بولندا ترمي نفسها بأحضان أميركا لتزيل مخاوفها من روسيا
ويعتبر اختلاف أميركا وبولندا مع الاتحاد الأوروبي فصلا مشتركا آخر بين البلدين في ظل الشرخ الاوروبي الأميركي، حيث نعت الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” الصيف الماضي أوروبا بالعدو التجاري لأميركا ويعتبر انتقاد ترامب غير مسبوق بحق حلفائه. كما أن منذ عدة اشهر انتقد رئيس المجلس الأوروبي “دونالد تاس” قائلاً إن بولندا اليوم تمثل قوة معادية للاندماج في هذا الجزء من أوروبا، مضيفا “أؤمن بأنه من الضروري إنهاء هذا التدهور في سمعة بولندا”.
وكان ذلك عندما اتخذت للمفوضية الأوروبية اجراءات عقابية ضد بولندا وقررت تفعل البند 7 من معاهدة الاتحاد الأوروبي.
واضح للعیان أن موقف بولندا ضعيف وانها مجبرة على خياراتها الأخيرة من جهة تريد التحرر من مخاوفها الروسية وخاصة انها تضاعفت بعد أن ضمت روسية شبه جزيرة القرم عام 2014 إلى أراضيها ودعمت الانفصاليين في شرق البلاد. ومن جهة أخرى اقتراحها على إميركا منذ اربعة أشهر أكثر من ملياري دولار لاقامة قاعدة عسكرية على أراضيها والذي اطلق عليه رئيس جمهورية بولندا خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع ترامب اسم “فورت ترامب”.
لم يكن هذا الاقتراح مفاجئا على من يعلم أوضاع بولندا من ناحية الاسلحة لان اغلبية المعدات العسكرية التي في حوزة بولندا تعود لأيام الحرب الباردة ولكي تقوم بتطويرها هي بحاجة لأميركا.
لذا نرى بولندا اليوم تحاول أن تحرر نفسها من الطوق الروسي الذي يطوقها خاصة في مجال الطاقة لذلك اعلنت أنها لن تمدد الاتفاق الذي يجمعها مع شركة “كازبروم” الروسية في نهاية 2022 وانها ستستورد الغاز الطبيعي السائل “ال ان جي” من دول اخرى وخاصة أميركا.
وقد جعل التخبط بولندا تخرج نفسها من تبعية روسيا لتوقع نفسها في أحضان أميركا التي جعلت منها طعما او وسيلة لمأرب الأخيرة حيث نرى أن علاقاتها السياسية مع الاتحاد الأوروبي يشوبها الغموض والتوتر بينما التقارب بينها وبين واشنطن يزداد يوما بعد يوم في ظل الاحادية التي ينتهجها ترامب والعزلة التي يتجه إليها وسياسته العشوائية التي لم تعد خفية على أحد.
لنرى بولندا اليوم تقف ضد إيران أيضا وان لم تقر بشكل علني ومباشر. وقد كان كافيا أن تشارك في استضافة المؤتمر المناهض على أراضيها الذي لم تستطع أن تقدم مبررات مقنعة لاستضافته حينما طالبتها طهران بتبريرات حول الامر حسب المسؤولين الإيرانيين.
حيث استدعت طهران القائم باعمال بولندا لديها وعلق حول المؤتمر المذكور قائلا انه ليس مناهضا لإيران ومؤكدا على موقف بولندا من تصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة ومن جهة أخرى اعتبر كريستوف شرسكي، الناطق باسم الرئيس البولندي، أن بلاده أصبحت البلد المضيف لهذا المؤتمر كونها تتخذ موقفا محايدا في قضايا الشرق الأوسط. وادعى: “هذا مؤتمر هدفه إيجاد طرق للسلام… بينما اعتبرت طهران التوضيحات غير كافية وامهلت بولندا بالتراجع عن اختيارها وإلا ستقوم بالرد على أي اجراء ضدها حسب قول المتحدث باسم خارجيتها بهرام قاسمي. وبالفعل أعلن رئيس المنظمة السينمائية الإيرانية “حسين انتظامي”، بإلغاء أسبوع الفيلم البولندي في طهران ردا على قرار وارسو بعقد القمة المناهضة لإيران في منتصف الشهر المقبل. كما انه وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف القمة التي ستجري في بولندا بمبادرة من الولايات المتحدة، بأنها “سيرك يائس معاد لإيران”
كما أنه طهران تسائلت على لسان مسؤوليها كيف يمكن لبولندا أن تنسى احتضان إيران للاجئين البولنديين ومساعدتها لهم وتعاملها معهم بكل رأفة وعطف في الحرب العالمية الثانية. أهكذا يكون رد الجميل؟! حیث لجأت في اواخر نيسان/ ابريل 1942 أول مجموعة من بولندا إلى إيران عن طريق ميناء انزلي وكان تعدادهم أكثر من 31 الف عسكري و12 الف مدني ومجموعة اخرى عن طريق “عشق اباد” دخلوا إلى مشهد وكان عددهم 2700 مدني كما انه يوجد احصائيات مختلفة وغير دقيقة حول عدد البولنديين الذين جاءوا إلى إيران بعض الاحصائيات تقول 300 ألف ولكن أكثر تقاربا مع الواقع وتاييدا هي 116 الف شخص .
حتضن الشعب الإيراني اللاجئين البولنديين على الرغم من الاوضاع السيئة التي كانت انذاك من جهة احتلال البلاد من قبل القوات الروسية والبريطانية ومن جهة أخرى سقوط رضا شاه من الحكم وحالة التوتر والعشوائية التي تجوب البلاد كما ان الشعب كان يعيش في ظل وضع اقتصادي سيئ.وقد جاء في كتاب “اطفال اصفهان” حول هذه المرحلة نقلا عن الجنرال راس، الذي كان وسيطا بين الروس والإيرانيين والبولنديين والصليب الاحمر، حيث قال حينها: لا ينبغي نسيان هذه المرحلة حيث قامت الحكومة الإيرانية ومسؤوليها في طهران واصفهان ومشهد والاهواز و ميناء انزلي بمساعدة اللاجئين البولنديين بكل حماس وبلا تذمر وتقبلتهم بينهم بكل محبة وعطف.
كما بعث وزير مختار بولندا انذاك “كارل بادر”، برقية إلى محافظ خراسان، قال فيها لقد تأثرت كثيرا بحسن نواياكم معاملكتم الخيرة مع المهاجرين البولنديين وقد وصلني وفقا للتقارير أنكم تعاملتم بكل رحمة ورأفة مع الاطفال الايتام البولنديين وانا من جانبي اشكركم من اعماق قلبي واطمأنكم أن بولندا ستبقى مدينة لكم على الدوام.
وقد قال في هذا الصدد أيضا”رضا نيك بور”، مدير جمعية الصداقة الإيرانية البولندية، ان البولنديين خلال ثلاث سنوات ونيف استطاعوا ايجاد علاقات جيدة مع الإيرانين. ومع تقليل التحكم بعملية الذهاب والاياب من المخيمات التي كان يقطنها البولنديين بدأوا بالتوجه نحو طهران وقد امتهنوا مهنا عدة وخاصة النساء حيث بعضهن عملن كخادمات في بيوت الايرانيين الاغنياء او الاجانب وبالتدريج بدأ اجراء الحفلات الموسقية والعروض البولندية وكانت جميع ايرادات هذه الحفلات لرعاية اللاجين البولنديين. كما ان عملهم في الفنادق والمطاعم الإيرانية ادى إلى جذب الزبائن المحليين والخارجيين كما ان بعض النساء عملن في الخياطة لإعالة انفسهن وكن يحكن ملابس الجيش وكانت احدى الشركات الاجنبية من احد المتقاضين لهذه الالبسة وادت كل هذه العوامل وزيادة العمالة البولندية في مدن إيران إلى جعل الحكومة ان تصدر لهم اقامات مؤقتة.
اخيرا وليس اخرا وارسو لم تقر انه المؤتمر الذي سيقام على اراضيها باستضافة مشتركة مع واشنطن مناهضا لإيران وانها دولة حيادية واقامة المؤتمر من اجل التوصل لحلول لمشاكل المنطقة ولكن طهران تشك في هذه النوايا لان مبررات وارسو لم تكن مقنعة حسب طهران لان الاخيرة قالت إن هناك معلومات تفيد أنه سيتم اتخاذ اجراءات ضد إيران في المؤتمر ما بين مبررات وارسو وشكوك طهران يبقى انعقاد المؤتمر كلمة الفصل بينهما.