بولندا سياسة

أوقفوا تهديد بولندا لمبدأ التضامن في الاتحاد الأوروبي

 

 

فيليب ستيفنز– فاينانشل تايمز
الثرثرة المُثيرة للقلق في أوروبا هي عن محور التسلّط. بولندا تُصبح مجر جديدة. التشبيه غير دقيق. فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الاستبدادي في هنغاريا، هو مصدر إزعاج مُحرج. بولندا هي لاعب خطير في الشؤون الجغرافية السياسية للقارة. الخوف غير المُعلن هو أن الرياح في جميع أنحاء أوروبا هي وراء الأصليين (أي الذين لا يحبون المهاجرين).
تيارات المهاجرين الذين يهربون من الحرب والفقر في منطقة الشرق الأوسط وخارجها أثارت نيران سياسة الهوية. بولندا والمجر ليستا وحدهما من بين الدول الاشتراكية السابقة التي تُغلق أبوابها. قادة أوروبا “القديمة” مشغولون على نحو متزايد باحتواء أو استرضاء الشعبوية المناهضة للهجرة.

سياسة الخوف مشوِّهة ومُعدية في آن واحد. هناك قلّة قد يجادلون بأن النازيين الجُدد الذين أرهبوا أجزاء من لايبزيج هذا الأسبوع، يتحدثون نيابة عن الشعب الألماني. الاعتداءات في العام الجديد على النساء الألمانيات في كولونيا تشجّع الصور النمطية واسعة النطاق للاجئين السوريين والعراقيين. لا، ليسوا جميعا مغتصبين مجرمين. ظهرت أنجيلا ميركل العام الماضي بأنها مدافعة شُجاعة عن أوروبا الليبرالية المفتوحة، التي منذ وقت ليس ببعيد اعتبرها الجميع أمراً مفروغاً منه. المستشارة الألمانية تتذكر إلى أين يُمكن أن يؤدي كبش الفداء العِرقي. إلا أنها الآن تُعاني بعض المشكلات السياسية على جهودها. طموحات إدارة حزب القانون والعدالة التي تم نصبها أخيرا في بولندا تتجاوز حماية التجانس العِرقي والطائفي في ذلك البلد ضد جحافل المسلمين المُفترضة. تحت قيادة حزب ياروسلاف كاتشينسكي المُحافظ المُتشدّد فإن (مكان بياتا سيدلو، رئيسة الوزراء، هو ببساطة تقديم وجه ألطف)، سيطر الحزب على وسائل الإعلام الحكومية، والنظام القضائي والمحكمة الدستورية. الديمقراطية، كما يحدث غالباً مع المُستبدّين، يتم إعادة تعريفها على أنها رغبة الأغلبية. ومن أوجه الشبه التي عُقِدت مع أوربان، باعتباره معجبا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الزعيم المجري يُشكّل نوعا من النموذج مع اعتدائه على الضوابط والتوازنات التي تعمل على تقويض ديمقراطية بلاده في مرحلة ما بعد الشيوعية. كراهية الأجانب بلا حرج، وتجاهل سيادة القانون، والاقتصاد الذي توجّهه الدولة، وبيئة متساهلة لارتفاع معادة السامية تُكمل المزيج. المخاطر أعلى في بولندا. باعتبارها سادس اقتصاد في الاتحاد الأوروبي وعضوا محوريا في حلف الناتو، كانت قد برزت من انهيار الشيوعية كاقتصاد سوق ناجح ومنارة للديمقراطية.
واعتبرتها ألمانيا بأنها حليف طبيعي. يتكهّن مسؤولون في برلين أنه إذا كانت بريطانيا غبية، بما فيه الكفاية للخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن بولندا ستحلّ محلّها باعتبارها شريكا مهما.
حتى بعد انتصار حزب القانون والعدالة في تشرين الأول الماضي، عدد قليل تصوّر أن الوزراء البولنديين سيعملون في وقت قريب على إخراج أشباح النازية، ردّاً على الانتقادات الألمانية على الميل الاستبدادي في وارسو. بولندا لا تتبع خُطى المجر بشكل أعمى. باعتبارها أكبر مُستقبل لتمويل الاتحاد الأوروبي، تريد تجنّب غلطة بودابست في إبعاد المستثمرين الخارجيين من القطاع الخاص. بقدر ما يشجب أوربان بروكسل وكل أعمالها الليبرالية بشكل روتيني، فهو يعتمد على مساعدات الاتحاد الأوروبي. الاقتصاد المجري مدعوم بمساعدة سنوية من الاتحاد الأوروبي بقيمة 6 في المائة من الدخل القومي.
كان الوزراء البولنديون حريصين على التأكيد أن المستثمرين ليس لديهم ما يخشونه من علامتهم التجارية لرأسمالية الدولة.

 أما بالنسبة لبوتين، فمع أن أوربان لم يستطع إخفاء إعجابه به، إلا أن كاتشينسكي يرى موسكو بمثابة تهديد خطير، حيث يضغط على حلف الناتو لإقامة قواعد دائمة في بولندا لردع انتقام بوتين.

يبدو أن المُفارقة هنا تذهب دون أن تتم ملاحظتها: لقد تم تأسيس التحالف الأطلنطي كحارس للعلامة التجارية الليبرالية للديمقراطية، التي يُصرّح كاتشينسكي الآن بازدرائها.
لا أحد يُمكن أن يتشاجر مع صلاحية حزب القانون والعادلة لإكمال ما يراه بأنه عمل سياسي لم ينته بعد من نهاية الحرب الباردة. بولندا، مثل أي دولة في الاتحاد الأوروبي، لديها خيارات خاصة بها فيما يتعلّق بالدين أو الثقافة أو السياسة الاجتماعية أو التوازن بين السوق والدولة.
غير أن الاتحاد الأوروبي ناد لديه قواعد، حيث يكون لشركاء بولندا صوت شرعي في الحكم على ما إذا كان تركيز السلطة في أيدي الحزب الحاكم يُلبّي اختبار التعددية السياسية.
وتقوم المفوضية الأوروبية بتقييم ما إذا كانت وسائل الإعلام والتغيرات القضائية تحترم “إطار عمل سيادة القانون”. ردّ وارسو هو أنه تم تشويه التدابير. ليس هناك الكثير مما يُمكن أن تفعله المفوضية ما عدا التعبير عن القلق.
على أنه لا ينبغي الاستهانة بقوة النقد العام، حيث عبّرت واشنطن عن قلقها بالفعل. ومن الصعب معرفة الفائدة التي ستحصل عليها وارسو من قطيعة دائمة مع ألمانيا. شئنا أم أبينا، الازدهار والأمن في بولندا مرتبط بازدهار وأمن الحلفاء ذوي التفكير الأكثر ليبرالية.
الخطر الأكبر بالنسبة لأوروبا اليوم هو التجزئة في مواجهة الضغوط المتعددة من الركود الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة وارتفاع مستويات الهجرة. الأمر المفقود، في تعبير معروف، هو التضامن.
هناك مُفارقة أخرى يبدو أنه لم ينتبه لها الزعماء مثل أوربان وكاتشينسكي. حتى في الوقت الذي يثورون فيه ضد الأجانب، لا يزال هناك أناس إلى الغرب يُشكّكون الآن ما إذا كان توسيع الاتحاد الأوروبي نفسه هو فكرة جيدة.

 

ليس علينا النظر بعيداً للعثور على الحنين لأوروبا “الأساسية” القديمة المكونة من مجموعة صغيرة من الديمقراطيات التي تتشارك في التفكير. ربما هناك شيء له دلالة أيضا، وهو أن المهاجرين الذين تعرضوا للشيطنة من قبل الشعبويين في أقصى اليمين في بريطانيا لم يكونوا السوريين، بل الوافدون من رومانيا وبلغاريا، بل ونعم كذلك، بالنسبة للوافدين من المجر وبولندا.

زر الذهاب إلى الأعلى