مقالات الرأي

“سجارة كارولينا “

photo : New York Times:

مساء الجمعة المنصرم كنت قد أمضيته مع صديقتي“كارولينا” لم ألتق بها منذ مدة ، تجاذبنا سويّا أطراف الحديث عن شدة إنعزالية مجتمعها وفرط حساسيته تجاه الأجانب وخاصة العرب و كأنها شافقة على شخصي إذ تقول لي :

أعربي ؟

أسمر ؟

وسعودي ؟

وأسامة ؟

وفي الشرق الأوربي (بولندا ) ؟؟ .. يالا سوء حظك يارجل !

مُتبعة تيك الإستفهامات بقهقهات عفوية لا إستهزائية وإني لأعلم يقينا محاولاتها الجاهدة والبائسة لمواستي فهي تعلم أني لا أشتري زيف العواطف ولست أستجديها فتغلف بعضا من صدق مشاعرها بتلك السخريات السوداء علّها أن تسلوني لبرهة عن مرارة واقعي ، اللهم لا أعتراض الحمد لك على كل حال وحال .

ولكنني ما إن لبثت إلا ورددت لها الصاع صاعين إذ قدّمت لها طبق به شوكلاه بيضاء بجوز الهند وأخرى سوداء فقط ، فمدت يدها للبيضاء ومن ثم فاضت مسترسلة معبرةً عن مدى عشقها لجوز الهند وأنها تبتاع أيما منتج تصادفه به ريحة جوز الهند من بارافانات وصولا للأغذية وهنا بدت سخريتي أيضا تتمخض فقلت لها مباشرة :

تلك عنصرية !

فقالت : ماذا ؟ أنت تمزح ؟!

قلت لها : لا ، نعم أنتي بك لفحة تعنصر !

فضحكت وقالت كيف ذاك ؟ فأردفت أشرح لها كيف للعقل الباطن أن يكون خادعا بطريقة لا واعية أحيانا فيفضح عمّا بدواخلنا ، فأنتي تمقتين اللون الأسود ، وقد يكون ذلك إستنادا لتحقيرك ذوي البشرة السمراء ، ولذا أحببت بطريقة شبه آلية لا واعية الأبيض فآثرت الشوكلاتة البيضاء على السوداء ، فكاد يغمى عليها من شدة ضحكها ، وهي تعلم أني ممازح لها ، وقالت لي ليتني قادرة على مجارتك في فداحة تهكمك.

بيد أننا نحن البولندين قد يتماهى للأجانب بالوهلة الأولى بأننا شعب نكد وعبوس لحد ما ، نرى التبسم في الأماكن العامة عته وخبالة ، ولا أخفيك سرا بأننا شعب ساخر لحد الثمالة فحين نكون برفقة أصدقائنا نسخر من لبس هذا ونشتم تلك ونستهزئ من بعضنا البعض لدرجة التنقيص والتجريح .

وجرت الساعات وسرقنا الوقت إلى قرابة منتصف الليل فإذا بها تصطمق أي تلتفت ذات اليمين وذات الشمال فسألتها ما بك قالت لقد نفذت سجائري ! أهنالك من بقالة قريبة منك ؟ 

فقلت لها بلى ولكن يحال أن تجديها مفتوحة بهذه الساعة ، فقالت : وكم الساعة ؟ قلت لها قرابة الثانية عشر صباحا ، فذهلت ثم سألتني إذا وددت بمرافقتها لشراء سجائر ومن ثم أصطحابها لمنزلها فقلت لها لا مانع فمسكت هاتفي بغرض مهاتفة شركة تاكسي فمنعتني بحجة أنها تعرف شركة تكسي أرخص ثمنا فماهي إلا بضع دقائق حتى لمعت أضواء تلك السيارة الصفراء الصغيرة من خلال عتمة الليل وتهاطل المطر وغمام الضباب فهرعنا للصعود كيلا نغرق وهنا بالطريق حدث ما لم يكن بالحسبان !

نزلت هي لتبتاع سجائرها وأستفسرت مني ماذا أريد ألك من حاجة لأجلبها معي فجاوبتها بالشكر لست بحاجة شي وما أن حصلت على سجائرها وقفت تحتمي من المطر بمظلة البقالة الخارجية وأشعلت سجارتها فهي لم تقوى بالإنتظار إلى وصولها البيت وليست قادرة أن تدخنها داخل السيارة فنزلت من المركبة ودردشنا قليلا ثم ألتمحت آلة صراف قلت لها أريد تلك الآلة فقالت لا بأس فذهبت وعودت إذ بكارولينا حمقة متوردة الخدين تستشيط غضبا وهي تجادل سائق التاكسي من نافذته فقلت ماخطبكما ؟ 

فقالت لا عليك ، أركب وحسب فركبنا وكوني لا أتحدث البولندية بطلاقة بيد أني لقطت بعض كلمات تلمح بأنه قد بهتني ذاك السائق الأقرع بسوء وبعد أن أوصلناها لمنزلها عدت بالسائق لشقتي والصمت مخيم والجوء متكهرب ولست أدري مالسبب وفور وصولي إذا برسالة من صديقتي تشرح لي حقيقة ماقد حدث فتقول لي :

أتدري ماذا قال لي ذاك السائق الثقيل ؟

 

{loadposition top3} 

فقلت : هلّ أعلمتيني رجاءا، فالفضول يصطفق فيني من حينها

فقالت : سألني السائق : أذاك الفتى العربي المسلم صديقك بمعنى “البوي فريند” أي صديق 

حميمي فجاوبته : مجرد صديق ثم أتبعته وما شأنك أنت ؟

السائق : ألست تعلمين ماقد يفعله ذاك العربي بكِ ؟!

كارولينا : عجبا ، أنت فعلا ”حشوري ”

السائق :شاهدت وثائقيا يحكي عن أولائك العرب المسلمون إ أنهم لا يحترمون النساء ويحتقروهم لدرجة أنهم يغتصبوهم ومن ثم يقتلوهم او يبيعوهم ألست خائفة منه ؟!

كارولينا : ضحكت على عقله ومن ثم وبخته وألجمته بعدم محادثتي بهذه الأريحية فأنت لا تعرفني ولا تعرفه وقلت له تلك حياتي ولا شأن لك فيها ومن ثم جئت أنت.

 

رغم إستيائي لما حدث ولكن شر البلية مايضحك فعلقت على ماحدث بأن تلك الإنطباعات السطحية مجرد سذاجة وهأنتِ قد ذقت ما أصارعة ياصديقتي وكفى بسخرية الواقع كما قد ذكرتِ .

 

 

 

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كاتبها ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي بولندا بالعربي 

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم