الجالية المغربية
بولندا تشارك بمهرجان الرُحَّل بالمغرب الذي يجذب عشاق الموسيقى التقليدية من جميع أنحاء العالم
على إيقاع آلات موسيقية شعبية خاصة بالبدو الرحل تسامر فنانون محليون وعالميون في منطقة محاميد الغزلان الواقعة في إقليم زاكورة بالمغرب، تحت خيام تقليدية لتبادل تجاربهم في العيش وسط الصحراء بلغة واحدة هي الموسيقى التي تجمعهم رغم اختلاف جنسياتهم ولغاتهم.
شهدت منطقة محاميد الغزلان في إقليم زاكورة بالمغرب، والتي تتمتع في العادة بحالة سكون تطغى على شوارعها المتربة، نهاية الأسبوع الماضي إقبالا كبيرا من عشاق الموسيقى الشعبية من أنحاء العالم الذين توافدوا عليها لحضور المهرجان الدولي للرُحَل.
وقدمت في هذا المهرجان الذي حمل شعار “الثقافة أساس التنمية” عروض للموسيقى التقليدية وألعاب وفنون تراثية مثل بناء الخيام التقليدية الخاصة بالبدو الرحل.
وقدم فنانون محليون وإقليميون وعالميون ولمدة ثلاثة أيام متتالية عروضا موسيقية راقصة في الهواء الطلق.
ومن بين مقدمي العروض الموسيقية الذين جذبوا أكبر عدد من الجمهور كان عازف القيثارة جومور المختار المعروف بلقب “بامبينو”، وهو من النيجر، والذي أبهر الجمهور بأدائه الرائع يوم السبت.
وذاع صيت الفنان، الذي ينتمي إلى طوارق النيجر ويفتخر بأنه يمثل صوت قبيلته، قبل ما يزيد على عشر سنوات.
وقال بامبينو “يمكن أن نعبر بالقيثارة عن العلاقات البشرية. إنه شيء عشته وكبرت معه وأحب أن أقول الحقيقة. الإنسان يخاف من الحقيقة لأن الحقيقة تؤلم جدا. لكن بالنسبة إلي على الإنسان أن يقول الحقيقة دائما”.
وأضاف فنانون آخرون شاركوا في المهرجان للمزيج الموسيقي الانتقائي فيه.
ورفه أعضاء فريق تاراكافت الموسيقي، من مالي، عن الجمهور بأغنيات تعبر عن تجربة الإحساس بالعزلة في الصحراء.
وقال سنو أغ أحمد قائد الفريق “نحن نعزف موسيقى عصرية لكن بقواعد تقليدية. هناك أناس لا يفهمون كلماتنا لكنهم يفهمون موسيقانا.. الرنات الموسيقية تفهم من قبل الكل ولا تحتاج إلى لغة بعينها. الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع”.
وضيفة شرف هذه الدورة من المهرجان هي بولندا، وبفضل جهود الجمعية المغربية-البولندية للثقافة نُظمت في محاميد الغزلان أنشطة ثقافية عديدة في السنوات القليلة الماضية.
وشاركت في هذه الدورة من المهرجان الدولي للرحل ثلاث فرق موسيقية بولندية تحت رعاية سفارة بولندا في الرباط.
وقالت أنيتا أوكوبوسكا بونس المسؤولة في الجمعية المغربية-البولندية للثقافة إن هذا المهرجان منصة عظيمة لتبادل الأفكار في الثقافة والموسيقى.
وأضافت “لدينا أصدقاء في محاميد الغزلان. إنهم موسيقيون من فريق شكاكا. هذا الفريق زار بولندا خلال السنوات الخمس الأخيرة ليقرب بولندا من الثقافة المغربية، واعتقدنا أنه ربما حان الوقت لنعرف بثقافتنا في المغرب”.
ويعتبر المهرجان منشطا للحركة الثقافية بالجنوب الشرقي للمملكة، إذ يجمع جمهورا تتجاوز فيه كل اللغات والجغرافيات والأعمار والأذواق ومن مختلف الجنسيات، مغاربة وأجانب، أغنياء وفقراء، في تجانس إنساني وثقافي مميز.
ويهدف المهرجان، الذي احتفل هذا العام بدورته الرابعة عشرة والتي استمرت ثلاثة أيام، إلى المحافظة على الموسيقى والعادات والتقاليد الخاصة بالمناطق التي تقطنها قبائل البدو الرحل العديدة والمتناثرة في الصحاري الشاسعة.
وقال نورالدين بوكراب مدير المهرجان الدولي للرحل “هذه السنة أقمنا نفس الطقوس، نفس العادات، ونفس التقاليد، في نفس الطبيعة، لكن بألوان مختلفة وبلغات مختلفة. جعلنا من محاميد الغزلان قنطرة تواصل بين شمال أفريقيا والساحل غرب الصحراء”.
وأوضح أن المهرجان “بالإضافة إلى طابعه الثقافي الروحي المتميز هو مناسبة أيضا للتعريف بالمنتوج السياحي المغربي من خلال استقطاب المهرجان لآلاف السياح من هواة الموسيقى العالمية والساعين لاكتشاف الثقافة المغربية، خصوصا ثقافة الصحراء”.
{loadposition top3}
وعندما يهدأ صوت الموسيقى يندمج المشاركون في المهرجان وزواره في أنشطة رياضية تقليدية لاسيما لعبة تشبه الهوكي تسمى هوكي الرمال أو “المكحاش” محليا وهي لعبة يمارسها فريقان بكرة مصنوعة من وبر الإبل ويديرها حكم يطلق عليه “الشيخ”.
كما استمتع زوار المهرجان بمشاهدة سباق الجمال الذي يسمى “اللز” وأيضا مسابقة في تحضير الخبز في الرمل “الملا”، وكيفية تركيب الخيمة الصحراوية الخاصة بالرحل.
ويقول منظمو المهرجان إنه على الرغم من تركيزه على التقاليد البدوية فإن اللمسة العصرية في الأداء تعني أن الاحتفالات تسعى لجذب زوار من أنحاء العالم.
وأشارت جمعية رحل العالم إلى أنه “في الوقت الذي تهتم المملكة المغربية أكثر فأكثر بعمقها الإفريقي، المهرجان الدولي للبدو الرحل يساهم بقوة في إعادة إحياء هذه الأواصر عبر الثقافة المشتركة، إذ حرصنا هذه السنة على جلب فرق وفنانين أفارقة من مختلف أنحاء القارة، إيمانا منا بأن تنمية القارة تأتي أولا عبر تعزيز الجهود المشتركة على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها البعد الفني والثقافي اللذين لهما بالضرورة انعكاسات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة على المنطقة”.
وشهدت فعاليات المهرجان أيضا تنظيم ورشات لتعليم الخط العربي ومعرضا تشكيليا لفنانين استوحوا أعمالهم من عمق الخصوصية المغربية والصحراء من منظور إنساني.
وتميزت دورة مهرجان الرحل هذه السنة بتنظيم ندوات تباحث خلالها خبراء مغاربة وأجانب سبل حماية نمط عيش الرحل بمحاميد الغزلان التي تعاني من تراجع في نسبة الرحل بـ70 في المئة في السنوات العشر الأخيرة.
وفي الطريق إلى محاميد الغزلان تصادف الزائرين كل تضاريس المغرب تقريبا، سهول وجبال وكثبان رملية. وعلى مشارف البلدة تستقبل أشجار النخيل من الجانبين كل من يصل إليها ليكتشف طبيعة المنطقة الساحرة، قبل أن ينفرج مجال الرؤية عن صحراء تتوسطها أبنية مترامية هنا وهناك على ضفتي وادي درعة، لتشكل في ما بينها منطقتي “محاميد البالي” و”محاميد الجديد”.
ويرجع أصل تسمية المنطقة بمحاميد الغزلان إلى اسم أكبر دوار في المنطقة الذي بدوره استمد هذه التسمية حسب بعض الروايات من كون مجموعة من الغزلان كانت تشرب من وادي درعة وتحديدا في منطقة المحاميد.
وتعتبر المنطقة حلقة وصل بين سكان أفريقيا الغربية، حيث كانت أهم ممر للقوافل التجارية التي كانت تحمل الذهب في اتجاه شمال أفريقيا من الجنوب، كما أنها منطقة استراتيجية لقبائل الرحل، وشكلت مجالا للاستقرار البشري منذ عهود قديمة.
وكالات