بولندا..مسارات وحسابات !
تمكن الرئيس البولندي الحالي اندريه دودا من تحقيق انتصار ضيق في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية على عمدة وارسو رافال ترزاسكوفسكي وعلى الرغم من أن دودا فاز في ست مقاطعات فقط في شرق بولندا مقارنة بعشر مقاطعات فاز فيها ترزاسكوفسكي وخسر في المدن الكبيرة والمتوسطة، كان الدعم الذي حصل عليه دودا في القرى والبلدات الصغيرة كافياً لأن يدفع به للفوز بالانتخابات.
يتضح من تلك النتيجة أن الانقسامات السياسية في بولندا تعكس بشكل متزايد الانقسامات الطبقية. ومن المؤكد أن الجزء الذي قام بالتصويت لدودا هو الجزء الأكثر فقراً، حيث تصل هناك حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 67% فقط من المعدل الوطني. إن معدل البطالة في الأقاليم التي فاز فيها دودا هو 7 ـ 9% مقارنة بالمعدل الوطني والذي يصل إلى 5.4%.
ومن الواضح أن المنافع الاقتصادية التي أطلقها حزب القانون والعدالة واعتمدها دودا قد أثبتت فعاليتها من الناحية الانتخابية. ولا يستطيع المنبر المدني (حزب المعارضة الرئيسي) أن يغير سمعته كحزب «لم يفعل شيئاً لمساعدة الناس العاديين». إن الناخبين ما زالوا يتذكرون أن المنبر المدني هو الحزب الذي رفع سن التقاعد سنة 2012 وأن ترزاسكوفسكي شارك في حكومة المنبر الديمقراطي والتي شكلها رئيس الوزراء السابق دونالد تاسك.
لقد استفاد دودا بشكل علني من الآلة الضخمة للدولة، حيث استغل حزب القانون والعدالة تلك الآلة بشكل يذكّرنا بالدول الاستبدادية الشرقية عوضاً عن الديمقراطيات الغربية. وتتحكم الحكومة بشكل مباشر باثنتين من أكبر المحطات التلفزيونية والتي كانت تهاجم المعارضة بشكل يومي. ومن الأشياء التي تم استخدامها لتلطيخ سمعة ترزاسكوفسكي هو أنه يخفض المنافع الاجتماعية من أجل أن يدفع تعويضات لليهود عن الحرب العالمية الثانية.
طبقاً لتوماس بوسيرب وهو مراقب مستقل للانتخابات في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا فإن التغطية الانتخابية في التلفزيون الحكومي لم تكن محايدة.
نظرا للاستقطاب الكبير لدى الناخبين البولنديين، كان من الواضح منذ البداية أن حشد الناخبين سيكون حاسماً في هذه الانتخابات. ولهذا السبب تبنى حزب القانون والعدالة خطاباً عدائياً من أجل أن يلهب مشاعر الناخبين. ولم يكن الهدف الظفر بأصوات المعارضة (وهي مهمة تعتبر مستحيلة)، بل حشد القاعدة الانتخابية للحزب.
تواجه بولندا الآن ثلاث سنوات إضافية من احتكار حزب القانون والعدالة للسلطة.
إن الوقت يصب في مصلحة حزب القانون والعدالة وخاصة فيما يتعلق بالمحكمة العليا، حيث سيصل المزيد من القضاة لسن التقاعد وسوف يتم استبدالهم بقضاة موالين للحزب. وعلى الرغم من أنه قد تحصل بعض المقاومة من القضاة في المحاكم الأدنى درجة، والذين تصرّف معظمهم بشرف واستقلالية لغاية الآن، إلا أنه من المرجح أن تشعر الأغلبية بأنها مقيدة بسبب التهديد بالعزل.
سوف يحاول حزب القانون والعدالة كذلك أن يخنق الحكومات المحلية، والتي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وذلك بتحويل النفقات من الموازنة المركزية، ووقف التمويل وإلغاء صلاحيات مختلفة، وهكذا دواليك وهناك أيضاً ما تبقى من وسائل الإعلام المستقلة والخاصة.
وقد ادعى كاسزينسكي خلال حملة الانتخابات الرئاسية أنه يوجد «تدخل قاسٍ جداً وبعيد المدى إلى حد كبير من قبل الصحافة، ودعونا لا نخفي حقيقة انه تدخل ألماني، ولكن في المستقبل يجب ان نمنع حدوث مثل تلك المواقف» وهو الآن يعلن أن «السلطات البولندية لا يمكنها أن تسمح لجزء من الجهاز العصبي الوطني أن يكون بين أيادٍ أجنبية».
ربما خسر ترزاسكوفسكي، لكنه أثبت أنه يمكن هزيمة حزب القانون والعدالة. والسؤال هو ما إذا كانت المعارضة لديها أي فرص لتحقيق ذلك. على أي حال فإن بولندا تعود إلى وضعها السياسي المفضل وهو القتال من أجل الحرية.
البيان – بقلم: Sławomir Sierakowski – مؤسس ورئيس تحرير مجلة Krytyka Polityczna و Dziennik Opinii ,و مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو .