بولندا سياسة

بولندا بين ترامب و أوروبا

في 2014، سُجل سراً حديثٌ لوزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي يقول فيه إن التحالف البولندي الأميركي «عديم القيمة»، ويخلق «إحساساً زائفاً بالأمن». التسجيل أصبح جزءاً من فضيحة ساعدت على سقوط الحكومة الليبرالية التي كان سيكورسكي جزءاً منها وتسليم السلطة لـ«حزب القانون والعدالة» القومي.

واليوم، يجد القوميون أنهم لا يستطيعون الحصول على الكثير من الولايات المتحدة، حتى تحت رئاسة دونالد ترامب الودي حيالهم. فيوم الأربعاء الماضي، رفض ترامب مخططاتهم بشأن قاعدة عسكرية أميركية في بولندا.

حكومة «حزب القانون والعدالة» حاولت استخدام الولايات المتحدة كوزن مضاد لألمانيا وبقية الاتحاد الأوروبي، والذين لا ينظرون بعين الرضا إلى النزعة القومية البولندية وخاصة محاولات حزب القانون والعدالة الحاكم وضع المحاكم تحت مراقبة سياسية أشد. وفي هذا الإطار، أصبحت بولندا مشترياً كبيراً للغاز الطبيعي الأميركي المسال. كما وقعت عقداً بقيمة 4.8 مليار دولار لشراء أنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي من الولايات المتحدة، وتريد شراء مقاتلات إف 35. ومن جانبه، ألقى ترامب خطاباً مهماً في وارسو عام 2017 أوضح فيه رؤيته لأوروبا، كما نظمت الولايات المتحدة مؤتمراً حول الشرق الأوسط في وارسو في وقت سابق من هذا العام في مؤشر على أن موقف الحكومة البولندية الموالي للولايات المتحدة محل تقدير. وما كانت حكومة حزب القانون والعدالة تأمل الحصول عليه من كل هذا هو قاعدة عسكرية أميركية دائمة، للمساعدة على ضمان حماية بولندا من أي اعتداءات روسية.

وقد عرضت العام الماضي التزاماً مالياً يصل ملياري دولار لاستضافة كتيبة مدرعات أميركية (10 آلاف جندي أو أكثر)، في موقع بالقرب من مدينتي بيدغوز وتورون، سيكون على طريق الجنود الروس إذا مروا عبر «فجوة سوفالكي» على الحدود.

وفي سبتمبر الماضي، حاول الرئيس البولندي «أندجي دودا» جعلَ المقترح جذاباً شخصياً للرئيس الأميركي عبر اقتراح تسمية المنشأة الجديدة «قاعدة ترامب».

لكن يوم الأربعاء الماضي، وبينما كان «دودا» يزور البيت الأبيض، تسرب أنه لا توجد مخططات لإنشاء قاعدة أميركية في الأفق. وستكتفي بولندا ببناء منشأة جديدة لإيواء ألف جندي أميركي إضافي ضمن الـ4500 عسكري تقريباً الذين يصلون إلى بولندا ويغادرونها دورياً. وتشمل حزمة التعاون العسكري الأميركي البولندي الجديدة سرباً من طائرات «درون» الاستطلاعية، ومركزاً للتدريب، وبعض التحسينات اللوجستية لدعم عمليات نشر ممكنة للقوات الأميركية.

ومن وجهة نظر عسكرية خالصة، يمكن القول إن إضافة ألف جندي أميركي لا تجعل بولندا أكثر أمناً إزاء هجوم تقليدي روسي. وإلى ذلك، فإن رفض الولايات المتحدة جعل الوجود العسكري دائماً يُظهر أنها لا تتقاسم بالضرورة اعتقاد الحكومة البولندية بأن «القانون المؤسس»، وهي وثيقة وقعها «الناتو» وروسيا عام 1997، لم يعد ملزماً، رغم هجوم روسيا على أوكرانيا في 2014. في هذه الاتفاقية، وعد «الناتو» بالامتناع عن نشر قوات عسكرية مهمة بشكل دائم في أراضي أعضائه الجدد.

وعلاوة على أن السلام في أوروبا الشرقية يعتمد على تفاهم ضمني بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن موقع بولندا الجغرافي يرغمها على إنشاء علاقة جوار مع روسيا الواقعة على خاصرتها الشرقية وألمانيا الواقعة على خاصرتها الغربية.

الاتحاد
*محلل سياسي روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى