بولندا … الدولة الوحيدة التي نجحت في معاداة إيران وإسرائيل معاً!
لا يخرج الحديث مع الصحفيين والمتابعين في بولندا حول قمة “وارسو” عن حدود التحليلات التي زخر بها الإعلام العربي والعالمي. ويتداول البولنديون لازمة ساخرة تختصر الكثير من الهوية الاجتماعية الهجينة لشعب يعاني صراعًأ ما بين تاريخه السوفياتي و مستقبله الأوروبي وسط تمييز غربي حاد اتجاهه، فبالنسبة للبولنديين نجحت دولتهم في ما عجزت عنه كل الدول؛ جمع العالم في “وارسو” لإثارة غضب “إيران” و”إسرائيل” معاً!
في العقد الأخير، بذلت السلطات البولندية جهوداً واسعة للتقليل من مشاعر العداء للشرقيين عمومًا على أراضيها، ومن بينهم العرب والمسلمين الوافدين للسياحة أو العمل او اللجوء، علمًا أن حوادث العنف العنصرية التي تقع غالبًا ما تكون فردية وترتبط بخارجين عن القانون وأصحاب سوابق إجرامية.
أما في ما يخص العلاقة مع “فزاّعة معاداة السامية” التي ترفعها “اسرائيل” لترهيب الشعوب الغربية، فالبولنديون شأنهم شأن الكثيرين في دول أوروبا ممن باتوا يملّون الاتهامات الاسرائيلية ولا يتوانون عن رفضها في مجالسهم الخاصة، و إن كان الخطاب الرسمي البولندي لا يزال محافظًا على أدبياته في القارة العجوز.
على أنّ تجربة البولنديين تحديدًا مع “إسرائيل” تتسم بحساسية زائدة كون تاريخهم في الحرب العالمية الثانية “ملطّخ” بالوقوف إلى جانب “أدولف هتلر”، ولأنهم محسوبون على الإرث السوفياتي بعد انتهاء الحرب وهم يحاولون جاهدين الخروج من هذه “الوصمة” بحسب ما تُظهر الإفرازات الثقافية والاجتماعية والإعلامية في “وارسو”، وخاصة في صفوف الجيل الصاعد. وبالتالي فإن ما يكاد يكون محل إجماع في بولندا بين اليمين واليسار هو الإتفاق على ضرورة تطوير إقتصاد البلد وتعزيز حضوره عالميًا والخروج كليًا من “شرنقة” الإرث السوفياتي نحو بناء هوية خاصة. وهذا بالتحديد هو العامل الذي ينفذ منه الأميركيون والإسرائيليون إلى بولندا الحديثة.
و إن كانت الأزمة الدبلوماسية الراهنة بين “بولندا” و “اسرائيل” قد اتخذت منحًى غير متوقع إعلاميًا، بعد أن أدت إلى حد إلغاء قمة مجموعة “فيشيغراد” في القدس المحتلة و إصرار بعض المسؤولين في “تل أبيب” على موقفهم الذي لا يخلو من التعالي، فإن طبيعة العلاقات بين الطرفين تؤكد أن الأمور ستعود إلى سياقها المعتاد، خاصة وأنهما من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في العالم، وتجمعهما مصالح مشتركة على أكثر من صعيد. وتكاد “وارسو” تمثّل امتدادًا عميقا وثابتا في الحضور الإسرائيلي الدائم في “أوروبا”، بالإضافة إلى “المجر”.
وبالفعل، يبدو من خلال تصريحات “بينيامين نتنياهو” ورئيس الحكومة البولندية ” ماتيوش مورافيتسكي” أن سقف الأزمة بين الطرفين يخضع لسقف المصالح المشتركة والرغبة المتبادلة في إحتوائه، مع لحاظ حجم الغضب في الشارع البولندي الذي يعتبر ما تلفظ به القائم بأعمال الخارجية الإسرائيلية “يسرائيل كاتس” بمثابة إهانة عنصرية جامعة.
وبإنتظار عودة العلاقات بين ” تل ابيب” و “وارسو” إلى طبيعتها المعتادة، فإن عدم قدرة إيران على استثمار ما حصل يبدو غير مفهومًا، خاصة و أن الدولتين استطاعتا تجاوز كل الدعاية الاسرائيلية في أوروبا و قُرب الحكومة البولندية اليمينية من ترامب والحفاظ على مستوى جيد من العلاقات، قبل أن تنعقد قمة “وارسو” التي لم تحظ بالتأكيد بترحيب بين البولنديين.
و بدلًا من أن تسارع طهران إلى إحتواء الموقف الشعبي البولندي غير الراغب في تحويل بلاده إلى رأس حربة في صراعات ترامب الدولية، أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موقفًا أسيء فهمه في “وارسو”، فتحول تذكيره بشأن دعم إيران لألاف البولنديين الفارين من الحرب العالمية الثانية إلى محطة تهكم في بولندا.
و لم تجسّ طهران جيدًا نبض الشارع البولندي، فأعقبت إستدعاء السفير البولندي في طهران بتعليق فعالية أسبوع الأفلام البولندية، وهو ما نظر إليه البولنديون بكثير من الإستغراب، خاصة وأنهم يشاركون الإيرانيون الإنطباع بعدم خروج قمة “وارسو” بأي نتيجة عملية.
في الخلاصة، يرحب البولنديون بأي إنفتاح عليهم بغض النظر عن السياسة، ويمكن لأي زائر للعاصمة “وارسو” أن يلحظ حجم تعويل الغربيين على إنشاء منظمات غير حكومية ودعم الجمعيات والأطر الشبابية بهدف استيعابه واستمالته. أما بالنسبة للموقف من قضايا العالم فهو يأتي في مرتبة ثانية بالنسبة للبولنديين.
عبد الله محمد- الميادين