بالصور – بولندا تختنق… الناس مُرغمون على ملازمة منازلهم
تغرق المدن البولندية هذا الشتاء في سحابة سميكة من الضباب الدخاني الرمادي، في ظاهرة اعتيادية تمثل اوضح تجليات الاعتماد الكبير لبولندا على الفحم وترغم الناس على ملازمة منازلهم او التزود بأقنعة واقية من التلوث
وتبدو الاستاذة الجامعية انا دوبوشينسكا المتخصصة في امراض الرئة منذ اكثر من عقدين، قاطعة في حكمها اذ تقول لوكالة فرانس برس بعد معاينتها مريضا مصابا بالربو “خلال فترات الضباب الدخاني الرمادي، يسجل ازدياد واضح في عدد الأشخاص الذين يعانون مشكلات او يموتون جراء الامراض التنفسية او القلبية”.
وتشهد وارسو حاليا معدلات قصوى جديدة لتلوث الهواء
{loadposition top3}
وتوضح هذه الطبيبة أن “الاطفال والنساء الحوامل والأشخاص المسنين هم الأكثر عرضة للضباب الدخاني الذي يلحق الأذى بالمجاري التنفسية بطريقة مشابهة للسجائر”، مضيفة “الطفل الذي يلعب في الخارج يعاني أثرا مشابها لما يخلفه تدخين السجائر”.
وأبلغ احد مستشفيات وارسو عن ازدياد بنسبة 50 % في عدد المرضى خلال فترة صقيع من دون رياح في كانون الثاني.
وقد نفدت اقنعة التنفس الواقية من التلوث من الاسواق بسبب الطلب الكبير، في حين وزعت السلطات كميات من هذه الأقنعة مجانا على الشرطيين العاملين على الطرق العامة.
tvn24
وأظهرت دراسة للوكالة الأوروبية للبيئة نشرت في العام 2016 أن التلوث في الغلاف الجوي الناجم بجزء كبير منه عن التدفئة بالفحم، أسفر عن حوالى خمسين الف حالة وفاة مبكرة خلال عام في بولندا التي تعد 38 مليون نسمة.
ويقوم نحو 70 % من الأسر البولندية بإحراق فحم بنوعية رديئة أو حتى نفايات في مواقدهم القديمة في حين يأتي جزء كبير من الكهرباء في البلاد من محطات فحم عائدة الى الحقبة الشيوعية.
وبالتالي تحتل بولندا مرتبة متقدمة على قائمة أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي تلوثا.
ويورد موقع “ايرفيجوال” البيئي الذي اطلقته مجموعة علماء من ستة بلدان في أربع قارات، باستمرار ذكر كراكوفا وكاتوفيتسي ووارسو من بين المدن الأكثر تلوثا في العالم.
وتوضح كارولينا وهي ام لثلاثة اطفال في وارسو أن وضع اقنعة مضادة للضباب الدخاني والاستعانة بتطبيقات هاتفية تقدم تقارير في الوقت الحقيقي عن مستوى التلوث باتا جزءا من الأنشطة الروتينية لعائلتها.
وتقول هذه الشابة: “ابني عانى التهابا رئويا مرتين خلال عشرة اشهر وابنتي بقيت مريضة على مدى شهرين في تشرين الاول وتشرين الثاني“.
وتضيف: “اكثر ما يخيفني هو النقص في المعلومات ولامبالاة الحكومة. ثمة ايام يسجل فيها مستوى للضباب بدرجة كبيرة تستدعي اغلاق المدارس ودور الحضانة لكن لم يبذل اي جهد في هذا الاطار“.
وقررت السلطات البولندية تحذير السكان فقط في حال كان معدل التلوث اعلى بست مرات من المستوى المحدد من الاتحاد الاوروبي عند 50 ميكروغراما في المتر المكعب يوميا، بحسب بيوتر سيرغي الناشط في جمعية متخصصة في التصدي لمخاطر الضباب الدخاني.
وتنص تشريعات الاتحاد الاوروبي على أن الحد الادنى المحدد بـ50 ميكروغراما من الجسيمات الدقيقة يجب عدم تخطيه أكثر من 35 مرة في العام.
وفي فرنسا، يتم تحذير السكان فور تخطي مستوى هذه الجزيئات معدل 50 ميكروغراما في اليوم. لكن في بولندا “مستوى الانذار محدد بـ300 ميكروغرام” بحسب ما يؤكد بيوتر سيرغي مبديا قلقه ازاء ما يعتبره “خطرا على الصحة العامة”.
وردا على سؤال بشأن هذا المستوى المرتفع، ترد وزارة البيئة بأن تحديد عتبة ادنى سيكون “غير فعال” لأن “حالات الانذار ستكرر كثيرا” والناس “لن يعيروا انتباها لها”.
وقد رفضت الوزارة اخيرا اقتراح منظمة غير حكومية تنتمي اليها بدق ناقوس الخطر ودعوة الناس الى ملازمة منازلهم عند بلوغ مستوى الجسيمات الدقيقة ضعف المعدل المسموح به اي مئة ميكروغرام في المتر المكعب
واختارت حكومة حزب القانون والعدالة المحافظ منع استخدام الفحم الرديء النوعية والحد من بيع افران الطهي الاكثر تلوثا
وبينت دراسة نشرتها في كانون الثاني الوكالة الدولية للطاقة، أن تلوث الغلاف الجوي يمثل “أحد اكبر المخاطر الصحية” في بولندا
ودعت الوكالة وارسو الى مراجعة سياستها في مجال الطاقة التي تستند الى الفحم والاعتماد على مصادر طاقة مراعية للبيئة
أشارت الدراسة الى أن الفحم استحوذ على 81 % من الطاقة الكهربائية المنتجة في بولندا في العام 2015 كما ان قطاع الفحم وفر ما لا يقل عن مئة الف وظيفة، وهو موضوع حساس في البلاد
غير أن حكومة بياتا شيدوا، وهي ابنة عامل منجم، ترى في الفحم ضمانة لأمن الطاقة في البلاد
كذلك حددت الحكومة معايير صارمة للغاية بالنسبة لإنتاج الطاقة بتوربينات الرياح، بما يشمل على سبيل المثال المسافة الدنيا الواجب التقيد بها لنشر هذه التوربينات في المناطق السكنية
وتحذّر الوكالة الدولية للطاقة من ان “مستقبل مصادر الطاقة المتجددة في بولندا يبدو غامضا”، كذلك الأمر بالنسبة للأمل بتنشق هواء أنظف قريبا في البلاد