صحافة

الناتو على الحدود الروسية.. هل تزج أمريكا الحلف الأطلسي لمواجهة عسكرية؟

مع تصاعد التوترات في العديد من دول العالم، وفي الوقت الذي تتوتر فيه العلاقات الأمريكية الروسية بشكل غير مسبوق على خلفية الضربة العسكرية التي قامت بها واشنطن في سوريا، تنفتح جبهة جديدة من التوتر والقلق في دول البلطيق، لتضاف إلى قائمة التصعيدات الأمريكية الأخيرة، سواء مع كوريا الشمالية أو أفغانستان أو سوريا.

بدأ حلف شمال الأطلسي، أمس الخميس، رسميًّا نشر أولى كتائبه في بولندا، وقال قائد قوات الحلف في أوروبا الجنرال الأمريكي، كورتس سكاباروتي، أثناء حفل رسمي في قاعدة عسكرية في أوجيش الواقعة شمال شرق البلاد، إن نشر هذه القوات إثبات واضح على وحدة صف الحلف الأطلسي، ورسالة واضحة إلى “أي مُعتدٍ محتمل”.

وبموجب هذا التحرك نشر “الناتو” أول مجموعة من الجنود الأمريكيين ضمن قوة متعددة الجنسيات في منطقة البلطيق، حيث تقرر نشر أكثر من 1100 جندي، من بينهم 900 أمريكي و150 من بريطانيا، و120 من رومانيا، في منطقة أورزيز الواقعة على بعد 57 كيلومترًا جنوبي جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق.

هذه القوة التي تم نشرها تعتبر الأولى ضمن أربع كتائب متعددة الجنسيات من المقرر الانتهاء من نشرها بحلول يونيو المقبل في نفس المنطقة، حيث من المقرر أن ينشر الحلف تدريجيًّا أربع كتائب متعددة الجنسيات، إضافة إلى لواء مدرعات أمريكي على الجبهة الشرقية للحلف بين دول البلطيق وبولندا ورومانيا وبلغاريا والمجر، وتبلغ كتيبة الحلف المقاتلة حوالي 800 جندي، وستعمل تحت إشراف الجيش الأمريكي بمشاركة جنود بريطانيين ورومانيين وكرواتيين، وسبق أن نشرت كتائب الحلف المشابهة في استونيا ولاتفيا وليتوانيا، بالتوالي تحت إشراف بريطانيا وكندا وألمانيا، وستصبح عملية بنهاية يونيو المقبل، وستتخذ قيادة أركان هذه الكتائب مقرًّا في مدينة “إيلبلاغ” شمال بولندا.

 

{loadposition TOP3} 

 

من جهتها قابلت بولندا هذا الموقف الأطلسي بالترحيب والتهليل، حيث وصف الرئيس البولندي، أندري دودا، هذا اليوم بـ”التاريخي لبولندا انتظرته أجيال”، والجدير بالذكر هنا أن بولندا التي تعتبر عضوًا تاريخيًّا في الحلف الأطلسي منذ عام 1999، لا تزال تراودها تخوفات تاريخية من روسيا الاتحادية، خاصة بعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى موسكو عام 2014، حيث ضغطت بولندا كثيرًا على الجناح الشرقي لحلف الأطلسي لنشر الجنود على أراضيها بعد الأزمة الأوكرانية، وسبق أن وصف وزير الخارجية البولندي، فيتولد فاشيكوفسكي، روسيا بأنها تمثل تهديدًا كبيرًا لأوروبا أكثر من تنظيم داعش الذي يشكل تهديدًا جديًّا للغاية، لكنه ليس تهديدًا وجوديًّا مثل روسيا.

تأتي هذه الخطوة غير المفاجئة لتفتح جبهة جديدة من الصراعات في دول البلطيق، حيث سبق أن قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن أعمال حلف شمال الأطلسي “الناتو” بالقرب من الحدود الروسية لها طابع استفزازي ومزعزع للاستقرار، وأضاف لافروف حينما تم الإعلان عن قرب نشر قوات تابعة للحلف الأطلسي في بولندا على الحدود مع روسيا: إن الأعمال التي ينفذها الحلف في المناطق المتاخمة للحدود الروسية، بطبيعة الحال، هي استفزازية ومزعزعة للاستقرار، بما في ذلك النشر المذكور لوحدات عسكرية إضافية للحلف في بولندا ودول البلطيق.

التحركات العسكرية على الحدود مع روسيا تأتي في الوقت الذي تتوتر فيه العلاقات الأمريكية الروسية بشكل كبير، على خلفية العدوان الذي شنته واشنطن يوم الجمعه الماضية على سوريا، الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى ربط هذا التوتر والتصريحات الأمريكية الأخيرة بتحركات الأطلسي في هذا التوقيت، حيث ذهب البعض إلى القول بأن واشنطن تحاول زج وتوريط الناتو في مواجهة عسكرية مع روسيا في سوريا، مستندين في هذا الترجيح إلى تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن حلف الناتو الذي طالما وصفه مرارًا بأنه “عتيق وعفا عليه الزمن” خلال حملته الانتخابية، لكن يبدو أن ترامب عاد عن هذه الفكرة، ورأى في الحلف “شريكًا سياسيًّا مهمًّا”، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” أُقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث قال “الناتو لم يعد عتيقًا أو عفا عليه الزمن، ولكن على أعضائه أن يقدموا مساهماتهم بشكل مُتساوٍ”، وتابع “أمننا المشترك هو دائمًا رقم واحد”. داعيًا الحلف إلى المساعدة في سوريا، وحث الناتو على إنهاء ما وصفها بـ”الحرب الوحشية، وهزيمة الإرهابيين والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم في سوريا، خصوصًا بعد مجزرة خان شيخون في ريف إدلب شمالي البلاد”.

أضف إلى هذه التصريحات وتغير النظرة الأمريكية للحلف الأطلسي أن البيت الأبيض أعلن في وقت سابق أن ترامب سيشارك في قمة الناتو المقررة يوم 25 مايو المقبل في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأمر الذي يشير إلى عودة الاهتمام الأمريكي بالناتو، بعد أن أدرك “ترامب” أهميته بالنسبة لتأمين أي مواجهة عسكرية محتملة مع روسيا، أو استخدامه كورقة ضغط على الدب الروسي.

في الوقت نفسه استبعد البعض انجرار الناتو لمواجهة عسكرية مع روسيا بسبب سوريا، مستندين إلى تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، ينس ستولتنبرغ، التي قال فيها إن الحلف لا يدرس في الوقت الراهن موضوع احتمال تدخله في العمليات القتالية في سوريا، وأشار إلى أن العلاقات مع روسيا ستكون الموضوع الرئيسي خلال قمة الحلف في مايو المقبل في بروكسل، وأوضح أن الناتو يسعى لتقليص التوتر والعثور على طرق للعيش المشترك مع روسيا، وأضاف ستولتنبرغ أنه “بحث موضوع التدخل في النزاع السوري خلال اللقاء مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وفريقه المختص بشؤون الأمن”، إلا أنه أعاد التأكيد على أن الحلف لا يسعى إلى حرب باردة جديدة ولا سباق تسلح مع روسيا.

“التهديد الروسي” و”التهديد الإيراني” باتت هاتان العبارتان الذريعة التي تعطي الشرعية لأي دولة أوروبية كانت أو غربية أو حتى عربية لتحويل العالم بأكمله إلى منشأة عسكرية، تنتشر فيها الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات والمدرعات والقنابل دون أي تصريح من مجلس الأمن أوالمجتمع الدولي، وحتى دون محاسبة هذه الدول التي تجعل العالم على شفا حرب عالمية ثالثة، وتشعل الصراعات بين الدول الكبرى، عن طريق الاختباء خلف حجة “اتخاذ التدابير الاحترازية ضد التهديد الروسي أو الإيراني”، الأمر الذي جعل العالم يتكهن: من أين ستنطلق الحرب القادمة، هل ستكون من روسيا أم من كوريا الشمالية أم إيران؟ لكن الفاعل والمدبر الرئيسي لهذه الحرب لا يحتاج إلى تكهنات، فهو العم سام الذي طالما أشعل العالم بحروب بحجج واهية، تارة بالتهديد الروسي وتارة ثانية بنظيره الإيراني وتارة ثالثة بالأسلحة الكيميائية أو النووية أو الدمار الشامل.

elbadil-هدير محمود

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى