دولي

هل تنهي الحرب في أوكرانيا التحالف بين بولندا والمجر؟

أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إضعاف التحالف السياسي بين الحكومتَين القوميتَين في بولندا والمجر، فطوال سنوات، كان هذا التحالف شوكة في خاصرة الاتحاد الأوروبي، حيث انتقدت وارسو وبودابست عملية التكامل الأوروبي ومنعتا تطبيق الإصلاحات في ملفات مثل الهجرة، وتزامناً مع رفع مستوى الرقابة على السلك القضائي محلياً وقمع وسائل الإعلام النقدية، سلّط هذا التحالف الضوء على الاختلافات القائمة بين دول وسط أوروبا وغربها من حيث القيم السياسية، فاتّضح بذلك الضعف المؤسسي للاتحاد الأوروبي وعجزه عن تنفيذ السياسات ومعاقبة الدول الأعضاء التي ترفض الالتزام بقواعد بروكسل.

جاءت الحرب في أوكرانيا لتغيّر حسابات بولندا الاقتصادية، فاقتنعت وارسو بضرورة إخماد خلافاتها مع المفوضية الأوروبية للحصول على التمويل الذي تحتاج إليه من الاتحاد الأوروبي، وذلك نظراً للاضطرابات العالمية التي سبّبتها الحرب وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، فطوال سنوات هددت بروكسل بحرمان وارسو من تمويل الاتحاد الأوروبي بسبب خطوات اتخذتها الحكومة البولندية، منها تكثيف الرقابة على السلك القضائي، وفي الفترة الأخيرة أجّلت بروكسل الموافقة على خطط وارسو بإنفاق مليارات اليورو من صندوق التعافي الخاص بأزمة كورونا في الاتحاد الأوروبي، فاستعملت هذه المسألة كورقة ضغط في هذا الخلاف. لكن في منتصف شهر مايو، أعلنت الحكومة البولندية أنها تخطط لحل غرفة مثيرة للجدل تتولى الإشراف على عمل القضاة، وأعلنت المفوضية الأوروبية في المقابل أنها مستعدة لتقديم أموال الاتحاد الأوروبي إلى بولندا، فبعد هذه الهدنة المستجدة بين وارسو وبروكسل، أصبحت بودابست الحكومة الوحيدة التي يربطها خلاف كبير مع السلطة التنفيذية في الاتحاد، وخلال الشهر الذي رحّبت فيه المفوضية بتحسّن العلاقات مع وارسو، أعلنت في المقابل بدء مسار رسمي لمعاقبة بودابست التي باتت معرّضة للعقوبات الاقتصادية.

وبعد تغيّر الموقف البولندي، قد تضطر المجر للقيام بخيارات صعبة، وقد تتمسك بودابست بمسارها الراهن، لكن تترافق هذه المقاربة مع مخاطر سياسية واقتصادية كبرى لأن البلد قد يجد نفسه في عزلة متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي، أو ربما تقرر المجر أن تحذو حذو بولندا وتُخمِد خلافاتها مع المفوضية الأوروبية، وسيكون التخلي عن اعتراضها على عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد صادرات النفط الروسي أول خطوة في هذا الاتجاه، وقد تسمح هذه المبادرة بتحسين العلاقات مع بولندا والحفاظ على التحالف القائم بين الطرفَين.

بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، يمكن تبديد واحد من أبرز أسباب الانقسامات داخل الاتحاد إذا أصبحت بولندا أكثر ودّاً والمجر أقل تمرّداً، وقد لا يكون تشكيك بولندا والمجر بالاتحاد الأوروبي السبب الوحيد للخلافات الداخلية، لكنه يبقى من أكثر المواقف المشحونة سياسياً، وقد يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر قدرة على تطبيق سياساته إذا وحّد صفوفه، لا سيما في المسائل التي تتطلب الإجماع مثل الإصلاح الضريبي أو السياسة الخارجية.

لا أحد يستطيع التأكيد على استمرارية التغيّر الناشئ في وارسو والتغيّر المحتمل في بودابست، وقد يكون التحوّل دائماً في بولندا حيث تشكّل روسيا مسألة عاجلة ومن المتوقع أن تدوم التداعيات السياسية والعاطفية للحرب في أوكرانيا لفترة أطول، وفي غضون ذلك، قد تتخذ المجر مقاربة أقل صدامية تجاه الاتحاد الأوروبي، حيث يملك حزب «فيدس» الحاكم أغلبية مريحة في البرلمان المجري، ولا حاجة إلى تنظيم انتخابات عامة قبل عام 2026، مما يعني أن الحكومة لن تدفع إلا ثمناً سياسياً زهيداً مقابل تلقي مكافآت اقتصادية بارزة.

بدت علاقات بولندا والمجر مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي غير قابلة للإصلاح في مرحلة معينة، لكنّ الإزعاج الذي يُسبّبه هذان البلدان لا يقارَن باحتمال تفكك أوروبا وعجزها عن الرد على التهديدات الوجودية وراء حدودها، ومثلما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعادة إحياء الناتو ودفع السويد وفنلندا إلى التخلي عن حيادهما والانضمام إلى التحالف العسكري، قد ينجح أيضاً في عقد المصالحة بين الاتحاد الأوروبي واثنَين من أكثر الأعضاء إثارة للمشاكل.

 

● أدريانو بوسوني، ستراتفور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى