عواقب سلوكيات المعارضة البولندية
على مدى الأشهر الستة الماضية، كان الائتلاف الحكومي البولندي، المؤلف من حزب القانون والعدالة وحزبين صغيرين، يضمحل بصورة ملحوظة، ما خلق فرصة ذهبية للمعارضة حتى تطيح به. ولكن بدلاً من أن تشكل المعارضة جبهة موحدة، سقطت في الصراع الداخلي، ما سيمكن الحكومة الشعبوية بقيادة حزب القانون والعدالة أن تصبح أقوى من أي وقت مضى.
لقد أدى التنافس بين رئيس الوزراء، ماتيوش مورافيتسكي، ووزير العدل، زبيغنيف جوبرو، بشأن خلافة رئيس حزب القانون والعدالة، ياروسواف كاتشينسكي، إلى سلسلة من الأزمات البرلمانية.
إذ غادر النواب في كل من الأحزاب الحكومية الثلاثة، وتحولت العلاقات داخل الائتلاف إلى عداء مفتوح. وتراجعت نسبة تأييد حزب القانون والعدالة من أكثر من %40 إلى ما يناهز %30- وهو ما يشكل نصف مجموع التأييد الذي حظيت به أحزاب المعارضة.
وتفاقمت الأزمة داخل حزب القانون والعدالة بسبب الوباء، إذ رغم أن بولندا نجت إلى حد كبير من الموجة العالمية الأولى لـ «كوفيد 19»، فإن الموجتين الثانية والثالثة جعلتا البلاد تحتل قمة التصنيف العالمي من حيث حصيلة الوفيات جراء الوباء، إذ بلغت ما يناهز 1900 لكل مليون نسمة، لتتجاوز بذلك معدل الوفيات في كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسويد.
ومع ذلك، عندما تعلق الأمر بأهم مسألة في هذه الدورة البرلمانية: المصادقة على مرفق الاتحاد الأوروبي للتعافي والمرونة، الذي يخصص حوالي 58 مليار يورو (70.7 مليار دولار) لبولندا، كانت الحكومة تفتقر، في بداية الأمر، إلى الأغلبية في مجلس النواب.
إذ رفض فصيل متمرد متحالف مع (جوبرو) التصويت لصالح المرفق بحجة أنه سيقوض السيادة البولندية، ويؤدي إلى مزيد من الفيدرالية في الاتحاد الأوروبي. وقد أدى اعتداء (جوبرو) على استقلال القضاء في بولندا إلى وضع الحكومة في مسار تصادمي مع الاتحاد الأوروبي، الذي استجاب بمبدأ مشروط جديد (الأموال مقابل الامتثال لسيادة القانون).
لقد كان موقف المعارضة هو أنه يجب التصديق على مرفق الاتحاد الأوروبي للتعافي والمرونة، ولكن فقط مقابل ضمانات بإنفاق الأموال بصورة عادلة- وهذا الطلب راجع إلى الطريقة التي وزع بها حزب القانون والعدالة التمويل الحكومي لدعم المبادرات المحلية.
بالعموم، لقد حدثت جملة إجراءات وقرارات من قبل الأحزاب تشي بتفكك حقيقي بينها. فمثلا لا تبشر الصفقة البولندية لحزب العدالة بالخير بالنسبة لحزب اليسار أو المنبر المدني، حزب المعارضة الرئيسي، فقد بدأ كلاهما بالفعل في التفكك داخلياً.
كما أنهما يحصدان الخسارة في الانتخابات، مع تراجع دعم المنبر المدني إلى نحو %10 بينما يبلغ معدل حزب اليسار %6. وأكبر المستفيدين من مشاكل المعارضة هو حزب القانون والعدالة، بالطبع، بالإضافة إلى حزب جديد بقيادة الشخصية التليفزيونية شيمون هووفينيا (%20)، فهذا الأخير يتجنب ببراعة الدخول في أي نزاعات أو تنفير أي شخص.
أصبح رافاو تشيكوفسكي ، عمدة وارسو الليبرالي، أكثر نشاطاً في السياسة المركزية. وحالياً، أطلق مبادرة (كامبوس يوروبا)، وهي مدرسة صيفية تتسع لألف شاب وقد تكون مصدراً لرأس المال البشري لأي حركة سياسية جديدة. ومن جهة أخرى، تفتقر المعارضة إلى زعيم يمكن أن يضاهي ماتشينسكي.
الكاتب سلاومير سيراكاوسكي
* مؤسس حركة (كريتيكا بوليتيزنا)، ويشغل أيضاً منصب مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو…البيان.