هل تنتقل بولندا من دور الوسيط الى رأس الحربة في القضية الإيرانية ؟
منذ الإعلان عن مؤتمر وارسو الخاص بـ إيران والشرق الأوسط كان من الواضح التخبط في الموقف البولندي ، خصوصاً وأن الإعلان عن المؤتمر جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال مقابلة تلفزيونية ، في مخالفة واضحة لـ البروتوكولات المتبعة في مثل هذه المؤتمرات ، والتي تنص على أن الإعلان عن المؤتمر يتم من قبل الدولة المضيفة ، فيما تأخرت بولندا ليوم كامل في الإعلان عن المؤتمر بعد الإعلان الأميريكي .
إضافة الى أن الموقف البولندي من الخلاف الأميريكي – الإيراني يضعها في مؤخرة الدول المرشحة لإستضافة مؤتمر من هذا النوع ، خصوصاً وأن بولندا تقدم نفسها كوسيط بين إيران والولايات المتحدة لحل الخلاف الذي تفاقم منذ وصول ترامب الى سدة الرئاسة ، اضافة الى علاقتها الجيدة مع الجانب الإيراني على المستويين السياسي والإقتصادي إضافة الجانب الإجتماعي أيضاً.
فما الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية الي إختيار بولندا كمقر لإنعقاد مؤتمر من هذ النوع ؟
للإجابة على هذ السؤال لا بد من العودة الى بداية وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى سدة الحكم في عام 2017 والذي تلى وصول حزب القانون والعدالة اليميني الى سدة الحكم في بولندا ، وما تلاه من تقارب كبير بين الجانبين تكلل بإختيار ترامب لـ بولندا كمحطة أولى في أول زيارة له خارج الولايات المتحدة الأمريكية .
تلى ذلك الدعم الغير المحدود الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لـ بولندا في فترة خلافها مع المفوضية الأوروبية فيما يتعلق بالتغيرات التي أجراها الحزب الحاكم على آلية عمل المحكمة الدستورية ، والتي لاقت معارضة مع معظم دول الإتحاد الأوروبي ، إضافة الى نشر القوات الأميريكة في بولندا لمواجهة التهديدات الروسية ، وإعتماد الولايات المتحدة على الجانب البولندي في إدارة الأزمة الأوكرانية مع روسيا عبر تسهيل وصول الإمدادات الأمريكية الى الجانب الأوكراني ، وغيرها من الملفات التي شهدت تقارباً ملحوظاً بين بولندا والولايات المتحدة الأمريكية
كما أثمر الضغط ( الودي ) الأمريكي على بولندا في تخفيض وارداتها من النفط القادم من إيران ، والإستعاضة عنه بإستيراد النفط ومشتقاته من الولايات المتحدة الأمريكية و من دول تعتبر حليفة للولايات المتحدة الأمريكية كـ الإمارات ، وقطر ، علماً أن شركات النفط البولندي كانت تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني الذي يصل على بولندا بعقود فورية .
إلا أنه في الوقت ذاته فإن العلاقات الإيرانية – البولندية لم تنقطع ، وبقيت عند مستويات مقبولة دبلوماسياً ، كما أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين ارتفع من 80 مليون دولار عام 2015 لتصل إلى 230 مليون دولار في عام 2018
ودأبت بولندا منذ اليوم الأول لـ الإعلان عن المؤتمر على تقديم توضيح للجانب الإيراني بأن المؤتمر ليس موجهاً ضدها ، وأن المؤتمر يحمل طابع تشاوري ، خصوصاً بعد الموقف الإيراني الحازم الذي صدر عن الخارجية الإيرانية ، إضافة الى تعليق إيران لمهرجان الأفلام البولندية المخطط في أواخر يناير في طهران كما وصفت إيران إستضافة بولندا لـ المؤتمر بـ ” العمل العدائي
هل تم توريط بولندا بالمؤتمر ؟
حتى اللحظة من غير الواضح إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد نسقت بالفعل مع بولندا تنظيم المؤتمر على أراضيها ، ومن المؤكد أنه لم يتم تنسيق محاور المؤتمر بين الطرفين قبل الإعلان عنه
فمنذ الإعلان عن تنظيم المؤتمر تراجعت بولندا عن عدة محاور كان من المفترض التطرق لها ، خصوصاً فيما يتعلق بالشأن الإيراني.
كما أن إعتذار عدد من الدول العربية والأوروبية عن حضور المؤتمر أجبر بولندا على إجراء تعديلات على شكل المؤتمر بشكل عام و محاوره بشكل خاص قد لا تكون مرضية للجانب الأمريكي الذي كان من الواضح أنه يهدف الى تشكيل تحالف جديد لمواجهة إيران بالترافق مع الخطوات التصعيدية التي إتخذتها أمريكا منذ وصول ترامب الى سدة الرئاسة .
هل تنجح بولندا في الحفاظ على موقعها الوسطي في الخلاف الإيراني – الأمريكي ؟
على الرغم من أن السياسة البولندية عملت منذ لحظة الإعلان عن المؤتمر على محاولة البقاء في موقع الوسيط بين الجانبين الأمريكي والإيراني ، الا أن سيكون من الصعب الحفاظ على هذا الموقع ، خصوصاً وأن عدد من الدول المشاركة في المؤتمر كـ البحرين أكدت أن كلمة وفدها سيركز على الدور السلبي لإيران في منطقة الشرق الأوسط ، كما أكد الجانب الإسرائيلي على أن مشاركته في المؤتمر ستكون لـ الحديث عن ” الخطر الإيراني في المنطقة !
وعلى الرغم من أن الموقف البولندي لم يظهر أي مواقف ” عدائية ” تجاه الجانب الإيراني إلا أنها الدولة المضيفة للمؤتمر ، اضافة الى أن تنظيم المؤتمر يتم بالتعاون مع الجانب الأمريكي ، العدو الأبرز للجانب الإيراني .
الخيار الصعب .. إيران أم أمريكا ؟
من المؤكد أن الحكومة البولندية تواجه تحدٍ كبير خلال الفترة الحالية ، بالتوفيق في علاقتها بين الجانب الإيراني والجانب الأمريكي ! فالمصالح البولندية موزعة بشكل معقد بين الجانبين .
فالعلاقات الأمريكية البولندية شهدت تطور ملحوظ خلال العامين الماضيين ، خصوصاً فيما يتعلق بالقطاع العسكري ، وصفقات السلاح التي وقعتها بولندا مع شركات الدفاع الأمريكية ، وطلب بولندا بشكل رسمي من الجانب الأمريكي إقامة قاعدة دائمة لها على الأراضي البولندية والتي من المفترض – في حال التوافق عليها – أن تحمل اسم ” حصن ترامب ” .
كما أنه من الواضح توجه الولايات المتحدة الأمريكية لـ الإعتماد على بولندا كـ الحليف الرئيس والأوحد لها في القارة الأوروبية ، بعد خروج بريطانيا من الإتحاد ، وتفاقم الخلافات الأمريكية من كل من ألمانيا و فرنسا في العديد من القضايا .
لكن في الوقت ذاته فإنه بغض النظر عن العلاقات الجيدة التي تجمع بولندا بـ إيران ، فإن لبولندا العديد من المصالح الأخرى التي تقع في منطاطق خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لـ النفوذ الإيراني .
فقد سبق لبولندا أن أعلنت رغبتها في المشاركة في قوة حفظ السلام التي سيتم نشرها لاحقاً في منطقة الجولان السوري ، وهي منطقة تمتلك فيها إيران نفوداً عسكرياً ، كما أنها منطقة نزاع بين الحانبين السوري والإيراني من جهة مع إسرائيل من الجهة الثانية ، كما أن السفارة البولندية عادت للعمل ” جزئياً ” في دمشق .
كما أن لبولندا تواجد عسكري ( محدود ) في عدة مناطق عراقية تخضع لـ النفوذ الإيراني ، عبر وحدات عسكرية بولندية ومستشارين عسكريين .
ومن شأن نشوب أي خلاف بين إيران و بولندا أن يتسبب في عرقلة الخطط البولندية في المناطق الخاضعة لنفوذ إيران ، إن لم نقل أنه قد يشكل خطر حقيقي عليها !
أقل من اسبوعين يفصلنا عن مؤتمر وارسو ، في ظل غموض متواصل حول الصبغة النهائية التي سيحملها المؤتمر ، خصوصاً وأن المحاور التي سيتم مناقشتها غير واضحة حتى اللحظة ! ومن الصعب الإجابة عن الأسئلة المطروحة قبل نهاية المؤتمر الذي سيعقد بتاريخ 13-14\02\2019
بقلم رئيس التحرير – وسيم أبو حسن