قمة أوروبية في بروكسل بحضور 28 زعيماً لتعزيز الإنفاق الدفاعي
يجتمع قادة دول الاتحاد الأوروبي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في بروكسل، الاثنين، سعياً لتعزيز الإنفاق الدفاعي في مواجهة سياسة روسيا العدائية، فيما يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاءه بزيادة ميزانيات الدفاع. وتُعدّ القمة المقرّر عقدها في العاصمة البلجيكية “سابقة على ثلاثة أصعدة”؛ فهي المرّة الأولى التي يجتمع فيها القادة الـ27 منذ تنصيب الرئيس الأميركي السابع والأربعين، والمرة الأولى التي يخصص فيها اجتماعهم حصرياً للدفاع، والمرّة الأولى التي ينضم إليهم فيها مسؤول بريطاني منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل حوالي ثلاث سنوات، زادت الدول الأوروبية ميزانياتها العسكرية بشكل كبير. لكن قادة هذه الدول يعترفون أيضاً بصورة شبه تامة بأن بلدانهم لا تتسلح بعد بالسرعة الكافية، وسط مخاوف متزايدة إزاء احتمال أن يشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوماً على أحد هذه البلدان في السنوات المقبلة.
واتخذ النقاش بعداً جديداً مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إذ يردّد باستمرار أن على أوروبا ألا تعتبر بعد الآن الحماية الأميركية لها من المسلمات، وهو الآن يطالب الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري إلى الضعف على الأقل، من خلال تخصيص ما لا يقل عن 5% من ناتجها المحلي الإجمالي لهذا الغرض، وهو هدف يعتبره العديد منها غير واقعي.
- مسألة غرينلاند.
من جهة أخرى، تعهد قطب العقارات السابق خلال حملته الانتخابية بوضع حد للحرب في أوكرانيا سريعاً، ما أثار لدى الأوروبيين مخاوف من أن يرغم كييف على القبول باتفاق سيئ. وعلاوة على قضية الدفاع، أطلق ترامب سلسلة تهديدات لحلفائه الأوروبيين في مجالات مختلفة. وتأمل رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن التي قامت للتو بجولة على عدة عواصم أوروبية، في توجيه رسالة مشتركة بوجه مطامع ترامب حيال غرينلاند، المنطقة الدنماركية التي تتمتع بحكم ذاتي.
كما يخيم شبح حرب تجارية على اجتماع بروكسل، بعدما فرض ترامب رسوماً جمركية مشددة بنسبة 25% على المنتجات الكندية والمكسيكية، و10% إضافية على المنتجات الصينية، مؤكداً أن دور أوروبا آتٍ. وأعلن ترامب، الجمعة، من المكتب البيضاوي، قائلاً: “لقد عاملَنا الاتحاد الأوروبي بشكل سيئ جداً”، فيما توعدت بروكسل بالرد “بحزم” إذا ما استُهدفت برسوم جمركية “غير عادلة”.
*ترامب يهدد أوروبا بفرض الرسوم الجمركية: دوركم بات قريباً جداً !
وإن كان هناك إجماع على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، فإن كيفية القيام بذلك لا تزال موضع جدل مرير. ولخص أحد المسؤولين الأوروبيين الأمر بقوله: “السؤال ليس عما إذا كان يجب القيام بذلك، بل كيف نفعل ذلك”. وتقدّر بروكسل أنه يتحتم على التكتل استثمار 500 مليار يورو إضافية في الدفاع على مدى العقد المقبل.
وتدور التساؤلات حول كيفية تمويل هذه الحاجات، وإن كان ينبغي تخصيص الأموال الأوروبية حصراً لأسلحة أوروبية، وتحديد دور الحلف الأطلسي في هذا المجهود المزمع. وتدعو دول عدة إلى قرض أوروبي ضخم، لكن ألمانيا التي تستعد لتنظيم انتخابات تشريعية في 23 فبراير/ شباط لا تريد الخوض في هذا النقاش البالغ الحساسية داخلياً.
وقال دبلوماسي أوروبي مبدياً قلقه: “إن لم نتطرق بصورة مباشرة إلى مسألة التمويل، فقد يكون اجتماع بروكسل هذا مجرد لقاء شكلي”. ودعت 19 من دول الاتحاد الأوروبي، بينها فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، بنك الاستثمار الأوروبي إلى توفير مزيد من التمويل لإعادة التسلح بوجه روسيا.
*اتفاق مع لندن؟
وفي ما يتعلق بشراء الأسلحة، تصرّ فرنسا التي يتهمها بعض شركائها بالاكتراث أولاً لصناعتها الدفاعية الوطنية، على أن تكون الأسلحة أوروبية الصنع. غير أن بلداناً أخرى ترى أنه ينبغي عدم وضع معايير صارمة جداً في وقت تواجه فيه الصناعة الأوروبية صعوبة في تلبية الحاجات، كما تعتبر أن شراء أسلحة أميركية قد يسمح بالحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب. وفيما تلوح بوادر اضطرابات في العلاقات مع الولايات المتحدة، يدعو البعض إلى توطيد العلاقات مع صديق قديم هو المملكة المتحدة.
وبعد خمس سنوات من البريكست، يعود رئيس وزراء بريطاني اليوم إلى دائرة القادة الأوروبيين، أقله حول مائدة العشاء. ويبدي رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر منذ وصوله إلى السلطة في يوليو/ تموز عزمه على إحياء العلاقات مع بروكسل، ويطرح حتى فرضية إبرام اتفاق أمني. وأورد داونينغ ستريت في بيان، أن ستارمر سيؤكد أمام المجلس الأوروبي أن “على أوروبا أن تضاعف جهودها لسحق آلة حرب بوتين في وقت يُظهِر فيه الاقتصاد الروسي علامات ضعف”. غير أن التوتر الموروث من عملية بريكست ما زال قائماً، ولم تتبدد النقاط الخلافية تماماً. فبمعزل عن الدعوات إلى “انطلاقة جديدة” في العلاقات، يرى عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين أنه لن يكون من الممكن تحقيق تقدم ملموس مع لندن، في غياب اتفاق حول ملفات شائكة في طليعتها حقوق صيد السمك.
*دونالد توسك من بروكسل يتحدث عن العلاقات مع الولايات المتحدة.
قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في بروكسل يوم الاثنين إن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة ستكون واحدة من أقسى المفارقات. وحذر من “الدخول في صراع لا معنى له على الإطلاق”، لكنه دعا أوروبا أيضا إلى الوحدة والتضامن.
وقال توسك عندما سُئل عن التهديد بفرض عقوبات جديدة على بريطانيا: “ربما يكون هذا أول اختبار من نوعه للتضامن والوحدة في الاتحاد الأوروبي في وضع غير عادي للغاية، عندما نتعامل مع مثل هذه السلسلة من المفاجآت من أقرب حلفائنا”.
وأضاف توسك: “قبل قليل، تحدثت لفترة مع أصدقائنا الاسكندنافيين ودول البلطيق، مع رئيسة وزراء الدنمارك التي وجدت نفسها في موقف معقد”.
وتابع :”هنا، يجب على أوروبا أن تُظهر الكثير من الحكمة والهدوء والمسؤولية. يجب أن نكون قادرين على العناية بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة، لكن يجب أيضًا أن نمتلك شعورًا بالكرامة والقوة. يجب أن نكون، بلا شك، متحدين بشكل قاطع” .
أكد توسك:”من المهم أن نفعل كل ما هو ممكن حتى لا نتشاجر بين الحلفاء في ظل التهديد الروسي أو التوسع الصيني” واضاف: “بولندا ستكون الدولة التي ستدعو إلى الحكمة والحرص، لكن يجب أن نقول بصوت عالٍ وواضح إن فرض أي نوع من الحروب التجارية أو التعريفات الجمركية هو سوء فهم تام. سيكون من بين أقسى المفارقات أن ندخل اليوم كحلفاء في صراع لا معنى له” .
قال رئيس الوزراء: “آمل أن تصل مثل هذه المواقف الأوروبية القوية والواضحة والصديقة، و الصارمة، إلى الإدارة الأمريكية”،و شدد دونالد توسك”سأكون أيضًا مقتنعًا بأنه لم تعد هناك بدائل. يجب على أوروبا تمويل حدودنا الشرقية، درع الشرق” .
*وزير خارجية بولندا: الأمن ليس خدمة تقدمها الولايات المتحدة.
قال وزير الخارجية رادوسواف شيكورسكي في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إن الدول الأوروبية يجب أن تهتم بأمنها بنفسها. وأكد الوزير أن هذا الموقف لا يتعارض مع تعزيز التعاون العسكري بين القارة العجوز والولايات المتحدة.
أشار شيكورسكي إلى مشاركة بولندا في تنفيذ المطالب الأمريكية فيما يتعلق بمستوى الإنفاق الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي. “في بداية الولاية الأولى لدونالد ترامب، وصلت خمس دول فقط إلى هذه العتبة (2٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، بما فيهم بولندا . ولكن في العام الماضي، أنفقت 23 دولة من أصل 32 دولة عضو ما لا يقل عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع”.
وأكد شيكورسكي أن المطلب الحالي للرئيس الأمريكي هو 5 بالمئة. وهو حتى الولايات المتحدة لم تتمكن من تحقيق هدفها في زيادة الناتج المحلي الإجمالي في مجال الدفاع.وأضاف أن “الهدف الذي يبلغ خمسة في المائة هو هدف طموح حتى بالنسبة للولايات المتحدة، حيث تبلغ ميزانية وزارة الدفاع نحو 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن في ضوء التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة وأوروبا فإن الطموح هو ما نحتاج إليه “.
وأشار شيكورسكي إلى أن ” بولندا تنفق ما يقرب من 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع ” . وأضاف : ” لقد أصبحنا أحد أهم عملاء صناعة الأسلحة الأمريكية ، حيث طلبنا معدات بقيمة عشرات المليارات اعتبارا من عام 2022″.
وقال :”لم يكن التحالف عبر الأطلسي طريقاً أحادي الاتجاه قط. فقد دعمت الولايات المتحدة الدفاع الأوروبي لعقود من الزمان بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن المرة الوحيدة التي تم فيها استدعاء المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي كانت رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (الهجوم على مركز التجارة العالمي في عام 2001). وأضاف شيكورسكي “لقد أرسلت بولندا ألوية إلى أفغانستان والعراق وبقت هناك لمدة تقرب من عقدين من الزمان. ولم ترسل فاتورة قط”.
في رأي شيكورسكي، التهديد الأكبر للسلام في العالم حالياً هو روسيا وثلاث دول آسيوية، التي وصفها شيكورسكي بـ “المحور الاستبدادي”. “روسيا، إيران، كوريا الشمالية والصين تشكل تهديداً كبيراً لمعظم العالم. لمواجهة مثل هذا التحالف، تحتاج أمريكا وأوروبا إلى بعضهما البعض “.
المصدر : (فرانس برس)+ (بولندا بالعربي )