نوربيرت سلوسارتشيك : اللغة العربية واحدة من أجمل أبجديات العالم ، واصعب ما واجهته خلال تعلمها هو اللهجات
قبل فترة قصيرة أطلق المُترجم البولندي نوربيرت سلوسارتشيك قناته على اليوتيوب والتي يقوم من خلالها بالتعريف باللغة العربية وقواعدها للناطقين باللغة البولندية ، كما يقوم من خلال قناته بالحديث عن التشابه بين اللغة العربية والبولندية ، والفرق بين اللهجات ( المحكية ) في الدول العربية
وللتعرف أكثر على بدايات نوربيرت سلوسارتشيك في تعلم اللغة العربية ، والهدف من إنشاء القناة على اليوتيوب كان لنا معه اللقاء التالي :
ما هو سبب اختيارك للغة العربية ؟ وكيف كانت بدايتك معها ؟
من بداية دراستي في المدرسة الابتدائية عرفت أنني جيد في مجال لغات أجنبية. درست اللغة الإنجليزية والفرنسية وحصلت على علامات ممتازة من هذه المواد وأردت مواصلة السير على هذه الدرب في الجامعة. كنت أدرك أن اللغة الإنجليزية أو أية لغة أوروبية أخرى قد لا تكون كافية في سوق العمل فقررت أن ألتحق بدراسات اللغة الإنجليزية مع اللغة العربية كلغة إضافية – برنامج الترجمة. كان هذا الوقت عندما الدول العربية اكتسبت أهمية في التجارة الدولية وشخصياً فكرت أن هذا قرار جيد قد يكون مفيداً لي في المستقبل وخصوصاً في حياتي المهنية.
قبل ما بدأت الدراسة في الجامعة تعلمت الحروف العربية ولكن ما كانت عندي أية خبرة أو معرفة أخرى. بما أن اللغة العربية مختلفة تماماً من اللغات الأوربية, كان علي إيجاد طريقة لتعلمها وذلك مرتبط خاصةً بجذور وأوزان في اللغة العربية. في البداية حاولت “إسناد” حروف عربية إلى حروف بولندية (مثلاً جذر “خ-ب-ز” وكلمة “خبز” بدت مشابهة لكلمة بولندية “chleb” بسبب تشابه حرفين “خ” و”ch”. بعد ذلك كلما تعلمت جذور جديدة أكثر تمكنت من تذكر كلمات جديدة ومعقدة. إضافة إلى ذلك يجب اعتراف أن نطق الحروف العربية أعجبني كثيراً وأردت إتقانه بكل الوسائل.
هل سبق لك زيارة أي من الدول العربية ؟
تمت زيارتي الأولى إلى الدولة العربية في 2016 عندما سافرت إلى سلطنة عمان لمدة شهرين للمشاركة في دورة اللغة العربية في كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. كان هذا الوقت رائع جداً واستفدت منه استفادة عظيمة لأن هناك حيث كسرت حاجز اللغة في الواقع. كانت لدينا الكثير من التمارين والمهمات التي طلبت منا التحدث مع الموظفين والمدرسين باللغة العربية فقط وكذلك شاركت في برنامج “من أجل العربية” لتلفزيون العربي – ومن اللازم أن أعترف أن كان هذا متعب جداً لأن كانت الحلقة مصورة طول اليوم وما قد عرفت الأسئلة قبل يوم التصوير وأيضاً كنت أدرك أن آلاف الناس سيروني كيف أنا أتكلم بالعربية.
علاوة إلى ذلك, زرنا كل شمال الدولة تقريباً ويجب أن أقول أن عمان دولة جميلة ومضيافة بشكل ممتاز. شاهدت سباق الهجن وخطوبة تقليدية لأول مرة في حياتي. رجوعاً إلى بولندا زرت دبي وهندستها المعمارية تركت انطباعاً رائعاً ولكن يجب أن يُعجبك هذا لأسلوب – ليس كل شخص يحب ناطحات السحاب بشكل العام.
في نوفمبر 2019 ذهبت إلى السعودية للمشاركة في معرض HORECA مع الوكالة البولندية للاستثمارات والتجارة كمترجم ومساعد وهذه كانت مناسبة ممتازة لزيارة الدولة التي تبدو مغلقة للسياح وخصوصاً أن يتم بناء ستة خطوط المترو في الوقت نفسه كجزء من مشروع رؤية السعودية 2030 والتجول بالمدينة أصعب بكثير. آمل أن في المستقبل بعد انتهاء جائحة كورونا سأزور الدول العربية الأخرى – وأمنيتي الكبرى هي زيارة سورية – هذه سورية الجميلة التي كانت قبل الحرب
ما هو أصعب ما واجهته خلال دارسة اللغة العربية ؟
بكل التأكيد أصعب ما واجهته خلال دراستي هو اللهجات وتنوع اللغة العربية حسب المنطقة. طبعاّ في البداية كانت لدي صعوبات في القواعد – أوزان الأفعال, جمع تكسير, أداة تعريف “ال” والصيغة الشرطية (بصراحة ما زالت لدي مشكلة معها في بعض الأحيان) ولكن التحدي الأكبر هو اللهجات. بعد انتهاء دراستي في الجامعة انتقلت إلى وارسو وبدأت عمل محللاً البيانات في شركة أكسنتر مع اللغة العربية. أتذكر عندما وصلت إلى المكتب لأول مرة وأدركت أن كانوا في مجموعتي الكثير من العرب من دول مختلفة, ما فهمت أية كلمة لأنهم كانوا يتكلمون بلهجاتهم المعينة وكنت خائفاً جداً من تكلم معهم بالعربية وبدأت استخدام اللغة الإنجليزية. أعتقد أن كان ذلك أكبر أخطائي لأنني اعتدت على التكلم بالإنجليزية فقط وما مارست اللغة المنطوقة. بعد مرور بعض الوقت بدأت مشاهدة أفلام عربية مع عناوين فرعية إنجليزية وركزت على دراسة اللهجة. للآسف, ليست هناك مصادر جيدة وموثوقة بها لتعلم لهجات فكان علي أن أتصفح الإنترنت من أجل إيجاد كلمات جديدة وزملائي من شركتي ساعدوني كثيراً للتحقق من صحتها. رغم أنني أتحدث اللغة العربية بطلاقة الآن, ما زلت أتعلم أشياء جديدة ويحدث أنني لا أفهم حديث شخص ما إطلاقاً بسبب التنوع اللغوي.
هل تخصصت في لهجة معينة ؟ أم تتقن الفصحى فقط ؟
خلال دراستي في الجامعة كنا ندرس اللغة العربية الفصحى غالباً وإضافة اللهجة اللبنانية وهذا ليس ثابت – اللهجة المعلمة تعتمد على مدرسين متاحين – في السنة السابقة أعرف أن الطلاب درسوا حتى اللهجة المغربية. في البداية لم أكن مدركاً أن من المهم جداً التكلم بأية لهجة لكن بعد ما بدأت أن أعمل في وارسو – كما ذكرت من قبل – ركزت كثيراً على إتقان اللهجة, وطبعاً اخترت اللبنانية لأنني كنت أعرف أساسياتها. عموماً معرفة الفصحى مفيدة كثيراً لأجل قراءة الجرائد والكتب (كتابي المفضل هو “القوقعة” للكاتب مصطفى خليفة – قصة مفجعة وكذلك مزيج مثالي من الفصحى والعامية) وأيضا الترجمة لأنني أقدم خدمات الترجمة و90% من الطلبيات يتطلب معرفة الفصحى ولكن في حديث عادي أستخدم اللهجة اللبنانية. لن أتظاهر أن أفهم كل شيء من أفلام لبنانية لأن – خصوصاً لناطقين بغيرها – تغييرات النطق قد تكون صعبة جداً لآذاننا. هذا ما أجده أصعب هو عدم نطق حرف “ق” وقطع حروف العلة في حديث سريع. في بعض الأحيان أحس كأن أتعلم لغة أخرى تماماً بسبب وجود كلمات مستخدمة في لهجات معينة فقط (أوعدم وجود الكلمات ألأساسية من الفصحى في اللهجة ك”ذهب” أو “فعل” واستخدام كلمة “ذَهَبْتُ” قد يسبب انفجار بالضحك أو الحيرة). مفهوم اللهجات مهم كثيراً ومستواي فهم اللهجات يتحسن من عام إلى أخر مركزاً على اللهجات الشامية.
هل برأيك اللغة العربية بشكل عام أصعب من اللغة البولندية ؟
لكلتا اللغتين جوانب سهلة وصعبة. طبعاً يقول البولنديون أن اللغة العربية صعبة كثيراً دون أية معرفة عن تركيبتها اللغوية. عندما يتعلق الأمر بالكتابة فعادة أسمع آراء كيف يمكن كتابة هذه الحروف.. وبالعامية البولنديون يسمونها “سلك شائل” وفي الحقيقة الكتابة العربية واحدة من أجمل أبجديات في العالم كله. من جهة أخرى اللغة العربية لها الإعراب – المرفوع, المنصوب والمجرور – الذي لم يعد يستخدم في الممارسة العملية إلا في الأخبار أو القرآن الكريم ولكن في البولندية نستخدم الحالات دائماَ وعندما تتعلم كلمة ما من اللازم أن تتعلمها في 7 أشكال مختلفة على الأقل. لغتنا مليئة باستثناءات خصوصاً في تصريف الأفعال والأسماء وفي هذا المجال اللغة العربية تبدو لي أسهل. أما لغة غير رسمية فالعربية أكثر متنوعة طبعاً – خصوصا مع مراعاة أن العربية لغة رسمية في 22 دولة والبولندية في بولندا فقط وحتى لهجات من منطقة سيليزيا أو من جبال أو اللغة الكاشوبية متفاهمة أكثر مقارنة للفروق بين اللهجة التونسية والسورية مثلاً. من الصعب إعطاء إجابة واضحة ولكن مع الأخذ في الاعتبار خبرتي في تعلم اللغة العربية أعتقد أنها أصعب من البولندية – ولكن عموماً كلاهما صعبتان.
قناتك على اليوتيوب تقدم معلومات عن اللغة العربية ؟ ما هو الهدف منها ؟ ومن هي الشريحة التي تستهدفها ؟
صحيح, أخيراً قررت أن أفتح قناة يوتيوب متخصصة باللغة العربية وهناك عدد من الأهداف: أولاً, أريد زيادة الوعي بين البولنديين بأن العربية لغة جميلة ولديها الكثير من الجوانب المثيرة للاهتمام. أحاول أن أركز على تقديم معلومات عامة في أسلوب مقبول لكل الناس – ليس فقط للراغبين في تعلم اللغة العربية. عادة نجلس أمام الشاشة ونتصفح الإنترنت بلا هدف ويمكن قناتي ستظهر لك في “الفيديوهات المقترحة” لأنك متحمس للغات أجنبية. قد أكون مسرور حقاً إذا شخص ما تذكر أن أصل كلمة “صوفة” من اللغة العربية لأنه شاهد الفيديو الخاص بي. الآن أنشأ محتوى موجه غالباً إلى البولنديين ولكن لا أستثني تصوير الفيديوهات باللغة العربية في المستقبل – عندي بعض الأفكار. ثانية, أريد أن أساعد الناس مثلاً في رحلات ولهذا السبب قمت بتصوير الفيديو عن اللهجة التونسية لأنها واحدة من أكثر الدولة اختياراً للعطلة الصيفية وحالياً جهزت سلسلة الفيديوهات عن تعليم كتابة اللغة العربية. وثالثاً أنا أقدم خدمات الترجمة وأريد إعلان نفسي من خلال المشاهدات والمشتركين. في الوقت الراهن أعد نفسي لامتحان المترجم المحلف وفي المستقبل أريد أن أعتمد حياتي المهنية على اللغة العربية.
ما هي نصيحتك للراغب في تعلم اللغة البولندية ؟ خصوصاً من الجاليات العربية ؟
أهم نصيحة هي الممارسة – في كل ظروف وأماكن ومناسبات. أغلبية الناس يحبون عندما الأجانب يتكلمون بلغتهم – هذا أسلوب تعبير الاحترام والاندماج في المجتمع وهذا مهم كثيراً خاصة للجالية العربية عن الهجرة . إذا كنت في بداية دراسة البولندية وتعلمت كلمة جديدة لا تزعج نفسك بأنك يجب أن تكون صحيح 100% في القواعد والنطق الخ… خطوة بخطوة ستبدأ أن تلاحظ كل القواعد النحوية وتطبقها في الممارسة العملية. ركز دراستك على المفردات, اسأل الناطقين بالبولندية عن أسماء أشياء مختلفة حولك (طريقة جيدة لتعلم – استخدام بطاقات لاصقة مع كلمات بولندية من الممكن تلصقها على أشياء معينة) ولا تخاف من استخدام الكلمات البولندية حتى عندما تشتري خبزاً في محل قريب منك. أفضل شيء هو إذا قام شخص ما بتصحيحك ولا تعتبره سلبياً. أؤكد لك أن ستتذكر هذا التصحيح للأبد وفي المرة القادمة ستقول ذلك بشكل صحيح. إذا تعلمت عبارات كاملة (مثلا ترحيب Cześć, jak się masz), حاول التحقق من كل الكلمات التي موجودة فيها وابحث عن سياقات أخرى وتعمّق أكثر كيف من الممكن أن تستخدم كل هذه 4 كلمات في عبارات أخرى (هذه الطريقة من الممكن تطبيقها عندما تقرأ الجرائد والمقالات أيضا). إن اللغة العربية صعبة كثيراً ولكن لا تستسلم خصوصاً إذا خططت لمستقبلك هنا في بولندا.