“هجوم وليس أزمة هجرة”.. أسباب رفض أوروبا فتح حدود بولندا للاجئين
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الاتحاد الأوروبي يدعم “الموقف المتشدد” لبولندا في تعاملها مع قضية اللاجئين الذين يحاولون عبورها قادمين من بيلاروسيا، مشيرة إلى أن الأوروبيين لا يريدون تكرار ما حدث في 2015، عندما دخل نحو مليون طالب لجوء إلى بلدانهم.
ويرى الكثير من المسؤولين الأوروبيين أن ما يحدث الآن مختلف عما جرى قبل نحو 6 أعوام، إذ يصرون أن الأزمة الحالية افتعلها الرئيس البيلاروسي، إلكسندر لوكاشينكو، كرد فعل على العقوبات التي فرضت على بلاده عقب اتهامات لنظامه بتزوير الانتخابات، وما أعقبها من قمع شرس للمعارضة.
وقالت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا يوهانسون، في بيان: “ما يحدث في المنطقة الواقعة بين حدود بولندا وبيلاروسيا ليست قضية هجرة، ولكنها جزء من عدوان لوكاشينكو على بولندا وليتوانيا ولاتفيا، بهدف زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي”.
وبدأت الأزمة في أواخر أغسطس، عندما بدأت مجموعات متزايدة من المهاجرين، معظمهم من الشرق الأوسط، بالتجمع على حدود بولندا ولاتفيا وليتوانيا، بتشجيع من بيلاروسيا، حيث يتواجد حاليا نحو 4 آلاف مهاجر أو أكثر من الرجال والنساء والأطفال يعانون البرد القارس في ظل عدم وجود مأوى مناسب لهم، وعدم توفر مراحيض ونقص في الطعام والماء.
ويوم الأربعاء، وصف وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، تكتيكات لوكاشينكو بأنها “لعبة عرض قوة سخيف” وقال إنه يجب عدم السماح للابتزاز بالنجاح.
“هجوم وحشي ومخز”
وفي واشنطن، التقت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بالرئيس الأميركي، جو بايدن، لتخبره أن ما يحدث على حدود بيلاروسيا هو “هجوم متعدد الأهداف، وليس أزمة هجرة”.
وفي إشارة إلى مدى جدية بروكسل في التعامل مع المواجهة الحالية مع بيلاروسيا، زار رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، وارسو، الأربعاء، للاجتماع مع رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز مورافيتسكي، لتقديم التضامن والدعم لبلاده.
وأوضح ميشيل في تصريحات صحيفة ضرورة أن تحظى بولندا، التي تواجه أزمة خطيرة “بتضامن ووحدة الاتحاد الأوروبي بأسره”، مضيفا: “ما تفعله بيلاروسيا هو اعتداء، وحشي، وعنيف، ومخز.. وبالتالي فإن الرد الوحيد هو التصرف بطريقة حاسمة بما يتماشى مع قيمنا الأساسية.”
وقال المتحدث باسم المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، إن الأخيرة اتصلت بالرئيس، الروسي فلاديمير بوتين، وحثته على دفع بيلاروسيا لوقف أعمالها “غير الإنسانية وغير المقبولة” على الحدود البولندية، ولكن الأخير أخبر المستشارة، بحسب بيان الكرملين، أنه ليس بيده شيء يستطيع فعله حيال تلك الأزمة، وأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتعامل مباشرة مع السيد لوكاشينكو، وهو ما ترفض بروكسل فعله.
موقف حساس
لكن موقف الاتحاد الأوروبي يبقى حساسا، هذه الأزمة، وبحسب مراقبين، تطرح مشكلة ثلاثية الأبعاد على بروكسل إذ يجب عليهم إظهار التضامن والوحدة بشأن حماية حدود الاتحاد والحزم في الدفاع عن سيادة القانون الأوروبي، وفي وقت نفسه إظهار التعاطف مع الأزمة الإنسانية التي تتصاعد فصولها.
ويصعب على الأوروبيين تجاهل رؤية الأطفال والنساء والرجال الأبرياء في ظروف شديدة البرودة، عالقين بين حرس الحدود البولنديين والقوات والأسلاك الشائكة والقوات البيلاروسية والبولندية، حيث مات ما لا يقل عن 10 أشخاص وسط أنباء غير مؤكدة عن أن الرقم أعلى من ذلك.
ردا على ذلك، تفكر بروكسل في جولة خامسة من العقوبات تستهدف المسؤولين البيلاروسيين وشركات الطيران التي تنقل المهاجرين من الشرق الأوسط إلى مينسك، بيد أن الكثير من المراقبين والخبراء يعتقدون أن العقوبات الجديدة ستدفع لوكاشينكو إلى إجراءات أكثر عنفا.
وفي هذا الصدد يقول بيوتر بوراس، زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ومقره وارسو، أن ما يحدث حاليا على حدود بولندا يعتبر “أزمة أمنية، يمكن أن تزداد سوءًا إذا بدأ الحراس البولنديون والبيلاروسيون إطلاق النار، وهي أزمة إنسانية خطيرة للغاية، لأن أوروبا لا يمكن أن تقبل أن يموت الناس جوعا وبردا على الحدود.”
ولفت بوراس إلى أن الحكومة البولندية، التي لم يعد لديها أغلبية واضحة في البرلمان، باتت تعاني أزمة سياسية، مضيفا: “المشكلة ليست أن الاتحاد الأوروبي لا تريد مساعدة بولندا بسبب سيادة القانون.. العكس هو الصحيح، من الصعب جدًا على هذه الحكومة البولندية (اليمينية) قبول المساعدة من الاتحاد الأوروبي حتى لا تظهر بمظهر المستسلم لطلبات الاتحاد الأوروبي أمام مناصريها وداعميها”.
قال كامينو مورتيرا مارتينيز، الزميل في مركز الإصلاح الأوروبي في بروكسل، إن الاتحاد الأوروبي عرض على بولندا المساعدة في حراسة الحدود الخاصة بها، وأن ترسل موظفين مختصين بقضايا اللجوء يمكنهم المساعدة في فحص المهاجرين للحكم على مؤهلاتهم للحصول على اللجوء.
بيد أن بولندا رفضت كلا العرضين، وأصرت على إبقاء المنطقة الحدودية مغلقة، لعدم رغبتها بأن يشرف الاتحاد الأوروبي على عمليات قوات الحرس الخاصة، وفقا لما قال لويجي سكاتيري، الباحث الزميل في لندن والذي يعمل أيضًا في مركز الإصلاح الأوروبي، والذي أكد أن وارسو لا تريد من تلك الإجراءات أن تصبح عامل إغراء أمام لوكاشينكو لإرسال المزيد من المهاجرين واللاجئين.
وأكد أن العقوبات ضد شركات الطيران ستقلل من أعداد المهاجرين، لافتا إلى أن ظلت الحدود البولندية مغلقة ومعززة بالحراسة سوف يجعل الكثيرين يصرفون النظر عن القدوم إلى بيلاروسيا
وختم بالقول:” في مرحلة ما سوف يفهم لوكاشينكو أن استمرار تدفق المهاجرين على بلده سوف يخلق لها الكثير من المشاكل الداخلية”.
الحرة