كيف تأثرت بولندا بالحرب في أوكرانيا؟
أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 موجة نزوح لم تشهد أوروبا لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، حيث فرّ قرابة 14 مليون أوكراني بؤر الصراع في بلدهم حسب آخر إحصاء نشرته الأمم المتحدة. لاذ نصفهم إلى دول الجوار مثل بولندا وبيلاروسيا وسلوفاكيا ومولدوفا وهنغاريا ورومانيا، فيما نزح الباقون داخل أوكرانيا نفسها.
استقبلت بولندا الشطر الأكبر من اللاجئين الأوكران، باحتضانها أكثر من 3 ملايين ونصف مليون لاجئ منذ بدء العمليات العسكرية، وسارعت حكومة ماتيوش مورافيتسكي إلى سن قوانين وإجراءات تسهّل من دخول واستقرار الأوكران في بولندا. لكن ما الثمن الذي تكبدته بولندا مقابل سخائها؟ وهل بمقدورها تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أسفر عنها تدفق الملايين عبر حدودها على مدار الأشهر الأربعة الماضية؟ وهل تتأثر علاقتها بالشرق الأوسط نتيجة التباين في مواقف الحكومات العربية من الحرب في أوكرانيا؟
مهمّة نبيلة بالنيابة ضد عدو مشترك
يرى السفير البولندي الأسبق لدى العراق والسعودية، كشيشتوف بلومينسكي، إن بلاده قادرة على تحمّل المسؤولية التي ألقتها على عاتقها “الظروف الجديدة”، وأن بولندا فتحت الباب على مصراعيها للأوكرانيين وقدمت لهم كل ما يمكن من مساعدات ومعونات نقدية وعينية وصحية ومعيشية لأنهم “يؤدون مهمّة نبيلة نيابة عن بولندا وعن العالم الحر” بمواجهتهم روسيا.
ويضيف بلومينسكي بلغة عربية فصيحة أنه “منذ سنوات وبولندا تشهد نمواً اقتصادياً سريعاً” مكنّها من التعامل مع تبعات الحرب في بلد مجاور بقدر من المرونة وبعد النظر، ذلك أن احتضان البولنديين للأوكرانيين في بيوتهم بهذه الطريقة يمثل “استثماراً للمستقبل” يدفع الخطر الروسي من ناحية ويوطد علاقة البلدين والشعبين من ناحية أخرى.
يتماشى هذا الرأي بشكل أو بآخر مع ما يقوله عاصف سلوم، مدير مركز الثقافة العربية في لوبلين، والذي يرى أن سياسة الحكومة البولندية “عكست الصدى الشعبي” وأن الشعب هو الذي فرض قناعته وتطلعاته على صناع القرار في وارسو.
“لكي نفهم موقف بولندا من اللاجئين الأوكرانيين، علينا فهم التاريخ البولندي وبالتحديد ما جرى بعد اتفاق مولوتوف-ريبنتروب سنة 1939، وإحساسهم بأن روسيا عدو مشترك لبولندا وأوكرانيا.”
لكن نبيل الملاذي، رئيس جمعية أورينت الثقافية ونائب رئيس حزب بولندا الوطني، يرى عكس ذلك، ويقول إن دعم الحكومة للاجئين الأوكرانيين “شكّل عبئاً إضافياً على الميزانية البولندية التي تعاني أصلاً من عجز مستمر”، وقد أدى حسب رأيه إلى تنامي الحقد تجاه الحكومة التي وفرت للاجئين الأوكرانيين أكثر مما وفرته لمواطنيها.
ويردف الملاذي بالقول إن موقف بولندا من الحرب في أوكرانيا كلّفها “مكانتها بين الدول الراقية” لا سيما “دعمها العسكري لأوكرانيا الذي يضعها في منصة المواجهة مع روسيا بكل ما يحمله ذلك من مخاطر”، وأن اهتمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ببولندا “يتوقف على التحريض دون الدعم الاقتصادي المطلوب”، ورغم ذلك فإنه لا يتوقع أي رد فعلي مباشر من قبل روسيا، وأن أي رد ينسب لروسيا سيكون مجرد استفزاز من قبل الحلفاء لبولندا يهدف إلى تأزيم الوضع واتهام روسيا .
بولسكا والعالم العربي
يقول بلومينسكي في هذا الصدد إن أثر الحرب على هذه العلاقة “ليس بالأمر السهل”، وأن الحكومة البولندية “تستعد لبعض التحركات المهمة تجاه الشرق الأوسط للاستفادة من أي فرص متاحة، كنقل الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ البولندية لمصر وتونس ولبنان واليمن ودول أخرى” وإبرامها عقوداً مع شركاء دوليين جدد مثل قطر والسعودية يستعاض بهم عن روسيا لاستتباب الأمن الطاقي.
ويرى الملاذي أن العلاقة بين بولندا والعالم العربي متأزمة بشدة وتضررت كثيراً منذ تدخلها في أفغانستان والعراق، الأمر الذي كلفها مصالح تجارية ثمينة.
ويعلق عاصف سلوم على تشابه أزمة اللاجئين الأوكرانيين بما مر به نظراؤهم الذين فرّوا من الحرب السورية، قائلاً “إن تقاطع التجارب والمصاعب التي مروا ومررنا بها هو ما بنا لتأسيس مركز الثقافة العربية” الذي يوفر دروساً لغوية وأنشطة رياضية وموسيقية للاجئين العرب وأكثر من 112 لاجئ أوكراني.
تمت مناقشة هذه المحاور وغيرها في حلقة خاصة من برنامج ” نقطة حوار” سجّلت في العاصمة البولندية وارسو مع جمهور من العرب المقيمين في بولندا والبولنديين من أصول عربية، وتبث على شاشة وراديو بي بي سي عربي يوم الأربعاء 8 حزيران/يونيو الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش.
مهدي الموسوي/ بي بي سي عربي – وارسو