بولندا سياسة

قادة بولندا يقرعون طبول الحرب .. والقادم ينذر بالأسوأ ؟

توالت خلال اليومين الأخيرني التصريحات من كبار السياسيين في بولندا حول إمكانية نشوب حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ، مُطالبين في الوقت ذاته إتخاذ خطوات عاجلة من أجل ردع روسيا عن إتخاذ مثل هذه الخطوة ، وتحضير المجتمعات المحلية للانخراط في آلية الدفاع استباقاً لأي تطور عسكري للأحداث

بقلم رئيس التحرير – وسيم أبو حسن

وعلى الرغم من أن اطلاق هذه التحذيرات لا يقتصر على السياسيين البولنديين ، فقد حذرت قيادات دول أخرى في الناتو من إمكانية إندلاع مواجهة مباشرة مع روسيا ، إلا أن الخوف من وقوع مثل هذا الاحتمال له أثر أكبر في دول شرق أوروبا ، وتحديداً بولندا ، التي لا يزال يخيم على ذاكرة مواطنيها كابوس الحرب العالمية الثانية التي وقع الجزء الأكبر من أحداثها على الأراضي البولندية .

ما السبب وراء تصاعد التصريحات حول حرب محتملة ؟

بدأ الحديث عن إمكانية نشوب مواجهة عسكرية بين الناتو و الاتحاد الروسي بعد تقارير استخباراتية من عدة دول أوروبية تحدث عن نية الرئيس الروسي – بعد فوزه في انتخابات الرئاسة –  الإعلان عن تعبئة عامة ثانية بهدف تجنيد أكثر من نصف مليون جندي في الجيش الروسي ، وذلك تمهيداً لإطلاق مرحلة ثانية العمليات العسكرية في أوكرانيا ، مستغلاً النقص الحاد في الذخيرة التي يعاني منها الجيش الأوكراني ، وأيضاً الاستفادة من حالة التململ في الداخل الأوروبي من طول الحرب في أوكرانيا ، والتي تنعكس على المواطنين بشكل مباشر خصوصاً من الناحية الاقتصادية ، وهو ما يظهر من خلال الإضرابات التي يقوم بها المزارعون وقبلهم شركات النقل ضد سياسة الباب المفتوح التي كانت متبعة مع أوكرانيا ، وذلك لتسهيل حصولها على الموارد المالية لـ ضمان استمراها في الحرب .

كما تشير التقارير الغربية إلى قيام روسيا خلال الفترة الأخيرة بتجنيد الكثير من الأجانب ضمن الميليشيات الرديفة للجيش الروسي ، خصوصاً ممن لديهم خبرة سابقة في العمل العسكري ، وتشير التقارير إلى تجنيد مقاتلين من سوريا ، وضباط وجنود سابقين في الجيش الأفغاني والذين اضطروا إلى مغادرة أفغانستان بعد سيطرة طالبان على البلاد ، وأيضاً مقاتلين من ميليشات افريقية ، وحتى من دول آسيا ، وتشير التقديرات إلى أن أعداد من تم تجنيدهم حتى الآن يصل إلى عشرات الآلف .

كما كان لـ تأخير الكونجرس الأمريكي إقرار حزمة الدعم الأخيرة لـ أوكرانيا الأثر الأكبر لـ تصاعد المخاوف من قيام روسيا بشن عمل عسكري واسع بهدف السيطرة على مزيد من المناطق قبل أن تصل المساعدات مجدداً إلى الجيش الأوكراني ، وتشير تقارير الاستخبارات الأوروبية الى أن الجيش الروسي يهدف في هذه المرة للوصول إلى العاصمة كييف بهدف إحداث تغيير جذري في الوضع الجيوسياسي ، والذي يشهد حالة جمود منذ أكثر من عام .

تصريحات المسؤولين البولنديين

وتتالت خلال الأيام الأخيرة تصريحات المسؤولين البولنديين حول إمكانية اندلاع حرب مع روسيا خلال الفترة القادمة ، وعلى الرغم من أن المسؤولين يقومون غالباً بتطمين المجتمع من أن الخطوات التي يقومون بها هي خطوات احترازية فقط ، لكن التحركات على الأرض توحي بصورة مغايرة تماماً

وكان تصريح رئيس مكتب الأمن القومي ياتسيك شيفيرا يوم أمس من أبرز التصريحات التي صدرت خلال الأيام القليلة السابقة ، والتي قال فيها أن إنه “يجب أن يكون لدينا السيناريو الأسوأ في رؤوسنا حتى نتمكن من تجنبه” ، من المؤسف أن أوروبا تواجه خطر نشوب حرب تقليدية في السنوات المقبلة، وهو ما يتعين علينا أن نكون مستعدين له.

كما أعلن عمدة وارسو الأسبوع الماضي عن إطلاق برنامج “حماية وارسو ” وهو جزء من خطة الحكومة لـ تطوير خطة الدفاع المدني ، وذلك عبر تجهيز الملاجئ ، وتدريب قوات الدفاع المدني على التعامل في وقت الحرب ، مشيراً إلى تخصيص مبلغ 117 مليون زلوتي بولندي لهذا البرنامج .

كما قال رئيس الأركان العامة للجيش البولندي، الجنرال Wiesław Kukuła / فيسواف كوكوا   خلال مشاركته في مؤتمر وارسو “ضمان الأمن والاستجابة للتحديات” : موسكو تستعد للصراع مع الناتو ، نلاحظ بوضوح التغيرات التي تحدث في روسيا ونستخلص منها الاستنتاجات ، وحذر من أن روسيا، بشكل واضح ، تستعد للصراع مع حلف شمال الأطلسي، مدركة تمامًا أن الحلف عبارة عن هيكل دفاعي.

ويعتقد الرئيس أندريه دودا أن “روسيا قد تمتلك قريبًا إمكانات عسكرية تمكنها من مهاجمة الناتو في وقت مبكر من 2026-2027” ،  وأشار  إلى تقرير الخبراء الألمان، الذي أكد ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي من قبل دول الحلف.

كما كان لتصريح السفير الأمريكي بريجنسكي في محادثة مع RMF صدى كبير في الداخل البولندي ، والذي قال فيه : “بوتين لن يتوقف , بوتين سينتقل إلى الغرب , ولهذا السبب كان الاجتماع في واشنطن حاسما للغاية”.

ناهيك عن تصريحات عدد كبير من الخبراء العسكريين والسياسيين الذين يظهرون بشكل يومي في وسائل الإعلام البولندية للحديث عن التهديدات التي تواجهها أوروبا بشكل عام ، وبولندا بشكل خاص ( كخط مواجهة أول ) من إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا

تحركات دولية

 

ولأن بولندا تستشعر خطر الحرب أكثر من غيرها ( لأسباب تاريخية ، و جيوسياسية ) شهدت الأسابيع السابقة تحركات دبلوماسية واسعة النطاق ، كان أبرزها الزيارة التي قام بها الرئيس أندريه دودا ورئيس الوزراء دونالد توسك الى الولايات المتحدة بمناسبة الذكرى الـ 25 لانضمام بولندا إلى حلف الناتو ، والتي وإن كان ظاهرها سياسي ، إلا أن الهدف الرئيسي منها كان الحصول على تأكيد من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جود بايدن بأن بلاده ملتزمة بـ البند الخامس من اتفاقية حلف الأطلسي ، والتي تشير صراحه إلى أن الاعتداء على أي شبر من أراضي الدول الأعضاء ، هو اعتداء على جميع الدول .

وفي السياق ذاته شارك رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في قمة مثلث فايمار ، وكان هدفه الرئيسي من المشاركة هو حل الخلافات بين فرنسا و ألمانيا ، وذلك لكونه يعلم أنه دون وجود توافق بين هذه الدول ، فإن أمن القارة بأكمله سيكون على المحك .

كما توجه الرئيس الأميركي أندريه دودا الأسبوع الماضي ( بعد لقائه مع الرئيس الأمريكي ) على الفور للقاء للقاء الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ  ، حيث ناقش معه تفاصيل اللقاء مع الرئيس الأمريكي ، وتطورات الأوضاع في أوكرانيا ، إضافة إلى محاولة الضغط من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي في دول الناتو تماشياً مع التهديدات الجديدة

 

انقسام في المواقف

 

لا يخفى على أي متابع لـ الحرب الروسية – الأوكرانية أن مواقف دول الاتحاد الأوروبي لم تكن متوافقة منذ البداية  فيما يخص التعاطي مع روسيا ، و نوعية الدعم الذي يجب تقديمه لـ الجيش الأوكراني لـ الاستمرار في مواجهة الجيش الروسي ، وذلك يعود إلى عدة عوامل ، منها الاقتصادي ، ومنها السياسي ، ولكن الأبرز هو مدى استشعار هذه الدول لـ مخاطر امتداد الحرب إلى أراضيها ، ففي الوقت الذي تشعر دول أوروبا الشرقية بأن الحرب قد تصل إلى حدودها في أي لحظة ، أو حتى تتعرض لـ حوادث عسكرية غير مباشرة ( كما حدث بسقوط صواريخ في بولندا ) بسبب المعارك المستمرة ، فإن دول أوروبا الغربية لا تتعاطى مع هذه المخاوف بنفس الطريقة ، وذلك لكونها بعيدة عن خط المواجهة الرئيس .

 

وعلى الرغم من تغيير مواقف بعض دول أوروبا الغربية ، إلا أن التغيير هذا تسبب في زيادة الانقسام عوضاً عن زيادة التنسيق

 

وخير دليل على ذلك كان تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ضرورة شن عمليات عسكرية في أوكرانيا – ضد الجيش الروسي – من  جانب قوات غربية ، والذي قوبل برفض تام من المستشار الألماني أولاف شولتس الذي قال “لن تكون هناك قوات من ألمانيا أو من حلف شمال الأطلسي (الناتو) على الأراضي الأوكرانية” ، كما جدد رفضه لـ إرسال صواريخ ألمانية بعيدة المدى لـ الجيش الأوكراني .

 

والمثال الأوضح على حالة الانقسام  في الاتحاد الأوروبي هو حالة التكتلات الجانبية التي تشهدها القارة لمواجهة التحديدات رغم أن جميع هذه الدول أعضاء في تكتلات أكبر ( الناتو  – الاتحاد الأوربي ) ، ففي وقت تقوم فيه دول البلطيق ( لاتفيا – لتوانيا – استونيا ) بإعداد استراتيجية دفاع مشتركة عبر بناء تحصينات على حدود مع روسيا و بيلاروسيا ، قامت بولندا بإعادة إحياء مثلث فايمار لزيادة التنسيق فيما بينها  ،  بيتما تعمل دول أخرى لإنشاء تحالفات لشراء الأسلحة من دول ثالثة ( خارج تحالف الأطلسي ) لـ إرسالها إلى الجيش الأوكراني الذي يواجه موقف هو الأصعب منذ بداية الحرب .

 

كما أن الانقسام  الجمهوري – الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي الذي عرقل المصادقة على حزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا ، والضغط السياسي الذي يتعرض له الرئيس الأمريكي بسبب انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، لا يُبشر بـ انفراجه قريبة في قضية المساعدات .

 

القادم ينذر بالأسوأ

 

تواجه الأزمة الأوكرانية – الروسية حالة جمود على الصعيد السياسي ، في ظل انعدام أي مبادرات لوقف الحرب والتفاوض على حل للأزمة الحالية ، وانقطاع التواصل بين أوروبا والرئيس الروسي بشكل كامل .

كما أن طرفي الصراع ( أوكرانيا – روسيا ) يرفضان تقديم أي تنازلات بهدف تقريب وجهات النظر ، فأوكرانيا ترفض حتى الحديث عن القبول في الدخول بأي مفاوضات لا تشير منذ البداية إلى استعادة كافة الأراضي التي احتلتها روسيا ، في وقت لا يزال الكرملين يصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإدارته بأنهم ” النازيون الجدد ” ، مؤكدين على رفض أي حل يبقي زيلينسكي على رأس السلطة في كييف .

 

وبسبب ما سبق من معلومات حول أمكانية تصاعد العمليات الروسية في أوكرانيا ، وإمكانية قيام الجيش الروسي بالسيطرة على المزيد من المناطق ، يبقى لدى بولندا الحق المشروع في الخوف من القادم ، الذي – بحسب المعطيات – ينذر بالأسوأ في وقت أقرب حتى مما تشير ليه التقارير الاستخباراتية

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى