حزب عنصري لإعادة بولندا إلى الحقبة النازية
حين سافرت من نيجيريا الى بولندا للدراسة في منتصف التسعينات، اكتشفت ان قليلاً جداً من البولنديين كان لديهم اتصال بأناس من عرق مختلف، وكانت البلاد قد خرجت لتوها من نصف قرن أو يزيد من العزلة خلف الستار الحديدي، وكانت عملية التحول من النظام الشيوعي الي الرأسمالي مؤلمة للغاية وكانت البلاد تمرّ بظروف صعبة للغاية والشعب يعيش على الكفاف.
وقد نفث بعض البولنديين احباطاتهم تجاه الملونين الذين تعرضوا للإساءات العنصرية بشكل منتظم، لدرجة ا لاعتداء الجسدي في العلن، ولم تكن الشرطة تتحرك لتوقف هذه الاعتداءات أو التحقيق في العنف المدفوع بالعنصرية.
وكان عدد كبير من اصدقائي غير البيض يعتبرون بولندا بلد العنصرية وكنت اتفق معهم احياناً، ولكني كنت اعتبر ان هذا التعميم ظالم احياناً أخرى، ولان والدتي بولندية فقد التقيت الكثير من البولنديين الذين لا يتصفون بالعنصرية.
بعد نهاية الشيوعية عام 1989،اصبح الانضمام الى الاتحاد الاوروبي يمثل اولوية لبولندا، وبالفعل بدأت مفاوضات انضمامها في مطلع عام 2000 ومن اجل الوصول الى ذلك الهدف، بذلت بولندا جهوداً مضنية لإظهار قيمها المشتركة مع اوروبا، كالانفتاح والتعامل المتحضّر مع الآخرين بصرف النظر عن العرق او اللون، وبدأت السلطات البولندية ايلاء المزيد من الاهتمام للتقارير التي تتحدث عن العنف بدافع عنصري، وبدأت الشرطة تتحرك بحزم للتعامل مع مثل هذه الحوادث، وقد بدأ الناس الملونون يشعرون بأمان اكثر في شوارع بولندا.
ومما ساعد في التخفيف من حدة هذه المشكلة ان عملية التحول الى الرأسمالية بدأت تؤتي ثمارها مما اشاع اجواء من التفاؤل وقلّل مشاعر التوتر، واخذ البولنديون يشعرون بالتفاؤل بالمستقبل وبالتالي اصبحوا اكثر رحابة صدر تجاه العالم الخارجي عموماً، واصبحت ترى المزيد من الاجانب من ذوي البشرة السوداء والبنية في شوارع المدن البولندية، وتحسنت مواقف المواطن البولندي العادي تجاه الاجانب.
700 ألف مهاجر
وحين انضمت بولندا للاتحاد الاوروبي عام 2004، كانت تلك لحظة تاريخية للشعب البولندي وخاتمة لتقسيم اوروبا الى شرق فقير ومنغلق على نفسه، وغرب غني منفتح على العالم، وبعد قبول بولندا عضواً كاملاً في الاتحاد الاوروبي بدأ الاقتصاد الوطني بالتحسن، ففي عام 2003 كان الناتج المحلي العام 217 مليار دولار، وبعد عشر سنوات وصل الى 524 ملياراً، وارتفع الدخل الفردي من %44 من معدل مستويات الدول الاوروبية الى %67 في عام 2013، ويتوقع ان يصل الى %74 عام 2020.
ولا تزال معدلات الرواتب في بولندا ادنى من مثيلاتها في اوروبا الغربية، وهو السبب الذي دفع اكثر من سبعمئة الف بولندي للهجرة الى بريطانيا على مدى العقد المنصرم، لكن كل المؤشرات الاقتصادية تظهر ان مستويات المعيشة في بولندا تحسنت بدرجة كبيرة منذ التسعينات لا سيما بعد دخول الاتحاد.
حزب شعبوي
وقد منحت عضوية الاتحاد الاوروبي ملايين البولنديين، الفرصة للسفر بحرية داخل دول الاتحاد والتفاعل مع اناس من مختلف الجنسيات والخلفيات الاثنية، وقد تضافرت البيئة الاكثر ازدهاراً واستقرارا والمزيد من الاضواء التي سلطت على البلاد لجعل البولنديين اكثر اريحية وودية تجاه الاجانب بمن فيهم غير البيض.
ولكن لسوء الحظ، تبذل الحكومة البولندية الراهنة كل ما في وسعها لتغيير مسار هذا التقدم، واعادة الامور الى ما كانت عليه قبل عشرين عاما، ويبدو ان حزب «القانون والعدالة» اليميني الشعبوي الذي وصل الى سدة الحكم العام الماضي، عازم على احياء اقصى ما في البولنديين من نوازع الخوف من الاجانب، ففي خضم استماتته للفوز في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في شهر اكتوبر الماضي، لجأ الحزب الى خطاب تحريضي يذكر بالحقبة النازية.
تكتيكات التخويف
فقد صرح زعيم الحزب غاروسلو كاكزينسكي بان اللاجئين من الشرق الاوسط قد يجلبون معهم الاوبئة الى اوروبا لانهم قد يحملون «الجراثيم والطفيليات» التي لا تضر بأجسادهم لكنها «ستكون خطراً علينا»، أما نائب رئيس الوزراء غاروسلو غوين، فقال انه “لا ينبغي لبولندا ان تقبل بأي مهاجر مسلم، حتى نتجنب امكان تفجير الاطفال البولنديين“.
لقد نجحت تكتيكات اثارة الخوف التي اعتمدها الحزب حيث ابدى %57 من البولنديين في استطلاع اجري مؤخراً معارضتهم لاستقبال لاجئين من الشرق الاوسط في بلادهم.
وهناك ارتفاع في نسبة العنف الموجه للأجانب، خاصة العرب، ونقل عن المحقق آدم بودنار قوله في شهر مارس الماضي “اننا نتلقى تقارير عن العنف العنصري في كل اسبوع تقريباً، حيث يتعرض اناس للضرب بسبب لون بشرتهم، وهذا يكشف حقيقة الضرر الذي احدثته الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية، وفي اعتقادي ان تلك الحملة شكلت نقطة تحوّل حاسمة“.
انتكاسة مؤقتة
وما من شك في ان الخطاب الخسيس الذي تبناه سياسيون بارزون في الحزب الحاكم، يهدف الى اضفاء الصبغة المشروعة على المواقف المناهضة للأجانب، وشجع المتطرفين على التمادي في الجنوح نحو معاداة الاخرين، وهذا امر يثير القلق. لكن من الأهمية بمكان، الا نتصرف مثل المتعصبين الذين نوجه لهم الانتقادات، من خلال تشكيل آراء حول أمة بأسرها أو مجموعة عرقية بأكملها استناداً إلى تصرفات ومواقف أقلية منها. ويبدو ان ما يحدث في بولندا من انتكاسة مؤقتة، لا ينفصل عن التيار الأوسع المثير للقلق في معظم أنحاء أوروبا، باتجاه زيادة مشاعر الخوف من الأجانب وتنامي المشاعر القومية على النمط الذي ساد أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي.
والصورة العامة على مدى العقدين الماضيين تشير إلى تحسن كبير على صعيد المواقف المجتمعية البولندية تجاه الأجانب من كل المشارب. ويعود الفضل في ذلك – جزئياً – إلى دخول بولندا في عضوية الاتحاد الأوروبي وما شجعه ذلك من التفاعلات الثقافية.
وعلى الرغم من البيئة الراهنة المسمومة في بولندا، إلا أنه من المؤكد ان المجتمع البولندي ككل، سيواصل – في المدى الطويل – مسيرته نحو مزيد من الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع الآخرين.
بقلم ريمي اديكويا اعداد محمد أمين
■البريطانية صحيفة الغارديان ■