مقال – كيف وضعت وارسو مستقبل لوكاشينكو في أيدي الصين ؟!
حذر الرئيس البولندي أندريه دودا، الذي زار الصين مؤخراً ، شي جين بينغ من احتمال إغلاق الحدود مع بيلاروسيا ، لأنه السبيل الوحيد لإظهار إرادة قوة بولندا السياسية وحل أزمة الهجرة وإطلاق سراح السجناء السياسيين في بيلاروسيا (على الأقل Andrzej Poczobut صحفي بولندي)، وهي الفرصة الوحيدة اليوم لإجبار لوكاشينكو على تقديم تنازلات.
تشير زيارة الرئيس البولندي إلى بكين والإجماع الحكومي في وارسو إلى أنه في العلاقات مع نظام لوكاشينكو لا يمكن الاعتماد فقط على فعالية الإجراءات التي يتخذها الغرب. بل يجب البحث عن قوة ثالثة للضغط عليه .
وعند اعلان بولندا عزمها اغلاق الحدود مع بيلاروسيا فهي تسعى الى معاقبة لوكاشينكو بإغلاق الحدود أمام البضائع التي ينقلها هو وبوتين إلى أوروبا. وبطبيعة الحال، في هذه الحالة، يكون العبور الصيني أيضًا في خطر، ولهذا السبب يشكل لوكاشينكو تهديدًا للتصدير والاستيراد الآمن للسلع الصينية إلى الاتحاد الأوروبي.
وليس في نية بولندا اغلاق الحدود أمام نقل الركاب، حتى لا تضر بمصالح مواطني بيلاروسيا وبولندا، لأنه لا يمكن تحميل الناس مسؤولية ما يفعله نظام لوكاشينكو.
وقد حظي الرئيس البولندي أندريه دودا بترحيب حار للغاية في الصين. كان هناك العديد من الإعلانات المتبادلة، وتم التوقيع على عدد من الوثائق (بشأن تصدير الدجاج البولندي والتكنولوجيا والعلوم). لقد اختارت وارسو استراتيجية نشطة للغاية. وفي بكين، أعلن دودا دعمه الكامل لمبادرات الصين الرامية إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول.
و أكد دودا خلال حديثة مع شي جين بينغ الى أن “بولندا تدعم بقوة مبادرة الحزام والطريق”. لكن انظروا إلى ما يفعله نظام لوكاشينكو. الذي يقف عائقاً أمام التنفيذ! علاوة على ذلك، فإنه يثير صراعا كبيرا قد يؤدي إلى إغلاق كامل للحدود. وخاصة بعد مقتل جندي بولندي مؤخرًا على الحدود .
الأمر الذي دفع الصين للإدلاء ببيان دعت فيه “الأطراف إلى التعامل باحترام وحل المشاكل من خلال المشاورات لتجنب تصعيد التوترات”.
وبلغة الدبلوماسيين، يعني هذا أن لوكاشينكو يجب أن يتوقف عن زعزعة استقرار الوضع على الحدود. ويتعين على بولندا، كما تلمح الصين، أن تتشاور مع لوكاشينكو ، وربما تكون الصين قد تمكنت بالفعل من نقل بعض الإشارات إلى لوكاشينكو بشكل غير رسمي بعد زيارة دودا.
لماذا قد تتدخل بكين في الوضع؟
أولاً، كانت الصين تراقب عن كثب رد فعل الحكومة في وارسو على زيارة دودا. ففي نهاية المطاف، السلطة الحقيقية هي في أيدي الحكومة، الائتلاف الحاكم بقيادة دونالد توسك . ليس سرا أن العلاقات بين الرئيس والحكومة البولندية ليست في أفضل حالاتها. على الرغم من العديد من الانتقادات التي طالت الرئيس دودا بأنه صديق للديكتاتور الصيني الذي يدعم بوتين في الحرب مع أوكرانيا ، إلا أن رد فعل رئيس الحكومة ،دونالد توسك . كان مفاجئاً عندما أثنى على تصرفات دودا قائلاً: أنه «مسرور جدًا بتصرفات الرئيس دودا». وأكد أن هذه الإجراءات تم تنسيقها مع الحكومة.
بالنسبة للصين، فإن مثل هذه الإشارات مهمة للغاية. خاصة في سياق المواجهة مع الولايات المتحدة، التي تهتم أوروبا بتقليل اعتمادها الاقتصادي على الصين. وفي أوروبا، يختلف الموقف من هذه القضية في كل بلد. وتتمتع ليتوانيا المجاورة بعلاقات شبه معادية مع الصين.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد اليوم صراع بين الاتحاد الأوروبي والصين حول السيارات الكهربائية الصينية، مما يخلق منافسة للولايات المتحدة. حتى أن بروكسل فرضت تعريفة مؤقتة على البطاريات الصينية للسيارات الكهربائية. ولم تقرر بولندا بعد ما إذا كانت ستشارك في هذه الحرب التجارية. على الأرجح لا. وهذه حجة أخرى لصالح حقيقة أنه من المفيد للصين أن تتدخل وتجبر لوكاشينكو على الأقل (وربما بوتين) على تعليق الحرب الهجينة على الحدود مع الاتحاد الأوروبي.
ولكن هناك حجج أخرى. وفقا لأحدث البيانات الرسمية (GUS)، في الفترة من يناير إلى أبريل من هذا العام، استوردت بولندا بضائع من الصين تجاوزت قيمتها 16 مليار دولار، وليس من المفيد للصين أن تخسر مثل هذا الشريك. وعلى سبيل المقارنة، بلغ حجم التجارة بين الصين وبيلاروسيا في عهد لوكاشينكو لعام 2023 بأكمله 8.4 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، لن يكون من المفيد للصين على المستوى العالمي أن تؤدي تصرفات روسيا وجارتها بيلاروسيا إلى إغلاق طريق التجارة البرية بين الصين والاتحاد الأوروبي بشكل كامل .وقد كاد أحد خيوط مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» أن يصاب بالشلل بسبب حرب بوتين في أوكرانيا. والخيط الثاني يمر عبر بيلاروسيا والصين مهتمة بضمان سير هذا الطريق بسلاسة.
هنادي محمد -المدير التنفيذي لموقع بولندا بالعربي