بولندا وبوصلة العودة إلى الاتحاد الأوروبي
اتخذ حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا أخيراً خطوات للامتثال للقرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية الذي أمر الحزب بإبطال «الإصلاحات» التي بدأ سريانها يوليو الماضي. بهذا التشريع المسيء، حاول حزب القانون والعدالة إقصاء قضاة المحكمة العليا غير الموالين للحزب عن طريق الخفض التعسفي لسن التقاعد.
كما أنشأ التشريع غرفتين قضائيتين جديدتين: إحداهما لتأديب القضاة الذين يخرجون عن الخط المرسوم، والأخرى لمراجعة الأحكام الصادرة على مدار السنوات العشرين الفائتة واتخاذ القرار بشأن صحة الانتخابات.
من خلال عرض إلغاء الفقرة الخاصة بسن التقاعد، يراهن رئيس الوزراء ماتيوس مورافيسكي على قدرته على إعادة تنصيب القضاة المخلوعين ــ وأغلبهم رفضوا ترك مناصبهم على أية حال ــ مع الحفاظ على بقية حزمة «الإصلاح».
حتى وقتنا هذا، كان نائب رئيس المفوضية الأول فرانس تيمرمانز يعارض هذا الحل الجزئي، في حين أوردت التقارير أن رئيس المفوضية جان كلود يونكر على استعداد لقبوله.
لكن في حين كان استرضاء حزب القانون والعدالة النهج المفضل بكل تأكيد لدى مانفريد ويبر، مرشح حزب الشعب الأوروبي الأوفر حظاً الذي يأمل في خلافة يونكر، فقد أصبح من الصعب تبرير هذا النهج على نحو متزايد. وفي النهاية، هناك سبب وجيه يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الشعبويين سيُمنَون بهزيمة منكرة في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019.
في انتخابات بولندا المحلية أكتوبر الماضي، خسر حزب القانون والعدالة في كل البلديات تقريباً، بما فيها تلك حيث كان يتمتع ذات يوم بدعم قوي. ومن الواضح أن الناخبين الوسطيين نالوا ما يكفي من راديكالية الحزب الحاكم.
ولكن فضلاً عن ذلك، بدأ كثيرون يخشون أن يكون زعيم حزب القانون والعدالة ياروسواف كاتشينسكي عازماً على توجيه بولندا نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإلا فكيف يفسر المرء تصريحات وزير العدل زبيغنيو زيوبرو الأخيرة التي شككت في صلاحية اتفاقيات الاتحاد الأوروبي دستورياً؟
الواقع أن آفاق حزب القانون والعدالة تتضاءل، لأنه على وجه التحديد حاول تأطير انتخابات البرلمان الأوروبي في هيئة استفتاء على عضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. وفي ظل الدعم الذي يحظى به الاتحاد الأوروبي داخل بولندا بما يتجاوز 80% ــ وهي النسبة الأعلى في أوروبا ــ لا يبدو أن هذه استراتيجية انتخابية حكيمة.
علاوة على ذلك، يميل الناخبون الحضريون الذين انقلبوا على حزب القانون والعدالة في الانتخابات المحلية الأخيرة إلى التمثيل المفرط في الانتخابات الأوروبية. وبمحاولة إصلاح العلاقات مع المفوضية الأوروبية، ربما يأمل حزب القانون والعدالة أن يتمكن من استعادة بعض هؤلاء الناخبين.
ولكن حتى إذا نجح في ذلك، سيظل لزاماً عليه أن يبحر عبر مشهد سياسي أقل ملاءمة على مستوى الاتحاد الأوروبي. وعندما تترك المملكة المتحدة الاتحاد الأوربي في التاسع والعشرين من مارس/آذار 2019، فسيخسر حزب القانون والعدالة حليفه الرئيس في البرلمان الأوروبي. وبدون المحافظين البريطانيين بجانبه، ربما يجد حزب القانون والعدالة نفسه وحيداً تماماً.
لا شك أن كاتشينسكي سيظل لديه حليف يتمثل في شخص رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. ومع ذلك، كان على أوربان أن يراعي مصالحه الشخصية وهو يحارب المطالبات بطرد حزبه من حزب الشعب الأوروبي. فبوصفه الكتلة الحزبية الرئيسة التي تنتمي إلى يمين الوسط في البرلمان الأوروبي، يَعُد حزب الشعب الأوروبي يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك بين أعضائه أيضاً.
قبل توليه منصبه الحالي، كان تاسك رئيساً لوزراء بولندا في حكومة المنبر المدني الذي ينتمي إلى يمين الوسط التي سبقت حكم حزب القانون والعدالة. وبوصفه العدو الأساسي لحزب القانون والعدالة في كل من بولندا وبروكسل، يُعَد تاسك عاملاً محفزاً رئيساً في الجهود التي يبذلها الحزب لتأمين بقعة في كتلة الأغلبية التالية في البرلمان الأوروبي.
يعتمد حزب القانون والعدالة على حقيقة مفادها أن بعض أعضاء حزب الشعب الأوروبي ــ وخاصة الساسة الديمقراطيين المسيحيين ــ لا يمكنهم ببساطة تجاهل مبادراته. وربما يحصل حزب القانون والعدالة على ما يصل إلى 20 مقعداً من 52 مقعداً مخصصة لبولندا، مما يمنحه دوراً حاسماً محتملاً في التصويت لاختيار رئيس المفوضية المقبل.
تأتي انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي في وقت يتسم بتقهقر يمين الوسط الأوروبي. فقد خسر الأرض لمصلحة الخضر في ألمانيا، وفي فرنسا لمصلحة حزب إيمانويل ماكرون، الجمهورية إلى الأمام، وفي إيطاليا لمصلحة حزب الرابطة، ولمصلحة القوى اليسارية واليمينية في إسبانيا، حيث جرى إضعاف حزب الشعب بفِعل فضائح الفساد.
على هذه الخلفية، تحولت بولندا إلى العنصر الغريب، وربما يأتي أداء أحزابها التقليدية من يمين الوسط ــ المنبر المدني وحزب الشعب البولندي ــ طيباً في مايو، وربما تؤدي بالتالي دوراً حاسماً في بناء الائتلاف وأصوات القيادة في المستقبل.
وفي مواجهة الاختيار بين المعارضة البولندية وحزب القانون والعدالة، ينبغي لحزب الشعب الأوروبي أن يتخذ خطوات لمساعدة الأول. وهذا يعني اتخاذ موقف مبدئي في دعم محكمة العدل الأوروبية، وفي مواجهة انتهاكات حزب القانون والعدالة لسيادة القانون.
ومن الممكن أن يعمل ظهور حزب المنبر المدني بقوة على إعطاء بولندا أكبر ثاني تمثيل داخل حزب الشعب الأوروبي، بعد ألمانيا، وربما يهيئ مرشحاً بولندياً من يمين الوسط البولندي لقيادة البرلمان الأوروبي القادم.
وإذا تولى ويبر رئاسة المفوضية الأوروبية من خلال عملية المرشح الأوفر حظاً المعقدة، فسيتولى منصب رئيس المجلس الأوروبي المقبل ليبرالي من معسكر ماكرون في الأرجح. وبالتالي، ربما يشغل مرشح اشتراكي منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية، وقد يشغل ليبرالي آخر (ربما من فرنسا) منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي، وهذا يترك منصب رئيس البرلمان لحزب الشعب الأوروبي الذي سيكون ملزماً باختيار بولندي من ثاني أكبر أحزابه لشغل المنصب.
الواقع أن احتمال عودة بولندا إلى الحظيرة الأوروبية بعد ثلاث سنوات من التحريض ضد الاتحاد الأوروبي لا بد أن يكون موضع ترحيب من قِبَل كل أولئك الذين يسعون إلى وقف صعود الشعبوية.
وبدلاً من قبول مبادرات حزب القانون والعدالة، ينبغي ليمين الوسط الأوروبي أن يساعد على تحرير بولندا من قبضة كاتشينسكي الاستبدادية. وربما يطلق هذه العملية الآن من خلال إضافة بولندي إلى قائمته من مرشحي يمين الوسط لشغل المناصب الرئيسة في الاتحاد الأوروبي.
وربما يكون في اختيار مثل هؤلاء المرشحين ــ تُعَد روزا ثون ودانوتا هوبنر، على سبيل المثال، من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين يحظون بقدر كبير من الاحترام، والذين سيخدمون كل الأوروبيين على خير وجه ــ السبيل إلى إقناع المزيد من البولنديين باختيار الديمقراطية الليبرالية.
الكاتب: سوافمير سييراكافسكي – مؤسِّس حركة «كريتيكا بوليتيكانا»، مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو، زميل أكاديمية روبرت بوش في برلين.