بولندا سياسة

سوء إدارة ، فساد ، محسوبيات .. اتهامات بريئة أم نوايا مبيته ؟ !

شهدت الأيام الأخيرة توجيه الحكومة الحالية التهم بالجملة لـ السلطات التي كانت تتولى إدارة البلاد ، فطالت التهم وزراء ، ومدراء شركات مملوكة لـ الدولة ، مروراً بـ  مدير البنك المركزي البولندي آدام جلابينسكي ، وصولاً إلى رئيس الوزراء السابق ماتيوش مورافيتسكي . 

 

 

بقلم رئيس التحرير – وسيم أبو حسن

 

وكان رئيس الوزراء الحالي دونالد توسك قد توعد خلال حملته الانتخابية بمحاسبة حكومة اليمين ، على جميع تصرفاتها ، وفتح جميع الملفات التي منعوا فتحها خلال توليهم السلطة منذ عام  2015

 

وعلى الرغم من أن عملية المحاسبة بدأت جزئياً مع وصول الائتلاف إلى السلطة ، وتولي مقاليد رئاسة الوزراء ومجلسي النواب والشيوخ عبر تشكيل لجان التحقيق في تصرفات الحكومة السابقة ( لجنة الانتخابات الرئاسة عبر البريد – لجنة برنامج التجسس بيجاسوس – لجنة فضيحة التأشيرة ) ، وأيضاً قضية النائبين السابقين ماريوش كامينسكي وماتشي فونتسيك ، التي أفضت إلى صدام مباشر مع مؤسسة الرئاسة ، بعد التشكيك في العفو الرئاسي الصادر بحقهم ، وإعادة محاكمتهم ، وصولاً إلى إيداعهم في السجن ، قبل أن يضطر الرئيس إلى إصدار عفو رئاسي ثاني عنهم ، إلا أن العدد الأكبر من الملفات تم الإعلان عنها خلال الأيام الأخيرة .

 

تهم بالجملة

 

وشهدت الأيام الأخيرة توجيه التهم بالجملة لـ ابرز المسؤولين الحكوميين :

1_ اتهام مدير البنك المركزي  آدام جلابينكسي بـ 8 تهم من بينها : التصرف دون إذن من مجلس السياسة النقدية، والتدخلات في العملة دون إذن من مجلس الإدارة، والإجراءات المخالفة لافتراضات السياسة النقدية، وإعاقة عمل أعضاء مجلس السياسة النقدية من أداء واجباتهم ،  و تضليل وزير المالية عبر حجب المعلومات عنه ، إضافة إلى اتهامات حول بيع و شراء السندات الحكومية في عام 2020، والمكافئة التي حصل عليها سابقاً .

2_اتهام وزير الدفاع السابق ماريوش بواشتشاك بـ الإهمال في العمل ، وتعريض أمن البلاد للخطر في حادثة الصاروخ الروسي الذي سقط بالقرب من مدينة بيدغوشتش نهاية عام 2012 ، حيث قال نائب وزير الدفاع أن بواشتشاك تلقى تقرير عن دخول جسم غريب إلى الأجواء البولندية لكنه لم يتخذ الإجراءات المناسبة ، كما أن وزير الدفاع ( بواشتشاك ) أنكر تلقيه هذا التقرير .

3_ اتهام رئيس الوزراء السابق ماتيوش مورافيتسكي ، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق شيمون سانكوفسكي فيل سيك بـ مسؤولية عن عدم حصول بولندا على 4.7 مليار يورو كدفعات مقدمة من صناديق الاتحاد الأوروبي لـ إعادة الإعمار الوطنية ، وتقول الحكومة الحالية أن تقصير ماتيوش مورافيتسكي ووزرائه يجب تقييمها من قبل مكتب المدعي العام ، لأنهم منعوا عمداً التغييرات القانونية التي كان من الممكن إدخالها في بولندا من أجل الحصول على هذه الأموال.

4_ اتهام المدير السابق لـ شركة أورلين المملوكة لـ الدولة دانيال أوباجتيك ( بسبب تسريبات صوتيه من مكتبه )  بـ استخدام نفوذه لتعيين مقربين منه في مجالس إدارة الشركات التابعة لـ أورلين ، من بينهم زوجة ووالد صحفي ” يميني ” مقابل الحصول على تسريبات صوتيه تدين أعضاء في المعارضة ” الحكومة حالياً ” وحتى تسجيلات لـ وزراء في حكومة اليمين لاستخدامها في أغراض سياسية

5_ كما نشر موقع Onet ، تقرير مطول حول ما صفه ” الفساد خلال جائحة كورونا ” ، حيث يشير الموقع إلى أن الحكومة أرسلت للشركات المملوكة للدولة قوائم بأسماء شركات محددة للتعاقد معها حول شراء معدات الحماية الشخصية من فايروس كورونا ، وطلبت منها القيام بعمليات الشراء من ميزانيتها الخاصة ، وذلك لأن عمليات الشراء التي تقوم بها هذه الشركات المملوكة للدولة  لا تخضع للرقابة الحكومية ، في وقت لا يمكن لـ الحكومة القيام بـ عمليات الشراء إلا وفق قوانين معينه وتحت إشراف جهات رقابية ، وتم الترويج في وقتها أن الشركات المملوكة للدولة تساهم في الجهود الحكومية للتصدي للوباء .

وبالإضافة إلى أن عمليات الشراء تخللها العديد من المشاكل أهمها أن كميات كبيرة من المعدات التي تم شرائها تبين أنها لا تستوفي المعايير اللازمة لحماية الأشخاص من فايرس كورونا ، فإن الحكومة أعادت للشركات الأموال التي دفعتها لشراء هذه المعدات !

6_ أيضاً نشر موقع Onet اليوم تسريبات جديدة حول قيام شركات الدولة ( في فترة الوباء ) بتمويل تصوير فيلم لـ معني بولندي بتكلفة وصلت إلى مئات الآلاف ، فقط لأنه مُقرب من رئيس مجلس إدارة التلفزيون الحكومي TVP

 

هذا ولا تزال لجان التحقيق البرلمانية تعمل على ثلاث قضايا ، ومن المتوقع أن تنتهي بـ توجيه المزيد من التهم لـ شخصيات كانت جزء من المشهد السياسي خلال تولي القانون والعدالة مقاليد الحكم في البلاد .

 

التوقيت .. مصادفة أم نوايا مبيته

 

لم تشكل التهم التي تم توجيهها لقيادات ومسؤولين في حزب القانون والعدالة مفاجئة كبيرة ، لأن الحكومة الحالية كانت قد أشارت خلال حملتها الانتخابية إلى أنها ستحقق في معظم القضايا التي يتم التحقيق فيها حالياً ، كما أن من ديدن السياسة أن تعمل الحكومة الجديدة على مراجعة تصرفات الحكومة التي قبلها ، والتدقيق بحثاً عن أي أخطاء أو فساد .

 

لكن المفاجئ هو كمية المعلومات  التي تم الإعلان عنها دفعة واحدة ، وتوجيه التهم بالجملة لـ أبرز وجوه حزب القانون والعدالة ، قبل أسبوعين فقط من انتخابات المجالس المحلية التي ستجري بتاريخ 7 ابريل / نيسان القادم ، والتي سيكون لها الدور الأبرز في استقرار حكم الائتلاف الحاكم الحالي ، أو تعقيد المشهد السياسي أكثر .

 

فالحكومة الحالية تعاني الأمرين من وجود رئيس موالي لـ اليمين ، والذي لا يخفي نواياه في عرقلة معظم القرارات التي تتخذها الحكومة الحالية ، في ظل خلاف يتردد صداه يومياً مع كل تصريح يصدر عن الجانبين ، وفي حال فوز تحالف اليمين في انتخابات المجالس المحلية ، فإن الصراع سيتصاعد بشكل سريع ، ليس فقط بسبب رفض المجالس المحلية التعاون مع الحكومة ، بل لأن اليمين سيستغل ذلك لـ التشيكي في التفويض الشعبي الذي حصل عليه الائتلاف الحاكم في الانتخابات البرلمانية السابقة ، وهو ما بدأ بالفعل ، حيث تتهم المعارضة الحالية التحالف الحاكم بالوصول إلى السلطة بـ الكذب والتنصل من الوعد الانتخابية التي اطلقوها خلال حملتهم الانتخابية بعد وصولهم إلى السلطة .

 

محاسبة أم تصفية حسابات

 

لا يختلف المشهد السياسي اليوم عن فترة ما قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية العام الماضي ، والتي شهدت حالة استقطاب غير مسبوق في البلاد ، هددت وحدة المجتمع الداخلي البولندي ، وبدلاً من يركز تحالف اليمين على إبراز إنجازاته خلال فترة حكمه ، كان كل تركيزه على كشف إخطاء أسلافه .

 

ففي تلك الفترة استخدم حزب القانون والعدالة جميع أوراقه السياسية للفوز بـ الانتخابات ، والتي وصلت إلى حد الكشف عن وثائق سرية حول الجيش البولندي لاتهام توسك وحكومة أسلافه (  التحالف المدني – حزب الشعب )  بـ إضعاف الجيش وتفكك الوحدات العسكرية في شرق البلاد .

 

كما شهدت تلك الفترة أيضاً تشكيل لجنة مكافحة النفوذ الروسي ” ليكس توسك ” ، والتي كان هدفها الرئيسي إدانة دونالد توسك بـ التعاون مع روسيا عبر توقيع اتفاقيات أمنية مع أجهزة الأمن الروسية ، وحرمانه من تولي أي منصب حكومي ، وصولاً إلى اتهامه بالتبعية لـ ألمانيا وتنفيذ سياستها في بولندا .

 

وما أشبه اليوم بالأمس ، ففي حين أن الحكومة الحالية لم تتمكن من تنفيذ أكثر من 12 وعد انتخابي من أصل 100 كان المفترض أن يتم تنفيذهم خلال أول 100 يوم من تولي السلطة ، يتم اتهام المعارضة بـ عرقلة تنفيذها ، ويتم التركيز على لجان التحقيق ، وتوجيه الاتهامات للمعسكر الآخر ، فهل تقوم الحكومة الحالية بتصفية حساباتها بنقس الطريقة ؟ أم أن الخيارات المحدودة دفعتهم لذلك ؟

 

ولعل أحد الأسباب وراء اتباع التحالف الحاكم لهذا النهج هو استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلى أن حزب القانون والعدالة عاد لتصدر استطلاعات الرأي ( 29.8%) متقدماً على التحالف المدني (28.1%) ، كما أن حزب الكونفدرالية يحتل المركز الثلاث ( 8.5%) متقدماً على تحلف الطريق الثالث (7.9%) ، ويحتل اليسار المركز الأخير بـ (7.8٪) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم