بولندا سياسة

بولندا .. «حفرة» أوروبا الجديدة

 

 

يصف المثل الدارج من تتزاحم عليهم المصائب والأزمات الواحدة تلو الأخرى بالذى «خرج من نقرة ليسقط فى حفرة»، ولا يوجد أصدق تجسيد على هذا المثل مثل الاتحاد الأوروبى وأحواله، فانتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برؤيته المؤيدة للمشروع الأوروبي أعاد الأمل إلى فكرة إصلاح مؤسساته وتطوير آليات عمله بعد هيمنة فكرة التفكك الوشيك للاتحاد،

وعكست بداية مفاوضات «البريكست» ثبات الاتحاد الأوروبى وقوة دفاعاته، مقابل ارتباك بريطانيا، لتظهر كالذي تمرد على الكبار بقراره الخروج من عضوية الاتحاد، ففاقت خسائره المكاسب.

لكن تأتي المسألة البولندية كتحد جديد لفكرة التكامل السياسي ووحدة القيم بالاتحاد الأوروبي، ودليل جديد مزعج على الانقسام المتنامى بين كتلتي الشرق والغرب لدوله.

 

المسألة بدأت قبل أيام بإعلان حكومة «حزب العدل والقانون» فى بولندا بإجراء تعديلات تشريعية تخضع بموجبها القضاء لسلطات المؤسسة التنفيذية.

 

الحكومة اليمينية بذلك بدت وكأنها تستكمل مشروعها المقوض للممارسات الديمقراطية والذى بدأته عند فوزها بالانتخابات عام ٢٠١٥ وتضمن مساعيها عام ٢٠١٦ لتحجيم حرية وسائل الإعلام، قبل أن تتراجع إثر احتجاج وتظاهر الرأى العام.

 

هذه المرة، التعديلات الدستورية استدعت مظاهرات أكثر شراسة، واستدعت أيضا إدانة المفوضية الأوروبية وتهديد مسئوليها بإمكانية تنفيذ «البند رقم ٧» من ميثاق عمل الاتحاد الأوروبي، تمهيدا لفرض عقوبات على بولندا، وذلك فى تحرك غير مسبوق.

 

ويقر «البند رقم ٧» بتوجيه المفوضية الأوروبية تحذيرا للدولة العضوة التى تلتزم سياسات تشكل انتهاكا لقيم الاتحاد المشتركة، وإن لم تستجب الدول المدانة بالجرم المشهود، تبدأ المفوضية فى فرض عقوبات من أبرزها حظر مشاركة الدولة المعنية فى عملية التصويت خلال اجتماعات الاتحاد حتى تتراجع عن تمردها.

 

حتى الآن، المسألة عبارة عن خطأ وعقاب وشيك، ولكن الدلالات تفوق ذلك قليلا. فمبدئيا، حكومة العدل والقانون فى بولندا تلتزم توجها راسخا بمعاداة الاتحاد الأوروبي، حتى إن فوزها الانتخابي كان يعتبر من الأدلة المبكرة على صعود التيار الشعبوى والفكر اليمينى المتطرف، بما يعنى تنامى التهديد الوجودي للاتحاد الأوروبي.

 

بعض التحليلات رجحت أن يكون استمرار الحكومة فى التصعيد حتى بعد تهديدات بروكسل الحازمة، ليس مجرد كبر وخيلاء، ولكنها خطة ملتوية لتصعيد المواجهة حتى العقوبات، أملا فى التأثير سلبا على معدلات الدعم المرتفعة لمشروع الوحدة الأوروبية فى أوساط الرأى العام الأوروبي.

 

تصعيد أوربان يأتى استكمالا لما تشكله بلاده مجتمعة مع بولندا والتشيك وسلوفاكيا والمسماة بمجموعة «فيشجراد»، من عقبة متجددة أمام سياسات الاتحاد الأوروبى وغضبا على قيادة دول الغرب الأكثر ثراء واستقلالا مثل ألمانيا وفرنسا لعملية القرار السياسى الأوروبي.

 

وظهرت حالة التحدى هذه واضحة العام الماضى خلال أزمة اللجوء الوافد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث رفضت «فيشجراد» ودولها الالتزام بنظام « الحصص الملزمة» الذى كان يقضى باقتسام عبء اللاجئين الوافدين بين الدول الأعضاء، ومن حينها وتتوالى تحديات «فيشجراد» وخطاب دولها المناقض لبعض سياسات الاتحاد الأوروبي.

 

 

التحول المتعلق بإعلان رئيس بولندا أندري دودا استخدامه حق النقض «الفيتو» ضد بعض التشريعات المقترحة لحل الأزمة، ليست حلا لقلب المسألة البولندية ودلالاته بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

 

فمن جانب، يأتي «فيتو» الرئيس فى الأساس ووفقا لمؤشرات عديدة استجابة لتوجيه الرأى العام المناهض للتعديلات من الأساس، وذلك ليس من باب الحماية للمشروع الأوروبي والرابط بولندا به، بقدر ما هو فى جزء منه تمهيد لمشروع خاص بالرئيس الذي يسعى إلى إعادة ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة المقرر لها عام ٢٠٢٠.

 

كما أن «الفيتو» لن ينهي الأزمة بقدر ما سيعيد توجيهها، أو بمعنى أدق يخلق رافدا جديدا لها ببدء المواجهة بين الحكومة والرئيس ويستدعى من الأولى تحركا أكثر شراسة.

 

الأغلب أن الثقل كله يقع حاليا على كاهل الرأى العام البولندى الذى يقف حتى الآن فى صف الوحدة الأوروبية بكل ما يقتضيه ذلك من معنى وضد محاولات حكومته بالخروج على بروكسل، ويفترض أن يساهم « فيتو» الرئيس أيا كانت دوافعه، فى دعم موقف الشارع البولندي.

يسرا اشرقاوي- الأهرام

 

{loadposition top3} 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى