ماذا وراء قمة الشرق الأوسط في بولندا؟
مثَّل الإعلان الأميركي عن عقد قمة دولية حول أمن واستقرار الشرق الأوسط، يومي 13 و14 فبراير في “وارسو”، صدمةً على خلاف المتوقع، ليس فقط للإيرانيين، ولكن – أيضًا – بالنسبة للبولنديين أنفسهم.
ومن المعروف أن بولندا تعتبر حليفًا سياسيًا وعسكريًا مهمًا للولايات المتحدة، إذ قررت شركات الطاقة البولندية الانسحاب من العمل في إيران بعد تخلي الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” عن “خطة العمل الشاملة المشتركة” المعروفة بـ”الاتفاق النووي” وإعادة فرض العقوبات. لكن انعقاد قمة متعددة الجنسيات حول الشرق الأوسط في بولندا، آثار شائعات بأن “وارسو” فُوجئت عندما أعلن وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” أن مثل هذا الحدث سيتم تنظيمه في العاصمة البولندية الشهر المقبل.
ومنذ ذلك الإعلان، لم يتم الكشف إلا عن القليل من التفاصيل حول ذلك الحدث. ولا يزال هناك تساؤل بشأن جدول الأعمال، إلا أنه لا أحد لديه علمٌ بذلك. وقد قال “بومبيو” إن الاجتماع “سيركز على استقرار الشرق الأوسط والسلام والحرية والأمن”، والدور الإيراني في زعزعة الأمن في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، شددت بولندا على أن القمة ليست موجهة ضد إيران؛ ففي بيانها الوحيد حتى الآن بخصوص “مؤتمر تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط” ، قالت وزارة الشؤون الخارجية البولندية إن “المؤتمر سيكون منتدى للدول المعنية بالاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، ومشاركة تقييماتهم وتقديم أفكار حول طريقةٍ أفضل للتقدم في هذا السياق. وسيتناول الاجتماع مجموعة من القضايا الهامة ومنها قضية الإرهاب والتطرف، وتطوير الصواريخ والانتشار، والتجارة البحرية والأمن، والتهديدات التي تطرحها كافة الأطراف بجميع أنحاء المنطقة.
من سيحضر هذا المؤتمر؟ مرة أخرى، تتكرر الإجابة: “إننا لا نعرف”؛ فوفقًا لوزارة الخارجية البولندية، “وُجِّهَت الدعوة إلى بلدان من جميع أنحاء العالم للمشاركة في المؤتمر”. ويقال إن حوالي سبعين دولة قد تمَّ التواصل معها، ولكن إيران ليست من بينها. ووفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية، من المرجح ألا يحضر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “فيديريكا موغيريني”، وأن مستوى تمثيل أعضاء الاتحاد الأوروبي غير مؤكد.
وفي أعقاب الإعلان عن المؤتمر، ذكرت وسائل الإعلام البولندية أن السفارة الإيرانية في “وارسو” أوقفت إصدار التأشيرات للمواطنين البولنديين. ورغم نفي هذه الأخبار فيما بعد، حذرت القنصلية البولندية مواطنيها من السفر إلى إيران، وأشارت إلى أنهم قد لا يتمكنون من الحصول على تأشيرات دخول في المطار عند وصولهم إلى طهران.
وفي غضون ذلك، قررت السلطات الإيرانية إلغاء “مهرجان الأفلام البولندي”. واُتهمت بولندا رسميًا بالانضمام إلى محور مناهض لإيران. كما حذرت وزارة الخارجية الإيرانية بولندا وغيرها من الدول المشاركة في القمة من “إجراءات انتقامية” لم تحددها. وعلى الرغم من تفهم رد فعل إيران، فإن قرار إلغاء مهرجان “الفيلم البولندي” يعتبر خبرًا مؤسفًا؛ إذ لا يجب أن يدفع الفنانون والعلماء وأولئك الذين يُجَمِّعُون الشعوب، ثمن الخلافات والتوترات الدبلوماسية بين الحكومات. فهم يحاولون بناء الجسور، وليس تدميرها.
ما هي دوافع بولندا لعقد مثل هذا المؤتمر؟
لا شك أن خطط بولندا لا تتعلق بإيران؛ فبولندا لا تكره إيران، ولا تتخوَّف منها، لكنها تريد أن تحدَّ من الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة، وتحرص على شراء النفط الخام والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران والعراق. لكن في عالم السياسة، لا يمكن للمرء أن يحقق كل شيء. وإن قرار استضافة المؤتمر ربَّما يكون غير مربح بالنسبة لبولندا على المدى الطويل، إلا أنه في الوقت الراهن يعتبر أمرًا سياسيًا بحتًا، وتوجهه نزعات براغماتية. وعلى الرغم من أن “وارسو” تريد بناء علاقات جيدة مع طهران، فإن التعاون الاقتصادي مع إيران ضئيل، في حين أن العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة مهمة جدًا. فبولندا تحاول إقناع إدارة ترمب ببناء قاعدة عسكرية أميركية دائمة على الأراضي البولندية؛ لذا، فإن هذا المؤتمر سيمثل – على الأقل ووفقًا لصناع القرار البولنديين – عامل ردعٍ قويٍ ضد روسيا التي تمثل أكبر تحدٍ بالنسبة لبولندا. وهو ما يُعدُّ الأساس المنطقي لاستضافة قمة “وارسو”، وبولندا مستعدة – حاليًا – لدفع ثمن العلاقات المتوترة مع إيران من أجل إرضاء البيت الأبيض.
بجانب ما سبق، هناك طموح آخر يقود القرار البولندي، حيث ترغب “وارسو”، شأنها شأن القوى الأخرى متوسطة الحجم، في تعزيز مكانتها الدولية؛ فقد تمكنت من تحقيق نجاح دبلوماسي كبير في يناير عام 2018، عندما كانت بولندا، مدة عامين، عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي. وفي وقت سابق، استضافت بولندا بنجاح قمة الناتو في يوليو 2016. ومن ثَمَّ، يعتقد صانعو القرار البولنديون، أن استضافة مؤتمر حول الشرق الأوسط، لن تكون مجرد فرصة لإسعاد الإدارة الأميركية وإقناعها بإحضار القوات إلى بولندا، لكنه – أيضًا – يعتبر خطوة أخرى في مساعي نقل بولندا إلى المستوى التالي في الشؤون الدولية.
لكن، تلك المناورة البولندية، تعتبر محفوفة بالمخاطر. ونظرًا إلى أن جدول أعمال المؤتمر واستراتيجية الولايات المتحدة – المضيف الحقيقي للحدث – غير معروفة، نجد أنه من المستحيل التنبؤ بنتائجه. ويقول وزير الخارجية البولندي “ياتسيك تشابوتوفيتش”، إن طموح “وارسو” من وراء هذا الحدث يرتبط بإيجاد أرضية مشتركة بشأن إيران والاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ثم إنه ليس من المنطقي أن نفترض أن الشراكة القوية بين “عبر الأطلنطي” تعتبر هدفًا طويل الأجل بالنسبة لبولندا؛ إذ ستكون القمة التي تجمع بين القارة القديمة وأميركا، بمثابة أفضل سيناريو لبولندا. ولكن حتى هذا الحدث الذي ربَّما يكون بلا جدوى، سيكون إنجازًا جيدًا لـ”وارسو”.
ومع ذلك، فإذا لم تقم فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا بإيفاد مسؤولين كبار لتمثيلها، فإن النتيجة ستكون على درجة أقل من الإيجابية. بل الأسوأ أن القمة ربَّما كانت لا تقدر على تقديم نجاح دبلوماسي، وهذا ما يؤثر على سمعتها كنموذج لبلد محايد؛ لأن سياسة بولندا في الشرق الأوسط، التي لم تظهر بعد، سوف تتضرر أيضًا، شأنها في ذلك شأن سمعتها في المنطقة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي