بولندا سياسة

فورين بوليسي: بولندا تستخدم تهم التجسس والإرهاب ضد المهاجرين المسلمين

نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا للصحافية البولندية أغينشكيا بيكوليكا دوبلوفيسكا قالت فيه إن ترحيل حكومة اليمين المتطرف في وارسوا للمهاجرين المسلمين لن يجعل البلاد آمنة.

وقالت إن عبد السلام عندما ذهب إلى مقابلة المخابرات الداخلية في 7 أيار/مايو ودع زوجته. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستدعى فيها من وكالة الاستخبارات المحلية الذين طلبوه في الماضي.

فمنذ اعتقال مكسيم أس، الأوكراني الذي اعتنق الإسلام في كانون الأول/ديسمبر 2019، بشبهة التخطيط للأعمال الإرهابية في مركز تسوق في مدينة بولاوي، شرق البلاد، والمخابرات البولندية تلاحق بقية المسلمين الذين كانت لهم علاقة بالرجل. وجاء عبد السلام من طاجيكستان وطلب استخدام اسمه الأول لحماية خصوصيته، والتقى مع رجال المخابرات في موقف سيارات في شارع بوارسو. وكانوا لطيفين معه في البداية ومن ثم بدأوا بتوجيه أسئلة حول علاقته مع مكسيم أس، وغيرهم من الإسلاميين العاملين في بولندا. ورغم تأكيد عبد السلام أنه التقى مع مكسيم أس مرة في المسجد إلا أن رجال المخابرات قيدوه وأخذوه بالسيارة إلى مكان غير معلوم في العاصمة. وفي محاكمة سريعة جرت عبر الفيديو بسبب وباء فيروس كورونا وجهت الدولة إلى عبد السلام تهما غير محددة ولكنها تقع ضمن تعريف “الإرهاب” و”التجسس”. وبحسب القانون البولندي فحالات التجسس والإرهاب هي أسرار دولة لا يعرف حتى المتهم بطبيعتها.

وفي حالة قررت السلطات ترحيل المتهم بناء على تهم تتعلق بالأمن القومي فلا يمكنه أو محاميه الاطّلاع على ملفات القضية. وأصدر القاضي قرارا بنقل عبد السلام إلى مركز احتجاز بانتظار ترحيله إلى طاجيكستان. وبحسب قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2016 فأي قرار من الدولة لترحيل شخص متهم بالإرهاب أو التجسس يعتبر ساري المفعول حالا. ومنح القانون وكالة الأمن الداخلي سلطات واسعة لمراقبة الأجانب بمن فيهم المواطنون في دول الاتحاد الأوروبي وبناء على الشبهة.
وركزت السلطات البولندية على المهاجرين المسلمين ولم تتح لأشخاص مثل عبد السلام الفرصة للدفاع عن أنفسهم. وترى الكاتبة أن الانتهاكات الواسعة للحقوق هي شيء والسياسة نفسها شيء آخر، وليست في محلها لأن بولندا لم تعان من أي هجوم إرهابي نابع من الأيديولوجية الإسلامية.

 

ومع ذلك استخدمت الحكومة البولندية بقيادة حزب القانون والعدالة قانون مكافحة الإرهاب لاستهداف المسلمين وبناء على أدلة يشك بها.

 

وقام حزب القانون والعدالة بجعل خطاب الكراهية أمرا عاديا وخلقت مناخا معاديا للمهاجرين في بولندا ومنحت المخابرات الداخلية اليد الحرة لملاحقة الإرهابيين الأجانب وبدون أي اعتبار لحقوق الإنسان. إلا أن السياسة لا تجعل بولندا بلدا آمنا بل وأدت لتدهور سجلها في حقوق الإنسان. وفي اليوم الذي اعتقل فيه عبد السلام تلقت زوجته بيبي رقية زوارا لم تتوقعهم. وكانوا عملاء في المخابرات بالزي المدني طلبوا جواز سفر عبد السلام. وكانت في حينه حاملا في الشهر السادس ولا تعرف أين ذهب زوجها وطلبت منهم الانتظار خارج البيت حتى تبحث عن الجواز. ولكنهم اقتحموا الشقة واتهموها بإخفاء الجواز وبدأوا بالبحث عنه بأنفسهم. ولكن العملاء لم يصادروا جهاز عبد السلام أو أي معدات أخرى قد تحمل أدلة عن ارتكابه تجاوزات.

 

وجاء ترحيل عبد السلام إلى جانب ثلاثة من الطاجيك اتهموا مثله بجرائم غير محددة. ونقلوا من بيوتهم في وارسو إلى مركز أمني في مدينة بريزمسل، شرقي البلاد، بانتظار ترحيلهم. وقررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أيلول/سبتمبر أن ترحيل عبد السلام وآخر من المعتقلين ليس ممكنا نظرا لاحتمال تعرضه لمعاملة غير إنسانية في طاجيكستان المعروفة بتعذيبها لعناصر المعارضة. وتم ترحيل الاثنين الآخرين في 2 أيلول/سبتمبر. إلا أن قضية عبد السلام والشخص الآخر لم تحل بعد ولا يعرف إلى متى سيظلان في الحجز وإن كانا سينضمان إلى عائلتيهما.

وتشير إلى أن عدد الأجانب الذين تم اعتقالهم وينتظرون الترحيل بتهم التجسس والإرهاب في تزايد مستمر وهو ما يثير قلق المحامين في مجال حقوق الإنسان ببولندا. وتقول مالغوتشاتا جازيسنكا من جمعية التدخل القانوني في وارسو: “في اللحظة التي تصدر المحكمة الإدارية قرارا للترحيل، يصبح ساري المفعول حالا”، مضيفة: “هذا وضع خطير خاصة في حالة الأجانب الذين يزعمون أنهم سيتعرضون للاعتقال والاحتجاز والتعذيب بعد ترحيلهم”.

وفي الكثير من الحالات ضغطت المخابرات الداخلية البولندية على المهاجرين المسلمين للتجسس على إخوانهم. ولو لم يفعلوا يهددون بالترحيل. كما في حالة عبد السلام عندما طلب منه عملاء المخابرات معلومات عن مكسيم أس. ويقول دانيال بوكوفسكي، الخبير بالأمن بجامعة بياليستوك إن المخابرات البولندية فشلت باعتقال المسؤولين عن مكسيم أس الذين فروا من بولندا بعد اعتقاله في 2019. وقامت المخابرات البولندية بتوجيه اتهامات خطأ، ففي 2015 اتهم علوي يا، المواطن الشيشاني، بدعم تنظيم الدولة الإسلامية. وقضى عامين في السجن بعد إدانته. وتمت محاكمته بناء على تسجيل حوار له تم التنصت عليه.

واستأنف علوي على الحكم واستطاع تبرئة نفسه في عام 2018. لكن الذين يصدر ضدهم قرار ترحيل بناء على معلومات جمعتها المخابرات الداخلية لا يتمتعون بهذا الخيار. وتكشف حالة عبد السلام عن السياسة الضالة التي تتبعها المخابرات البولندية لمكافحة الإرهاب. فقد ركزت هذه المخابرات على المهاجرين المسلمين وخارج أوروبا بدلا من التركيز على التهديدات المحلية والقريبة. ويقول بوكوفسكي: “لو كان هناك تهديد من الإرهاب الإسلامي في بولندا فسيكون الجناة من المحليين، ممن اعتنقوا الإسلام وتشددوا وجاءوا من ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية الغربية والشمالية حيث قد تحفز المنظمات هناك الميول المتشددة”. كما أن بولندا تجاهلت الإرهاب المحلي والمتشددين البولنديين القادرين على أعمال يطلق عليها “الذئب المتوحد”، مع أن السلطات البولندية أكدت على التنظيمات الخارجية مثل تنظيم “الدولة” حيث أدت لعدد من الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة مثل قتل عمدة مدينة غدانسك باول أداموفيتش في 2019 واعتداء بالسكين في ستالوا فولا وعملية تفجير فاشلة في حافلة بروتسواف في 2016. وبسبب السرية التي تحيط بالقضايا المتعلقة بالأمن القومي، فمن الصعب معرفة إن كان الذين صدرت عليهم قرارات ترحيل قد ارتكبوا الجرائم أم لا. ومن الواضح أن بولندا ينقصها سياسة مكافحة إرهاب متناسقة. ولأن أجندة حزب القانون والعدالة هي التي تغذي عمل المخابرات الداخلية فإن السياسة الحالية لمكافحة الإرهاب، لا تقوم على التمييز فقط ولكنها غير ناجحة في تحديد التهديد على الأمن القومي وربما تركت آثارها السلبية وتزيد من مظلومية المجتمع المسلم في بولندا.

وفي النهاية تحتاج بولندا إلى استراتيجية مكافحة إرهاب تحدد بدقة التهديدات وبدون أن تقع في أسر التسييس وإلا فلن تكون مكانا يرحب بالغريب أو مكانا آمنا.

 

المصدر :  القدس العربي + foreignpolicy

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم