الناتو وارتدادات موجة ترامب
سياسات ومواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بخصوص بعض القضايا والملفات المهمة، ومنها موقف الرئيس الجديد إزاء روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) ما تزال تثير قلق حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستعتمد مواقف جديدة ومختلفة قد تدخل أمريكا وبسحب بعض المراقبين بعض الأزمات والمشكلات، فبعد الانتقادات المتكررة التي أطلقها الرئيس
{loadposition top3}
الأمريكي، دونالد ترامب، كما نقلت بعض المصادر، لحلف شمال الأطلسي قبل وبعد انتخابه والجدل الذي أثاره الأوروبيون، سعى اليوم ومن خلال بعض الرسائل لتخفيف قلق ومخاوف الحلفاء، حيث ترامب أنه لا يزال حليفا مؤيدا لحلف شمال الأطلسي، لكنه أشار إلى أن العديد من أعضاء التحالف “لا يدفعون الفواتير”، وقال “علينا أن نتجاهل الإطارات أصداء حروب الأمس، نقود معارك لم تعد تساعدنا، أنا أؤيد الناتو الأطلسي، ونحمي العديد من الدول في الحلف ودول غنية جدا، ولكن العديد من البلدان في منظمة حلف شمال الأطلسي لا تدفع فواتيرها “.
وتابع ترامب قائلا ” لن نستمع مجددا لأولئك الذين لا يمكن أن يحققوا شيئا سوى الفشل، الظروف الجديدة تتطلب حلولا جديدة
وكان ترامب وخلال حملته الانتخابية ومنذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، قد أثار شكوكا إزاء التزام واشنطن منذ نحو 70 عاما بالحلف الذي قال إنه “عفا عليه الزمن” وبات عبئا على دافع الضرائب الأمريكي، ويرى بعض الخبراء ان ترامب سينجح في تحقيق الكثير من اهدافه وسيحصل على مايريد من تنازلات. وتأسس الحلف في عام 1949 بناء على معاهدة وقعت في واشنطن، ومقر الحلف في بروكسل عاصمة بلجيكا، وله لغتان رسميتان؛ الإنجليزية والفرنسية. ويهدف الحلف بحسب من أنشأه إلى حماية دول العالم عامة، والدول الأعضاء خاصة.
وهناك خمس دول فقط في حلف شمال الأطلسي (من أصل 28) تحترم حتى الآن مستوى النفقات الدفاعية المطلوب، أي اثنان بالمائة من الحد الأدنى لإجمالي الناتج الداخلي، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا واليونان وبولندا وإستونيا.
رسالة من ترامب
وفي هذا الشأن قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي من ترامب، لزعماء ووزراء أوروبا إنه تحدث إلى ترامب الذي تعهد بالالتزام الثابت بدعم حلف شمال الأطلسي. وقال بنس أمام مؤتمر ميونيخ للأمن “اليوم ونيابة عن الرئيس ترامب معي لكم (رسالة) الطمأنة هذه: الولايات المتحدة الأمريكية تدعم بقوة حلف شمال الأطلسي وستواصل التزامها الثابت تجاه هذا الحلف العابر للأطلسي.”
ورغم أن وزير الدفاع البولندي أشاد بكلمة بنس إلا أن آخرين ومنهم وزير الخارجية الفرنسي ومشرعون أمريكيون في ميونيخ عبروا عن شكوكهم في أنه نجح في إقناع الحلفاء بأن ترامب سيقف بجانب أوروبا. وبعد أن تحدث بنس قال ألكسندر فيرشبو نائب الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي “كثيرون في هذه القاعة ما زالوا يتساءلون عما إذا كانت هذه هي السياسية الحقيقية.”
كما أظهر بنس الذي التقى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انقساما بشأن إيران التي يراها الاتحاد الأوروبي فرصة لإقامة الأعمال بعد الاتفاق النووي. ووصف بنس طهران بأنها “أكبر دولة راعية للإرهاب” وهي لغة لا يستخدمها أبدا المسؤولون الأوروبيون. وعبر جان مارك إيرو وزير الخارجية الفرنسي في تغريدة على تويتر عن عدم رضاه لعدم احتواء خطاب بنس “كلمة واحدة عن الاتحاد الأوروبي“.
وقال السناتور الأمريكي كريس ميرفي العضو في الحزب الديمقراطي إنه رأى حكومتين متنافستين تخرجان من إدارة ترامب. وكتب على تويتر “تبدو مثل حكومتين.” وأضاف أن نائب الرئيس “أدلى لتوه بخطاب عن القيم المشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا في حين أن (الرئيس الأمريكي) يشن حربا صريحة على تلك القيم.” وحمل كل من بنس ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون رسائل طمأنة خلال رحلتهم إلى أوروبا. لكن ميرفي قال “أحببت كثيرا مما سمعته من نائب الرئيس بنس” مضيفا أنه “من الصعب إيجاد توازن بين هذا الخطاب وكل ما يفعله أو يقوله دونالد ترامب.” بحسب رويترز.
وقال مسؤولون إن استقالة مايكل فلين مستشار ترامب للأمن بسبب اتصالاته مع روسيا شوهت كذلك الرسائل التي سعى بنس وماتيس وتيلرسون لإيصالها. وقال السناتور الجمهوري جون مكين -وهو أحد منتقدي ترامب- خلال مؤتمر صحفي إن فريق الرئيس الجديد “مشتت” ومنفصل عن المواقف الأمريكية تجاه القضايا. بينما استقبل بنس بتصفيق حار بعد إعلانه دعم حلف شمال الأطلسي كان التصفيق فاترا بعد ذلك. وقوبل تحذيره من أن “الوقت حان لفعل المزيد” من أجل الإنفاق العسكري بصمت غير ملائم.
زيادة الإنفاق
الى جانب ذلك كثفت الولايات المتحدة مطالباتها بأن تزيد ألمانيا ودول أوروبية أخرى من الإنفاق على الدفاع قائلة إن عدم وفائهم بالنسبة المستهدفة في حلف شمال الأطلسي للإنفاق العسكري تهدد بتقويض أساس الحلف. وقال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس “عندما يفشل حتى ولو حليف واحد في القيام بدوره فالأمر يقلل من قدرتنا جميعا على مساعدة بعضنا بعضا.” وأعاد بنس التأكيد لحلفاء واشنطن على دعم بلاده الراسخ لحلف شمال الأطلسي.
وقال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إن ألمانيا تبقى ملتزمة بالوصول إلى نسبة اثنين بالمئة المستهدفة للإنفاق العسكري التي حددها الحلف لكن سيكون من الصعب زيادة ميزانية الدفاع بسرعة بمقدار 25 مليار يورو (26.5 مليار دولار) المطلوبة للوفاء بتلك النسبة. وتنفق ألمانيا حاليا 1.2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش. ودعا جابرييل إلى نهج أوسع لعلاج مخاطر أمنية مثل التغير المناخي وقال إنه يجب مراعاة أن بلاده تنفق ما بين 30 و 40 مليار يورو لدمج أكثر من مليون لاجئ الكثير منهم تشردوا نتيجة لتدخلات عسكرية فاشلة في السابق وتحميهم بذلك من التحول إلى متشددين.
وشكك جابرييل في حكمة ربط الإنفاق العسكري لدول الحلف بنسبة محددة من الناتج المحلي الإجمالي مشيرا إلى أن اليونان وفت بالهدف لكن لديها مشكلات في دفع رواتب التقاعد لمواطنيها. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرو للمؤتمر إن من المهم التركيز على زيادة الإنفاق على العتاد المطلوب أكثر من رواتب التقاعد العسكرية. وقال “المسألة ليست تمويل حلف شمال الأطلسي ولا تغيير الميزانيات لكن كيف يمكن لأوروبا… أن تحسن من قدرتها على نشر القوات دون تشكيل جيش أوروبي
على صعيد متصل أبلغ وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس دول حلف شمال الأطلسي أن عليها أن تحترم تعهدات الإنفاق العسكري لضمان ألا “تخفف” الولايات المتحدة دعمها للحلف. ووفقا لتصريحات معدة قدمت للصحفيين قال الوزير الأمريكي أثناء اجتماع مغلق لوزراء دفاع الحلف “أمريكا لا يمكنها أن تهتم أكثر منكم بأمن مستقبل أطفالكم.” وتمثل تعليقاته بعضا من أقوى الانتقادات للحلفاء الذين فشلوا في تحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي.
ولم يصل ماتيس إلى حد إصدار إنذار صريح أو تحديد كيف قد تخفف الولايات المتحدة دعمها. وقال إن الولايات المتحدة تدعو الحلفاء الأوروبيين منذ سنوات إلى إنفاق 2 بالمئة من الناتج الاقتصادي على الدفاع. لكنه أضاف أن على الحلفاء تحقيق تقدم في 2017 وتبني خطة تتضمن مواعيد محددة لتحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي. بحسب رويترز.
وبعد كلمة ماتيس قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن نظيره الأمريكي أوضح أن “نفاد صبر دافعي الضرائب الأمريكيين حقيقة”. وأضاف أنه دعا كل الحلفاء في الاجتماع إلى زيادة الإنفاق على الدفاع سنويا على الأقل حتى إذا لم يستطيعوا الوفاء بهدف الاثنين في المئة. وقال “نطلب منهم الالتزام بزيادة سنوية وهو ما سيبرهن على الأقل عن حسن النية… 19 عضوا في الحلف لا يصلون إلى 1.5 بالمئة وخمسة من أولئك التسعة عشر لا يصلون إلى 1.0 بالمئة.”
برلين تحذر
الى جانب ذلك وبلهجة شديدة الحدة، حذرت وزيرة الدفاع الألمانية الولايات المتحدة من المساس بتماسك الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي أو السعي إلى التقارب مع روسيا بشكل أحادي، مشددة على أن اللحمة الأوروبية هي لصالح واشنطن. وأثارت مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أثنى على قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتقد الحلف الأطلسي وتبنى خطا متساهلا حيال روسيا، قلق الأوروبيين.
وقالت أورسولا فون دير ليان خلال مؤتمر ميونيخ للأمن إن “أصدقاءنا الأمريكيين يعرفون أن نبرتهم حيال أوروبا والحلف الأطلسي لها تأثير مباشر على تماسك قارتنا”. وأكدت أن “اتحادا أوروبيا مستقرا هو لصالح الولايات المتحدة، وكذلك حلفا أطلسيا قويا وموحدا”. كما حذرت الولايات المتحدة من المساواة في تعاملها بين حلفائها الغربيين وروسيا.
وقالت بهذا الصدد “لا يمكن الوقوف على مسافة واحدة من الحلفاء ومن أولئك الذين يشككون صراحة بقيمنا وحدودنا والقانون الدولي”. وتابعت أنه في حين تسعى الدول الحليفة ككل إلى إقامة علاقة وثيقة مع روسيا، عليها ألا “تتجاوز الشركاء في مفاوضات ثنائية”. وإن كان ترامب أعلن بعد دخوله البيت الأبيض دعمه التام للحلف الأطلسي، إلا أنه وجه خلال الحملة الانتخابية انتقادات شديدة للحلف معتبرا أنه “عفا عليه الزمن”. وأثنى بشكل متواصل على بوتين ودعا إلى تعاون أكبر مع روسيا، بما في ذلك في التصدي لتنظيم داعش في سوريا. بحسب فرانس برس.
وانتقدت وزيرة الدفاع الألمانية أيضا المرسوم الذي أصدره ترامب وحظر فيه الهجرة والسفر مؤقتا من سبع بلدان ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، قبل أن يعلق القضاء مفاعيله في الوقت الحاضر. وقالت فون دير ليان “يجب أن نتفادى تحويل مكافحة (الإرهاب) إلى جبهة (مشتركة) ضد الإسلام والمسلمين، وإلا فإننا نواجه خطر تعميق الهوة التي تشكل تربة خصبة للعنف والإرهاب”. وحذرت بأنه في هذه الحالة “سنواجه خطر الغوص في مستنقع أعمق مع تزايد العنف والرعب. من المناسب عوض ذلك البحث عن شراكة مع دول مسلمة وعربية تفكر مثلنا“.
مظلة نووية
من جانبه طالب زعيم حزب المحافظين الوطني الحاكم في بولندا ياروسلاف كاتشينسكي “بإدخال” بلاده في النظام الأميركي للدفاع النووي، وكان كاتشينسكي أعرب في مقابلة سابقة مع صحيفة فرانكفورتر الغميني زيتونغ الألمانية عن امله بان تصبح اوروبا “قوة كبرى نووية”. ويمكن وضع هذين التصريحين في إطار الشكوك التي تنتاب بولندا إزاء سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأطلسية.
وتحمي المظلة النووية الأميركية حاليا الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي (وبينها بولندا) بموجب المادة الخامسة من ميثاق الأطلسي، اضافة الى اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا. وفي مقابلته مع صحيفة غازيتا بولسكا المحافظة البولندية قال كاتشينسكي ان على وارسو ان “تعمل على ادخال بولندا في النظام الأميركي للدفاع النووي”. ولم يكشف المسؤول البولندي ما يمكن ان يقدمه هذا الإدخال الذي يطالب به اكثر من المظلة الأطلسية. بحسب فرانس برس.
وفي مقابلته مع الصحيفة الألمانية وردا على سؤال عن مظلة نووية أوروبية، وهي فكرة بدأ التداول بها بعد وصول ترامب الى البيت الابيض، قال المسؤول البولندي “سأؤيد ذلك في حال كان الاقتراح جديا، عندها ستصبح أوروبا قوة جبارة، الا ان غواصة او غواصتين نوويتين لن تكونا كافيتين”. وتتألف الترسانة النووية الاميركية في اوروبا من نحو 200 سلاح تكتيكي موجودة في ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وتركيا. وبإمكان هذه الدول استخدام الاسلحة الموجودة على أرضها فقط بعد الحصول على موافقة الولايات المتحدة.