بولندا مجتمع
أزمات ساخنة تؤرق الاتحاد الأوروبي في مضجعه
المتابع بعين الاهتمام للاتحاد الأوروبي وشؤونه، يستطيع أن يدرك من الوهلة الأولى أن هناك العديد من المشاكل التي تنتظر حلولًا سريعة، تشغل ذلك الكيان بشكل أو بآخر، حتى ولو خفت وتيرة العمل المكثف للمسؤولين الأوروبيين مع بداية الفترة الصيفية بسبب العطلة.
الاتحاد الأوروبي معنيٌ من جهةٍ بمتابعة دقيقة لاحتمال تطبيق مشروع قانون مثير للجدل بشأن الإصلاح القضائي في بولندا، ومن جهة أخرى سيتعقب باهتمام بالغ السياسة الداخلية لبريطانيا التي تجري حاليا مفاوضات انفصالها عن المنظمة الأوروبية.
وإلى جانب هذين الأمرين، نجد هناك العديد من القضايا المهمة التي تشغل بال أوروبا ومسؤوليها، مثل الانتخابات المقبلة في كل من ألمانيا والنمسا، والمخاطر المحتملة للاجئين القادمين لإيطاليا من إفريقيا، ناهيك عن محاولات استقلال كتالونيا عن إسبانيا.
– القضاء البولندي:
إصلاح القضاء في بولندا، يعتبر أحد الموضوعات التي تدخل في دائرة اهتمام ومتابعة الاتحاد الأوروبي خلال فترة الصيف. ومن المنتظر أن يتحرك الاتحاد في هذا الموضوع حال تطبيق مشروع قانون مثير للجدل، يتكون من 4 مواد.
تجدر الإشارة أن حزب “القانون والعدالة” الوطني المحافظ الذي جاء للسلطة في بولندا عام 2015، اقترح أربع مواد كمشروع قانون؛ بهدف إجراء إصلاحات في المنظومة القضائية بالبلاد.
لكن المسؤولين الأوروبيين، عبروا عن رفضهم لتلك المواد، وقالوا إنها “مثيرة لقلق بالغ” على اعتبار أنها تحد من استقلال القضاء، بل أكدوا أنهم سيتحركون حال تمريرها وتطبيقها.
ويعتبر مشروع القانون واحدًا من عدة إصلاحات يقول منتقدوها إنها “تسيس” النظام القضائي في البلاد، وقد تم تمريره من خلال مجلس النواب (الغرفة الأولى) بالبرلمان، 20 يوليو/تموز الماضي، من جانب حزب “القانون والعدالة”، وتم إقراره من قبل مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية) 22 من الشهر ذاته.
كما أن مشروع القانون الذي سيؤدي إلى إحالة كل قضاة المحكمة العليا للتقاعد، يحتاج إلى توقيع رئيس البلاد، أندريه دودا، المنتمي للحزب الحاكم، ليصبح قانونا نافذا، غير أن الأخير صوّت ضد مادتين من المشروع، وقيل إن المادتين الأخريين قيد النقاش.
وبموجب القانون الحالي، يتم اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى الخمسة عشر من قبل هيئة مستقلة تتألف من قضاة وعدد من السياسيين. وبعد التعديل بموجب المشروع المثير للجدل، سيختار مجلس النواب أعضاء المجلس، بأغلبية 60 بالمئة.
الاتحاد الأوروبي يقول إنه في حال إقالة قضاة المحاكم العليا في البلاد أو إحالتهم للتقاعد، فإن الأمر سينتهي بتفعيل المادة السابعة من اتفاقية المنظمة الأوروبية، التي تسقط حق وارسو في التصويت على قرارات الاتحاد.
وفي إطار مساعيه لحل هذه الأزمة، بعث الاتحاد الأوروبي خطابًا رسميًا لبولندا، وطلب منها حل هذه المسألة خلال شهر.
وعّلق فرانس تيمرمانس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية على الأزمة قائلا “الاتحاد الأوروبي سيتابع التطورات بشكل دقيق، وسيتحرك بناء على ما سيستجد من أمور”.
– إيطاليا واللاجئين:
من المعروف أن أزمة اللاجئين أرقت أوروبا كثيرا بسبب تدفق المهاجرين عليها من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط عام 2015، لكنها هدأت نسبيا بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا والاتحاد عام 2016.
وفي مارس/آذار 2016، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق “إعادة قبول اللاجئين” (دخل حيز التنفيذ في 4 أبريل/نيسان من العام ذاته)، بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر؛ تقوم أنقرة بموجبه، باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من أراضي الأولى.
وينص الاتفاق على اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، بينما يجري إيواء السوريين المُعادين في مخيمات ضمن تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها (تركيا) إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها.
لكن في الآونة الأخيرة بدأت تلك الأزمة تطل من حديث برأسها، وتضع أوروبا في موقف صعب، على خلفية تدفق لاجئين من دول إفريقية قاصدين إيطاليا.
وحول مساعيها لمواجهة الأزمة، سبق وأن أعلنت إيطاليا إنه في حال عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي أية تدابير بخصوص تدفق اللاجئين، فإنها ستغلق موانئها في وجه قوارب الإنقاذ التي تأتي بهم.
أما الاتحاد الأوروبي، ففي مسعى منه لاتخاذ تدابير لمواجهة تلك الأزمة، يقوم بزيادة مساعداته للدول التي يأتي منها اللاجئون بشكل مكثف وفي مقدمتها ليبيا، كما يسعى جاهدًا أيضا لاتخاذ مزيد من الإجراءت التقييدية، مثل الحد من تصدير القوارب المطاطية.
الأزمة التي تشهدها إيطاليا، أثبت فشل نظام حصص توزيع اللاجئين الذي سبق وأن وضعه الاتحاد الأوروبي كإجراء أساسي لمواجهة أزمة اللاجئين، وبموجبه كان يفترض أن يتم تسكين 160 ألف لاجئي من إيطاليا واليونان داخل بقية الدول الأعضاء.
الأسبوع الماضي أصدرت المفوضية الأوروبية تقريرًا، ذكرت فيه أنه حتى 24 يوليو/تموز المنصرم، لم يتم توزيع سوى 24 ألفًا و676 لاجئًا منهم 7 آلاف و873 من إيطاليا، و16 ألفا و803 من اليونان.
ولا شك أن اكتفاء الاتحاد الأوروبي بتوزيع أعداد قليلة من اللاجئين من إيطاليا واليونان، على بقية الدول الأعضاء، أمر من شأنه أن يرهق كاهل روما وأثينا اللتين تواجهان ضغوطًا جرّاء أزمات اقتصادية عدة، كما سيجعل الاتحاد في حالة تيقظ تامة ودائمة.
– مفاوضات “بريكست”
في الوقت الذي تستمر فيه مفاوضات “بريكست” (خاصة بخروج بريطانيا من أوروبا) بين الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية، بدأت الانتقادات الموجهة لرئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، تتصاعد بشكل ملحوظ ما قد يدفعها للاستقالة، وهو أمر يعتبره مراقبون “مقلقًا للغاية”.
المسؤولون الأوروبيون يفضلون “بقاء الاستقرار السياسي” في بريطانيا من أجل استمرار مفاوضات “بريكست” وانتهائها بدون أية مشاكل أو معوقات، لذلك يرون أنه حال تغير الحكومة الحالية بأخرى، بسبب الانتقادات، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث تغيير في خريطة المفاوضات.
ولعل الطرفان (بريطانيا والاتحاد الأوروبي)، سيواصلان خلال أشهر الصيف مباحثتهما المكثفة حيال موضوعات حقوق المواطنة، والاتفاق المالي، فضلا عن مسألة الحدود.
تجدر الإشارة أن، رئيسة الوزراء البريطانية، كانت قد طلبت من حزب الوحدة الديمقراطي اليميني المتطرف بأيرلندا الشمالية، تقديم دعمه لحكومة الأقلية التي تعتزم تشكيلها، ما تسبب في ردود فعل غاضبة بين البريطانيين الذين دشنوا حملة لجمع توقيعات للمطالبة باستقالة ماي من منصبها، وحتى الآن حصلت الحملة على تأييد ودعم أكثر من نصف مليون شخص.
وداخل مجلس النواب يدعم ما يقرب من 15 عضو، حملة إقالة ماي، بحسب مزاعم تتداولها صحف أجنبية، تقول أيضا إن هؤلاء النواب يخططون لإقالة رئيسة الوزراء من خلال التصويت لسحب الثقة من حكومتها.
– تهديد اليمين المتطرف
تنفست أوروبا الصعداء بعدما عجز اليمين المتطرف عن إحراز أية انتصارات تذكر في الانتخابات التي جرت مؤخرًا بكل من هولندا وفرنسا، لكن رغم هذا فإن الاتحاد الأوروبي لا زال قلقًا من احتمال نجاح اليمين المتطرف في رفع أصوات المؤيدين له في الانتخابات المقبلة، من خلال تركيزه على الخطابات التي تقوم على العنصرية ومعاداة الأجانب.
يرى مراقبون أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قادر علة تحقيق الأغلبية خلال الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في 24 أيلول/سبتمبر المقبل، إلا أن أي نجاح محتمل في تلك الانتخابات لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف الشعبوي، أمر يشكل مصدر قلق بالغ لأوروبا.
وإن كان حزب “البديل من أجل ألمانيا” قد عجز عن تحقيق أية انتصار في الانتخابات المحلية الأخيرة، فإنه في ذات الوقت لا زال يحافظ على شعبية كبيرة له في بعض المناطق الألمانية.
الحزب المذكور يعارض سياسات ميركل، لا سيما تلك المتعلقة باللاجئين.
بيوتر بوراس، رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سبق وأن وصف السياسة الداخلية بألمانيا بـ”المتقلبة”، ولفت الانتباه في تصريحات أدلى بها إلى صعوبة الانتخابات العامة المقبلة في البلاد.
وتناول بوراس في تصريحاته ما نصه “السياسة في ألمانيا تعاني حاليا من حالة انهيار، فالحزب الحاكم يخسر كثيرًا من الدعم، بينما حزب البديل من أجل ألمانيا يسجل تقدمًا ملحوظًا”.
وعلى صعيد آخر، سيتابع الاتحاد الأوروبي وعن كثب أيضا الانتخابات العامة المزمعة في النمسا منتصف أكتوبر/تشرين أول المقبل.
تجدر الإشارة أن النمسا كانت أول بلد يطبق عليها الاتحاد الأوروبي عقوبات؛ بسبب حزب “الحرية النمساوي” اليميني المتطرف الذي أسسه النازيون بالبلاد عام 1950.
ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي جمّد علاقاته الثنائية مع النمسا على خلفية دخول يورغ هايدر، رئيس الحزب “الحرية النمساوي” في تشكيل الحكومة بالبلاد عام 2000، العقوبات استمرت 7 أشهر وعي الفترة التي بقى فيها هايدر رئيسًا للحزب، ثم سرعان ما تم رفعها بعد ذلك.
– النزعات الاستقلالية
حكومة إقليم كتالونيا ذاتي الحكم شمال شرقي إسبانيا، كانت أعلنت أنها تعتزم إجراء استفتاء حول استقلال الإقليم مطلع أكتوبر المقبل. وتأكيدًا على عزمهم اتخاذ هذه الخطوة، تحدث رئيس كتالونيا تشارلز بويجدمونت، “لن يمنعنا عن إجراء هذا الاستفتاء أي شيء على الإطلاق”.
وفي المقابل ترى الحكومة الإسبانية أن الاستفتاء المزمع “لا يحمل أية صيغة قانونية”، كما أنها بعثت بخطابات رسمية إلى 993 بلدية في كتالونيا، محذرة مسؤوليها من مغبة الانخراط في أية محاولات لإجراء الاستفتاء، وطالبهم بـ”ضرورة التصرف في هذا الأمر في ضوء احترام الدستور ووضع الحكم الذتي الذي يحظى به الإقليم”.
ولفتت الخطابات الرسمية، إلى أن المحكمة الدستورية في البلاد سبق وأن أصدرت قرارًا حظرت من خلاله إجراء أي استفتاء على استقلال الإقليم.
ولا جرم أن نجاح حكومة كتالونيا في مساعيها نحو إجراء الاستفتاء، أمر سيؤثر وبشكل مباشر على الاتحاد الأوروبي، هكذا يقول مراقبون. لأن نجاح الكتالونيين في الحصول على استقلالهم، سيشجع الفلامان في بلجيكا، والاستكتلنديين في بريطانيا، والباسك في إسبانيا، على اتخاذ نفس الخطوة.
{loadposition top3}
المصدر : الأناضول