انتفاضة النساء في بولندا …معاً لبناء مستقبل أفضل لبناتنا ! بقلم Zuzanna Oniszczuk-Gaik
تفجر غضب الشعب البولندي ، حيث تشهد البلاد منذ أكثر من أسبوع احتجاجات جماهيرية ضد حكم المحكمة الدستورية (أو ما يسمى المحكمة الدستورية لأنها حالياً دمية متحركة في أيدي الحزب الحاكم) حول اجهاض “تحسين النسل”.
باختصار حكم “المحكمة الدستورية القاضي بأن ما يسمى اجهاض تحسين النسل هو قرار “غير دستوري” أثار غضب المجتمع بشكل كبير جداً .
عملياً هذا يعني أنه حتى في حالة وجود ضرر كبير على الجنين مثل وجود مشاكل في الدماغ ، على المرأة الاستمرار في الحمل وولادة الطفل مع العيش وسط ألم كبير والاحساس بفقدانه في أي لحظة.
على الرغم من ادعاءات الجهات الرافضة للإجهاض بأنهم يدافعون عن مبدأ “الحق في الحياة”إلا أن الشعور بالمعاناة أمر لايمكن تصوره ،كما أن المعاناة لاتقتصر على الأم وحدها وإنما تمتد لتصل إلى الطفل ذاته والعائلة بأكملها،وهذا “انسانياً” شيء لا يمكننا قبوله.
دعوني أشرح لكم باختصار سبب هذا الغضب والانفجار الاجتماعي وخاصة للاجانب المتواجدين في بولندا:
أنا، كما آلاف البولنديات، لا أشارك في الاحتجاجات كثيراً ولا أعبّر عن رأيي علناً ولكن هذه المرة تجاوزت السلطة حدودها ، وهذا ما يشعر به أكثر من نصف المجتمع.
أنا حامل بطفلي الثاني وكل شيء بخير ولكن مجرد فكرة حمل الجنين ولديه مرض خطير تحت قلبي لمدة 9 شهور هي فكرة تصيب المرء بالشلل.
اكتشفت أنني حامل بـ “بنت” في يوم اصدار حكم “المحكمة الدستورية” وهذا التاريخ ترك لدي “رمز” واصبح عندي دافع قوي ،يدفعني لإعداد ابنتي لتصبح أمرأة قوية لتستطيع العيش في هذه الدولة.
من أجل مستقبلها شاركت و وقفت إلى جانب أُخريات في الاحتجاجات الأولى في مدينتي. مدينتي حجمها متوسط وليست يسارية أبداً فالجمهور لم يكن كبيراً كما كنت قد توقعت ولكن مع كل يوم ازداد عدد المتظاهرين والآن كل مساء أرى الآلاف يسيرون في الشوارع.
شعار الاحتجاجات هو مبتذل – WYPIERDALAĆ يعني تقريباً “ارحلوا” ولكنه أشد من ذلك بكثير،خيار هذه الكلمة ليس عشوائياً.
قررت النساء أنهن لن يكن لطيفات هذه المرة وحان الوقت لاستخدام عبارات قوية من أجل التعبير عن الشعور الحقيقي داخل الناس،لا يفهم الجميع ذلك.
أنا شخصياً لا أوافق على استخدام الكلمات البذيئة في النقاش العام ولكنني أتفهم جيداً هذا الخيار وأفهم لماذا أصبحت شعارات النساء أقوى، بالإضافة الى ذلك، هذه الكلمة تتردد بين مشاركي الاحتجاجات– هي سهلة ودقيقة.
يمكن القول أن المجتمع البولندي “ذكوري” ومن الصعب عليه تقبل الصورة الجديدة للنساء– حيث لسنا صامتات ولطيفات بل نحن نناضل من أجل حقوقنا في الشوارع ولكنه ضروري.
الشيء الثاني المثير للجدل هو أن الاحتجاجات دخلت إلى الكنائس.
ربما رأيتم صور المتظاهرات والمتظاهرين الحاملين للافتات مع الشعارات في داخل الكنائس وأثناء القداس ،وللحقيقة عندما رأيت الصورة للوهلة الأولى كانت مشاعري أيضاً متناقضة.
كنت أبحث عن تبرير لهذا النشاط ووجدت التبرير الذي أقنعني،وذلك عندما قررت الكنيسة في بولندا بنفسها أن تشارك في الحياة السياسية – وهذا ضد ما أراده الكثير من المؤمنين.
في كثير من الأحيان تتدخل الكنيسة في سياسة الدولة ،حتى أنها هي من تختار “السياسيين” الواجب علينا اختيارهم في الانتخابات وتتدخل في كثير من المواضيع غير المرتبطة بالدين.
وتركز أهدافها على القضايا الجنسية والإنجابية. للأسف الكبير الكنيسة في بولندا لا تسيرعلى خطى البابا فرانسيس – ونتيجة لذلك هي ضد اللاجئين، ضد النساء المستقلات، ضد مجتمع المثليين والخ… كانت الكنيسة في بولندا تتدخل في حياة الناس العاديين منذ سنوات وذلك في الكثير من المجالات.
مايخيفني حقاً من كل ذلك هو أن الاحتجاجات ستؤدي الى ازداد عدد المصابين بالفيروس التاجي كوفيد-19،ولا يمكن تجنب ذلك.
بإصدار الحكومة في بولندا قرار “المحكمة الدستورية” وسط أزمة جائحة كورونا أجبر الناس على الخروج الى الشوارع على الرغم من العواقب الصحية المحتملة ، إلا أن هذه الخطوة غير المسؤولة للغاية من قبل السلطة أغضبت المجتمع ومن حقه الدفاع عن نفسه .
تمر بولندا الآن بأزمة عميقة للغاية في العديد من المجالات ، احتجاجات النساء، احتجاجات المزارعين، احتجاجات المطاعم والمقاهي ضد القيود الجديدة، الأزمة في القطاع الصحي الناتجة عن فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية القادمة ..وغيرها ،لكن الشيئ المهم الآن هو أن تفهم الحكومة جيداً أن …النساء عازمات !
بقلم: Zuzanna Oniszczuk-Gaik