مقالات الرأي

تغطية الإنتخابات (١) – مع اقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية .. ما هي إبرز الخلافات بين المعارضة والحكومة ؟

مع اقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية في بولندا ، سأعمل من خلال عدد من المقالات على تسليط الضوء على ابرز الأحداث المتعلقة بالإنتخابات ، مع حيث الخلافات القائمة بين الحكومة والمعارضة مع بداية الحملات الإنتخابية ، وتصاعدها خلال الفترة الأخيرة ، مع تحليلات لـ المرحلة القادمة .

بقلم رئيس التحرير – وسيم أبو حسن

 

يشهد العام الجاري إنتخابات برلمانية في بولندا ، قد تكون مختلفة عن ما سبقها من إنتخابات ، في ظل ظروف سياسية وإقتصادية إستثنائية ، وحرب تدور على الحدود الشرقية لـ دولة بولندا ، مع تخوف من امتداد نيرانها الى داخل بولندا .

 

يضاف الى ذلك حالة التصادم الشديد التي وصلت اليها المعارضة والحكومة خلال الولاية الأخيرة لـ البرلمان حول عدد من الملفات ، ربما أهمها تعديل آلية عمل القضاء والذي تتهم فيه المعارضة الحزب الحاكم بمحاولة السيطرة على القضاء عبر إبعاد القضاة الغير موالين لها  ، وعمل الإعلام الحكومي الذي يقوم بدعم الحكومة على حساب المعارضة فيما من المفترض أن يكون محايد  ، وليس آخرها مسألة أزمة اللاجئين الموجودين على الحدود البلاروسية الأوكرانية وتعامل الحكومة مع اللاجئين الموجودين على الحدود .

ويسيطر تحالف أحزاب اليمين يسيطرون على القرار البولندي منذ عام 2015 ، عبر إمتلاكها أغلبية في البرلمان ، والرئيس البولندي المحسوب على نفس الجهة  ، فيما تمتلك المعارضة منذ الإنتخابات الأخيرة الأغلبية في مجلس الشيوخ ، وعلى الرغم من أن هذه الأغلبية لا تخولها تعطيل القوانين التي يقرها البرلمان ، لأنه في حال عدم التوافق بين البرلمان ومجلس الشيوخ يتم إحالة القانون الى الرئيس الذي  عادةً ” يؤيد قرار مجلس النواب ، الا أن هذه الأغلبية في مجلس الشيوخ تنجح في إحراج الرئيس في بعض الأحيان ، ودفعه لرفض قرارات تحالف اليمين في  مجلس النواب المحسوب على نفس التوجه السياسي التابع له .

الخلافات بين الحكومة والمعارضة

– القضاء

منذ بداية الفترة التشريعية الأخيرة لـ مجلس النواب التي فاز فيها تحالف اليمين بأغلبية خولته بتشكيل الحكومة منفرداً ، أطلق وزير العدل خطة لتعديل آلية عمل القضاء في البلاد ، عبر إحالة عدد كبير من القضاة للتقاعد ، وإنشاء غرفة تأديبية عملها الأساسي فرض عقوبات على القضاة الذي يدلون بأراء سياسية ، إضافة الى تعيين قضاة محسوبين على تحالف اليمين في مناصب قيادية ، خصوصاً في مجلس القضاء الأعلى .

واتهمت المعارضة الحكومة بمحاولة السيطرة على القضاء ، ووصف قانون إنشاء ” الغرفة التأديبية للقضاه ” بأنه قانون لـ ” تكميم الأفواه ” وقامت بإرسال شكوى الى المفوضية الأوروبية ومحكمة العدل الأوروبية لمعالجة القضية ، والتي بدورها قامت بفرض عقوبات على بولندا بسبب ” إنتهاك سيادة القانون واستقلاله ” ، وعلى الرغم من تعليق عمل هذه الغرفة لاحقاً ، الا أن باقي الخطوات التي قام بها وزير العدل لا تزال قائمة ، وبإنتظار موافقة الرئيس على اقتراح قدمه البرلمان لحل الخلاف مع الإتحاد الأوروبي .

– أزمة اللاجئين

على الرغم من أن معظم تيارات المعارضة كانت متفقة مع الحكومة حول تشخصيها لـ أزمة اللاجئين على حدود بيلاروسيا – بولندا ، والتي وصفت بأنها ” حرب هجينه ” تستخدم من خلالها بيلاروسيا ومن خلفها روسيا المهاجرين غير الشرعيين لزعزعة الإستقرار في أوروبا  ، الا أن الخلاف كان حول آلية التعامل مع هؤلاء الأشخاص ، وطلبات المعارضة المتكررة بـ السماح بمرور الحالات الإنسانية الطارئة ، وتقديم المساعدات لهؤلاء الاشخاص الموجودين على الحدود ، كما والسماح لـ منظمات المجتمع المدني والصحافة بالوصول الى المنطقة لرصد الوضع هناك ، وتقديم المساعدة .

لكن في الوقت ذاته ، فإن موقف المعارضة لم يكن صارم في هذا الموضوع ، نظراً لـ حساسية المجتمع البولندي من موضوع اللاجئين ، وسياسة الحكومة التي كانت منذ توليها السلطة عام 2015 تعمل على تسليط الضوء على ” مشاكل اللاجئين ” في دول أوروبا الغربية ، وايضاً التركيز على الهجمات ” الارهابية ” التي تعرضت لها بعض دول غرب أوروبا ، لتأكيد حجتها بأن سياستها اسهمت في حماية بولندا من مثل هذه الهجمات ، وهو ما تسبب في تراجع المعارضة خطوة للوراء في الإعراب عن رأيها بهذا الخصوص ، والذي كان مؤيد لإستقابل اللاجئين قبل عام 2015 ( خلال حكم المعارضة )

– السياسة المالية

تنتقد المعارضة الحكومة البولندية بإستخدام برامج الدعم الحكومي الموجهة لـ المجتمع البولندي ، لـ زيادة حظوظها في الانتخابات البرلمانية ، على حساب القيام بمشاريع إقتصادية تساهم في تطوير الإقتصاد البولندي على المدى المتوسط .

ولا يغيب عن أي متابع لـ السياسة الداخلية في بولندا أن مشاريع دعم المجتمع البولندي كان لها تأثير مباشر في فوز تحالف اليمين في الإنتخابات النيابية الأخيرة ، خصوصاً برنامج 500+ الذي يتم من خلاله تقديم مبلغ 500 زلوتي بولندي لكل طفل في بولندا .

وتخطط الحكومة حالياً ( رغم عدم وجود مخصصات مالية حتى اللحظة لهذا المشروع ) لإقرار مشروع الراتب التقاعدي الثالث عشر والرابع عشر ، للأشخاص المتقاعدين ، ما يعني أن المتقاعدين سيحصلون على  14 راتب تقاعدي في السنة عوضاً عن 12 راتب ! ، وهو ايضاً ما يثير حفيظة المعارضة التي تؤكد أن هذه المشاريع هدفها زيادة شعبيتها بين كبار السن .

– الإعلام :

منذ حصول تحالف اليمين على الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة ، تم إجراء تعديلات على رؤساء وسائل الإعلام الحكومية وتعيين رؤساء جدد مقربين من اليمين  ، وتخصيص مبالغ مالية ضخمة لدعم هذا القطاع ، والذي تحول مع الوقت – بحسب قول المعارضة – الى آلة إعلامية مؤيد لـ اليمين ، في وقت يجب أن يكون فيه الإعلام الحكومي محايد مع جميع الأطراف .

– السياسة الخارجية :

شهدت السياسة الخارجية لـ الحكومة الحالية عدة خلافات مع عدد من دول الإتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية و حتى الولايات المتحدة الأمريكية !

فبعد فترة من التقارب الأمريكي – البولندي ( خلال رئاسة ترامب ) شهدت العلاقات البولندي الأمريكي فترة من البرود ، وصلت الى حد القطيعة مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن الى سدة الرئاسة ، بعد اتخاذ الحكومة البولندية خطوات لإغلاق قناة TVN24 التابعة لمجموعة ديسكفري الأمريكية ، بحجه أنها قناة ممولة من دولة خارجية ، ولم يحدث أي تواصل بين الرئيسين البولندي والأمريكي ، واستمر الوضع على ذلك حتى بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا ، لتجد الدولتان ( بولندا – امريكا ) نفسيهما مضطرين الى تأجيل هذه الخلافات ، والعمل معاً على دعم أوكرانيا لتحقيق مصالح مشتركة .

وعلى الرغم من أن تلاقي المصالح بين البلدين أجل تلك الخلافات ، الا أنها لا تزال قائمة ، وظهرت تبعاتها خلال الأيام الأخيرة بعد نشر قناة TVN تقرير حول معرفة البابا فرنسيس بـ حالات تحرش جنسي حصلت في كنائس مدينة كراكوف حين كان مسؤولاً عنها ، وقيام الخارجية البولندية بإستدعاء السفير الأمريكي الى مقر الخارجية للإحتجاج على هذا التقرير

ومن الجدير بالذكر أن قناة TVN مقربة من المعارضة ، وعلى وجه التحديد التحالف المدني بقيادة دونالد توسك ، وتقوم المعارضة أنه بعد قيام الحكومة بالسيطرة على الإعلام الحكومي ، تسعى الحكومة على إغلاق المنبر الأبرز الذي يمكن المعارضة من التعبير عن رأيها .

على الجانب الآخر تشهد العلاقات البولندي – الألمانية حالة من الشد والجذب على عدة مستويات وفي عدة ملفات ، على رأسها مطالبة الحكومة البولندية للجانب الألماني بدفع تعويضات عن الأضرار والخسائر التي تعرضت بها بولندا بسبب الحرب العالمية الثانية ، بحجه أن بولندا في تلك الفترة لم يكن لديها حكومة منتخبة للمطالبة بالتعويضات ، فيما تؤكد برلين أن هذا الموضوع مغلق بالنسبة لهم ، ولم تقم حتى بالرد على المذكرة الدبلوماسية التي ارسلتها وزارة الخارجية البولندية الى الجانب الألماني للمطالبة بـ التعويضات .

من جهتها تعتقد المعارضة أن فتح هذه القضية في الوقت الحالي سيضر بالمصالح السياسية والإقتصادية لـ بولندا ، كما أن الموضوع سيسهم حتى في تغيير مزاج المجتمع البولندي الذي تجاوز ما حصل في الحرب العالمية الثانية ، وقرر بدأ علاقات طيبة مع الجيران ، كما أن الموضوع قد يسهم في خلق مصاعب للجالية البولندية في ألمانيا ، والذي يقدر عددهم بمئات الألوف .

كما تشهد العلاقات بين بولندا والمفوضية الأوروبية حالة من الشد والجذب ، بسبب سياسة بولندا الداخلية ، خصوصاً فيما يخص القضاء ( وهو ما تحدثنا عنه سابقاً ) ووصلت الخلافات الى حد تعليق حصول بولندا على الاموال المخصصة لها من صناديق الدعم الأوروبي ، في وقت تتهم فيه بولندا المفوضية بالتدخل بشأن داخلي ليس لها علاقة به .

وعلى الرغم من أن الحرب الروسية – الأوكرانية اسهمت في خفض حدة التصادم بين الجانبين ، كون بولندا تعتبر من دول المواجهة كون الحرب على حدودها ، الا أن أموال الصناديق الأوروبية لم يصل منها الا جزء صغير ، فيما تجري مفاوضات حالياً للتوصل الى اتفاق يفضي الى الإفراج عن باقي الأموال .

بدورها أيضاً تتهم المعارضة الحكومة البولندية بتأجيج الصراعات مع المفوضية الأوروبية ، ما ادى الى عدم حصول بولندا على حصتها من أموال الإتحاد الأوروبي ، ووصلت الإتهامات في بعض الأحيان الى القول بأن الحكومة الحالية تقود البلاد نحو الخروج من الإتحاد الأوربي بشكل كامل ، فيما نفت الحكومة هذه الاتهامات ، مؤكدة أنها لا تخطط لذلك .

 

كما شهدت فترة رئاسة تحالف اليمين خلافات مع دول أخرى ، منها فرنسا ، بريطانيا ، وحتى الجارة التشيك ، لكن من الصعب الإحاطة بجميع تلك الخلافات لكثرتها .

 

– داخلياً :

ايضاً يظهر الوضع الداخلي في بولندا خلافات حادة بين الحكومة والمعارضة من بينها ، تدخلات الحكومة في آلية التعليم ، وفرض سياسة تعليمية على نظام التعليم البولندي ، عبر دورس الدين ، ومنع أنواع أخرى من الدروس ، وتحديد المنظمات أو الهيئات التي يمكن أن تقوم بتقديم دروس أو محاضرات في المؤسسات التعليمية .

 

ومن بين المواضع الخلافية كان الإنسحاب من إتفاقية إسطنبول الخاصة بالمرأة ، وحظر الإجهاض ، وغيرها من القوانين التي لاقت رفض من منظمات حقوقية ونسوية

 

ووصلت الخلافات مؤخراً حتى الى قانون حظر التجارة في يوم الأحد ، وإتهام الحكومة بأنها قامت بإقرار هذه القانون لتسهيل سلاسل متاجر معينة من تحقيق أرباح كبيرة ، فيما تسبب القانون في إغلاق آلاف المتاجر الأخرى في مختلف مناطق البلاد

 

خلاصة :

رغم الآثار الكارثية التي خلفتها الحرب الروسية على أوكرانيا على مستويات مختلفة ، الا أنها صبت في صالح الحكومة على الصعيد السياسي ، وساهمت في العزلة التي كانت تواجه الحكومة في غرب أوروبا ، وأيضاً مع الولايات المتحدة ، فبسبب دور بولندا المحوري في تقديم الدعم لأوكرانيا ، وموقفها الصارم والأعلى صوتاً منذ اليوم الأول للحرب حول ضرورة تقديم الدعم لأوكرانيا بهدف هزيمة روسيا ، وأيضاً تصدير نفسها على أنها حامية الحدود الشرقية للأتحاد الأوروبي ، تمكنت من إستعادة علاقاتها مع معظم الدول الأوروبية ، وايضاً الولايات المتحدة التي زار رئيسها بولندا مرتين خلال عام واحد .

 

وعلى الرغم من أن الخلافات – التي ذكرناها سابقاً – لم تصل الى حل نهائي حتى اللحظة ، فإن تداعيات الحرب اجلتها الى أجل غير مُسمى ، وهو ما صب في صالح الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، كما أسهم في تقليل الدعم الذي كانت تحظى به المعارضة من دول غرب أوروبا – الغير راضية عن الحكومة الحالية – ،  ورئيس الولايات المتحدة المحسوب على الحزب الديمقراطي المتوافق فكرياً مع التحالف المدني المعارض .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم