{loadposition top3}
بعد أعوام قضاها في السجن كمنشق في ظل الشيوعية، شارك “آدم ميشنيك “بفعالية في محادثات الدائرة المستديرة الرائدة بين السلطة ونقابة تضامن ونشطاء مستقلين في عام 1989، وهي التي جلبت انتخابات شبه حرة إلى بولندا، لأول مرة خلال أربعة عقود، وأسهمت بفعالية في إسقاط جدار برلين. الآن، في عمر 70 عاما، هو في معركة جديدة: لحماية الديمقراطية من التهديد الذي يراه من حكام بولندا الجدد، حزب القانون والعدالة.
يقول في مكتبه المملوء بالكتب في “غازيتا فيبورتشا”، الصحيفة التي لا يزال رئيس تحريرها بعد ربع قرن: “لم يخطر على بالي قط أنني سأرى مثل هذه الأحداث مرة أخرى في بولندا. الأسوأ هو أنه في ظل الشيوعية بإمكاننا إلقاء اللوم على روسيا، أو بريجنيف، لكن الآن نحن نختارهم، في غبائنا
لماذا صوت البولنديون بهذه الطريقة؟ يقول ميشنيك مع طرفة عين: “للسبب نفسه الذي اختار فيه البريطانيون خروج بريطانيا. بسبب الغباء”.
في جاكيت ليس له شكل مميز، وسيجار يتدلى من شفتيه، فإن المنشق السابق يبدو النموذج الأصلي للمحرر الفكري. على الرغم من أن التلعثم يبطئ كلامه، إلا أن الكلمات كانت سلاحه منذ أن تم إيقافه من الجامعة في عمر 18 عاما، بسبب توزيع خطاب ينتقد القيادة الشيوعية.
الآن عدوه الوحيد هو زميله السابق في نقابة التضامن التي قادت النضال المناهض للشيوعية في الثمانينيات، ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة، الذي ينظر إليه على أنه القوة الحقيقية وراء الحكومة اليوم.
صحيفة “جازيتا فيبورتشا”، التي أسستها نقابة التضامن في عام 1989، كانت ناقدة لحزب القانون والعدالة لأعوام، وهي أحد أبرز المنتقدين لجهود الحكومة الموجودة منذ 14 شهرا لمتابعة جدول أعمالها المحافظ
هذا يجعل رئيس تحريرها، كما يقول مازحا، “العدو رقم واحد”.
المعركة بين الرجلين موجودة منذ فترة طويلة وهي معركة شخصية إلى حد ما. كاتشينسكي وشقيقه التوأم الراحل، ليخ، شاركا أيضا في محادثات الطاولة المستديرة بين الحكومة الشيوعية والمعارضة
زعيم حزب القانون والعدالة المستقبلي أراد محاكمة الشيوعيين السابقين، لكن وجهة نظر ميشنيك الأكثر ميلا للمصالحة، وخياره لمصلحة التسوية والمصالحة، هي التي سادت، فتركت أثرها على زميله السابق، وقد جاءت على غير ما يهوى.
الأمر الأساسي لمهمة كاتشينسكي السياسية هو الحد من الموالين السابقين للشيوعية. وهو يعتقد أن التحالف الذي أقاموه مع المعارضين الليبراليين من أمثال ميشنيك، مكنهم من الازدهار على حساب الفقراء، وأنهم قادوا بولندا في الطريق الخطأ بعد عام 1989.
ميشينك جريء. يرد بشكل حاسم: “المتهمون بارتكاب جرائم تم تقديمهم للمحاكمة. في البرلمان اليوم، ليس هناك أي شيوعيين. الشيوعيون الوحيدون الموجودون هم في حزب كاتشينسكي”.
يريد كاتشينسكي أن تعود بولندا إلى الجذور الكاثوليكية المحافظة التي يعتقد أنها ضلت طريقها عنها.
ميشنيك يتهم حزب القانون والعدالة بإيجاد ديموكراتورا، وهي كلمة بولندية تجمع بين كلمتي الديمقراطية والدكتاتورية، على نحو يشبه الوضع الذي في روسيا أو المجر. يقول: “لدينا مؤسسات ديمقراطية، لكنها مقيدة باستمرار. يتم انتهاك الدستور، ويقولون إنهم سيذهبون أبعد من ذلك”.
الأهم هو القضاء على الفصل بين السلطات بعد أن نجحت الحكومة في تحييد المحكمة الدستورية، وكما يدعي ميشنيك، تكسب النفوذ على القضاء والنيابة العامة, يقول ميشنيك إنها ليس فقط سيطرت على وسائل الإعلام العامة، بل إن وسائل الإعلام الخاصة المنتقدة تتعرض للضغط
الشركات المملوكة للدولة لا تشتري الإعلانات في وسائل إعلام المعارضة. وهو يدعي أن إحدى شركات النفط الحكومية البولندية طلبت من جميع محطات التعبئة التابعة لها وضع صحيفة “غازيتا فيبورتشا” في أسفل أكوام الصحف. ميشنيك ينفي الشائعات عن وجود مشاكل مالية في صحيفته، لكنه يقول إن المبيعات تضررت.
يضيف: “أنا أتعرض للهجوم باستمرار. أتلقى رسائل، مكالمات هاتفية مجهولة المصدر. يكذبون دون توقف. يريدون إعادة كتابة التاريخ – حيث يختلقون القصص التي تقول إنني لم أكن في السجن، وإذا كنت كذلك، فهذا كان مؤامرة لتمويه حقيقة أنني خائن“.
حزب القانون والعدالة ينفي تقويض الضوابط والتوازنات الديمقراطية. يقول أنصاره إن حكومة المنبر المدني من يمين الوسط السابقة، سيطرت بالمثل على وسائل الإعلام العامة وسيست المحكمة الدستورية – دون أي انتقاد من الغرب.
يقول ميشنيك إن الحكومات السابقة ارتكبت أخطاء: لكنها دأبت “بشكل عام على أن تحترم القواعد الديمقراطية”.
على الرغم من كونه في اليسار في شبابه، إلا أنه احتضن ديمقراطية السوق الحرة في بولندا بعد عام 1989. وقد رأى عضوية الاتحاد الأوروبي كضمان ضد حالات التراجع الجديدة عن الحريات
غير أنه يضيف أن بولندا، كما يقول، وقعت ضحية لثورة أوسع من قبل الذين تركوا في الخلف بسبب العولمة، الناس الذين تلاعب بهم الشعبويون. “عندما يسألوني في بريطانيا عما يحدث في بولندا، أرد إن لدينا كاتشينسكي، ولديكم خروج بريطانيا. في الولايات المتحدة، أقول إن لدينا كاتشينسكي، ولديكم ترمب”.
ميشنيك يعتقد أن الحزب الحاكم سيخسر في الانتخابات المقبلة في عام 2019: “كاتشينسكي سيخسر، لأن ما يقترحه هو أمر عفا عليه الزمن تماما. إنها طريقة تفكير من القرن التاسع عشر”.
بقلم : نيل باكلي وإيفون هوبر من وارسو