بولندا مجتمع

حقيقة تاريخية غيبتها الشائعات… التتار المسلمون أنقذوا فيينا من حصار العثمانيين

ستحلّ في عام 2083 ذكرى مرور 400 عام على معركة فيينا التي جرت في 2 سبتمبر 1683. كانت الإمبراطورية العثمانية في حينها ذات أطراف مترامية من شواطئ الخليج إلى بودابست والمغرب اليوم، تحاصر فيينا منذ شهرين.

وضمّ الكومنولث البولندي الليتواني، الذي كان قوّة كبرى في أوروبا وقتذاك، والأمبراطورية الرومانية المقدّسة وآل هابسبرغ في فيينا، قواهم لفكّ الحصار العثماني.

مساهمة المسلمين

في الغرب، يصف البعض معركة فيينا بأنّها صدام حضارات هائل، قصة نصر للمسيحيين وهزيمة للمسلمين. وأسهم هذا التوصيف في تشكيل آراء متطرفين يمينيين ومُعادين للمسلمين والمهاجرين من كل صنف في أوروبا. وأصبحت المعركة ركنًا أساسيًا من أيديولوجيتهم بوصفها واقعة تاريخية يستوحونها ويسعون إلى تكرارها، كما تلاحظ مجلة “أيون” الإلكترونية في تقرير مستفيض عن المعركة.

جاء في التقرير أن النظرة الفاحصة إلى المعركة تُبيّن أن جون سوبيسكي الثالث، ملك الكومنولث البولندي الليتواني متعدّد اللّغات والأديان، ما كان ليربح معركة فيينا لولا مساعدة التتار المسلمين في بلده. وكان اسم التتار يُطلق على الأقوام شبه الرحل الناطقة بالتركية التي عاشت في سهوب يوريشيا ومحيطها.

وبعد انهيار الإمبراطورية المنغولية، رحلت مجموعة من التتار المسلمين هربًا من الحاكم التركي المنغولي تيمورلنك، ولجأت عند دوق ليتوانيا المسيحي الكبير ليبكا في عام 1397، من هنا تسميتهم “تتار ليبكا”. ضَمَن الدوق لهم حريّتهم الدينية بل إنّه حتى أعفاهم من الضريبة. وفي المقابل قدّمَ التتار المسلمون دعمهم لوطنهم الجديد وبولندا فيما بعد، بما في ذلك المساعدة العسكرية، ضد تيمورلنك في البداية.

قوّة عسكرية

كان تتار ليبكا يضعون عيدان القشّ على خوذهم لتمييزهم عن تتار القرم، وأصبحوا قوّة عسكرية مهمّة في كل معركة تقريبًا شهدها التاريخ البولندي الليتواني. وفي عام 1939، قاتلت الفرقة التتارية مع الجيش البولندي ضد جحافل ألمانيا النازية. وأعلن الرئيس البولندي برونسلاف كوموروفسكي في عام 2010 بمناسبة إقامة أول نصب بولندي تكريمًا للتتار أنّه “ما من عدّو واجهته بولندا إلاّ وشهر التتار سلاحهم ضدّه”.

بُني أقدم مسجد في بولندا على أرض منحها الملك البولندي جون سوبيسكي الثالث اعترافًا بمساهمة التتار العسكرية في معارك بولندا. ومهدّت مباردته هذه إلى إقامة مساجد عدة في المنطقة، ما زالت موجودة حتى اليوم. وأشار المؤرخ بوغوسلاف زاغورسكي إلى أن سوبيسكي هو الملك الذي إرتبط به “أول مثال على وجود جماعة مسلمة دائمة في بلد اوروبي غير مسلم”.

تعدّد الأديان

إذا كان التتار المسلمون ساعدوا المسيحيين ضد العثمانيين، فالوجه الآخر من معركة فيينا كان متعدّد الأديان أيضًا. فالعثمانيون بقيادة السلطان محمد الرابع كانوا متحالفين مع ملك الشمس الكاثوليكي الروماني لويس الرابع عشر. واتّفق العثمانيون والفرنسيون على إقامة حلف رسمي في العقد الرابع من القرن السادس عشر. واستمر هذا الحلف إلى أن أقدم نابليون على غزو مصر لفترة قصيرة بعد ألف عام. أصبح التحالف الفرانكو عثماني أطول اتفاقيّة سلام في تاريخ فرنسا.

هكذا، فإن معركة فيينا لم تكن حربًا بين الصليب والهلال، ولا صدام حضارات أو انتصارًا مسيحيًا على الإسلام، كما يصورها البعض. فالتتار المسلمون قاموا بدور مهمّ في مساعدة ملك بولندا الكاثوليكي من جهة مثلما كان المجريون اللوثريون متحالفين مع سلطان المسلمين من الجهة الأخرى.

أهميّة المعركة

في نهاية المطاف، كان عام 1683 مجرد عام آخر من الصراع على السلطة والنفوذ بين الدّول الأوروبية الكبرى. وكانت الولاءات عابرة لحدود الدّين والقومية. وكانت معركة فيينا دراما متعدّدة الثقافات ومثالًا على الإنعطافات المعقّدة والمتناقضة في التاريخ الأوروبي. ولم يكن هناك ذات يوم شيء إسمه “جيوش أوروبا المسيحية الموّحدة”.

كما أن معركة فيينا لم تكن بالغة الأهميّة لتاريخ أوروبا كما يروق للبعض أن يتوّهم. فبعد عام 1683، بَسط العثمانيون سلطانهم على البلقان 200 عام، وظلّت أغلبية اليونانيين والبلغار والرومانيين والصرب والكرواتيين مسيحيين خلالها كما كانوا قبل مجيء العثمانيين. ويقوم التأويل المُشّوه للتاريخ الذي يعتمده اليمين الاوروبي المتطّرف على الكراهية وليس على المنطق أو العقل.

ترجمة عبدالاله مجيد لإيلاف  بتصرف عن “أيون”. الأصل منشور على الرابط التالي

https://aeon.co/amp/essays/the-battle-of-vienna-was-not-a-fight-between-cross-and-crescent?__twitter_impression=true

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم