحياة طوال محنته: “هل يمكن أن أنسى حدث محاولة علي أغا في ساحة القديس بطرس، التي وقعت في يوم وفي ساعة ظهور أم المسيح للفلاحين الصغار قبل أكثر من ستين عامًا في بلدة فاطمة في البرتغال؟ في كل ما حدث لي في حياتي وفي ذلك اليوم بالذات، شعرت بأن حماية الأمومة والرعاية الاستثنائية هي أقوى من الرصاصة القاتلة”.
تم القبض على أغا فور قيامه بالعملية من قبل المحتشدين وحتى وصول الشرطة، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة؛ بعد يومين من عيد الميلاد عام 1983 زار البابا يوحنا بولس الثاني أغا في السجن، وتكلم معه على انفراد لمدة عشرين دقيقة، وقال يوحنا بولس الثاني: “ما تحدثنا عنه يجب أن يبقى سرًا بيني وبينه، تحدثت معه باعتباره شقيق، وقد عفوت له ولي كامل الثقة في ذلك”.
في 2 مارس 2006 أنهت لجنة برلمانية إيطالية شكلها سيلفيو برلسكوني لإعادة التحقيق في الحادث، بأن الاتحاد السوفياتي كان وراء محاولة الاغتيال، انتقادًا لدعم البابا ومعه منظمات العمل الكاثوليكي للحرية والديمقراطية في بولندا، وهي النظرية التي كان قد كشف عنها سابقًا مايكل ليدين ووكالة الاستخبارات الإمريكية سابقًا. التقرير الإيطالي ذكر أيضًا أن الأجهزة الأمنية في بلغاريا الشيوعية هي من تقف وراء التنفيذ المباشر وليس جهاز كي جي بي في موسكو.
في 12 مايو 1982 وقبل يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى لاغتياله، وفي ساحة القديس بطرس أيضًا، قام رجل ثاني بطعن البابا بحربة، على الرغم من وجود الحرس السويسري ومرافقي البابا في المكان، إلا أن المهاجم فشل في إصابة البابا، على الرغم من سكرتير البابا الكاردينال ستانيسلو قال لاحقًا أن البابا أصيب لكنه تمكن من إخفاء الجرح غير المهدد للحياة. أما المهاجم فهو كاهن إسباني يدعى خوان ماريا فيرناندز من رهبنة القديس بيوس العاشر، وقال أنه أقدم إلى عملية الاغتيال نظرًا لمعارضته إصلاحات المجمع الفاتيكاني الثاني واصفًا البابا “بعميل الشيوعية والماركسية”، وقد فسخ فريناندز من سلك الكهنوت الكاثوليكي وسجن لمدة ثلاث سنوات من أصل ستة سنوات، وبعد الإفراج عنه انتقل إلى بلجيكا حيث عمل محاميًا واعتقل مرة أخرى في يوليو 2000 بعد محاولته تسلق حاجز الأمن في القصر الملكي في بروكسل، خلال زيارة ملك إسبانيا خوان كارلوس والذي اتهمه فرينانديز بقتل شقيقه الأكبر عام 1956.
محاولة الاغتيال الثالثة كانت خلال زيارته الفيليبين عام 1995 تزامنًا مع احتفالات يوم الشبيبة العالمي، عن طريق قنبلة يحملها انتحاري يرتدي ثوب كاهن، لتكون المرحلة الأولى من العملية التي ستتبعها عملية ثانية بتفجير داخل الجمع نفسه. وقد اشتعل حريق في أحد مواقع المهاجمين، نبهت الشرطة إلى مكان وجودهم، وألقي القبض عليهم قبل أسبوع من زيارة البابا، علمًا أن الجماعة تدعى “جماعة بوجينكا” الممولة من قبل تنظيم القاعدة.
المصدر : بولندا بالعربي + ويكيبيدا