مقالات الرأي

كيف نجحت بولندا في إحتواء كورونا .. في وقت فشل جيرانها الأوروبيون بذلك ؟

بقلم رئيس التحرير- وسيم أبو حسن

لا يخفى على أي متابع للشأن البولندي أن الإجراءآت التي إتخذتها الحكومة خلال الاسبوعين الماضيين ، كان لهم القول الحسم في الحد من إنتشار فايروس الكورونا في البلاد ، وتقليص إنتشار العدوى وعدد المصابين الى حد كبير ، وهذا واضح من الإحصاءات الرسمية التي يتم الإعلان عنها بشكل يومي من قبل وزارة الصحة ، فكيف حصل ذلك ؟

منذ بداية إنتشار الفايروس في إيطاليا ، بدأت الحكومة البولندية بالعمل على ثلاث ملفات في وقت واحد ، وهي إعداد الجبهة الداخلية وهي النقطة الأهم ، ومراقبة الحدود وصولاً الى إقفالها ، إضافة الى إعداد القطاع الصحي

كيف قامت الحكومة بإعداد الجبهة الداخلية ؟

1_ إمتصاص الصدمة :
واجه وزير الصحة البولندي الكثير من الإنتقادات في الأيام القليلة التي سبقت الإعلان عن الإصابة الأولى بفايروس الكورونا ، لكونه قال أكثر من مرة أن الفايروس سيصل الى بولندا في مرحلة ما ، مؤكداً في الوقت ذاته على إستعداد وزارته للتعامل مع الموضوع عند وقوعه .

إلا أن سياسة الوزير جنبت المجتمع البولندي صدمة الإعلان عن الحالة الأولى ، كون وزير الصحة أكد أنها واقعة لا محالة ، وهو أيضاً ما سمح لـ البولنديين بـ الإستعداد لوضع سيكون فيه الفيروس موجود ضمن البلاد .

كما أن المؤتمرات الصحفية التي شارك فيها قبل الإعلان عن الحالة الأولى ، والتي شرح فيها عدد المستشفيات والأسرة التي تم إعدادها للتعامل مع حاملي الفايروس ، زرعت الثقة في المجتمع حول قابلية القطاع الصحي البولندي للتعامل مع المرضى

٢ـ الشفافية :
لم تخفي الحكومة البولندية أي معلومات عن الإصابات أو حالات الحجر الصحي الموجودة في البلاد ، وهو ما سمح له بكسب ثقة الشارع البولندي ، عبر الإعلان بشكل يومي عن الحالات الجديدة ، وحتى عدد الوفيات .

ولا يمكن إنكار ذكاء الحكومة البولندية في هذه النقطة ، فالإعلان عن الإصابات يتم ثلاث مرات يومياً ، لتجنيب وزير الصحة من الإعلان عن رقم كبير قد يُشكل صدمة للمجتمع البولندي ، وبهذه الطريقة يتم الإعلان عن الحالات ضمن أرقام صغيرة ، دون إثارة الهلع .

وفي التصريح الأخير لوزير الداخلية حول توقعاته للمرحلة القادمة ، أشار الى أن الاسبوع القادم قد يشهد تسجيل أكثر من 1000 إصابه ، ومن الواضح أن التصريح هو جزء من السياسة المتبعة ، لـ إستباق الأحداث ، وإحتواء الأضرار النفسية التي يمكن أن تلحق بالمجتمع البولندي

٣ـ تحميل المجتمع المدني جزء من المسؤولية :
ساهمت الشفافية و إعداد الجبهة الداخلية للمجتمع البولندي في حث المواطنين على حمل جزء من المسؤولية الى جانب الحكومة ، حيث إنطلقت مبادرات المجتمع المدني منذ اللحظة الأولى لسد النقص في أي قطاع يحتاج لذلك

وتنوعت المبادرات بين دعم القطاع الصحي والمحجورين صحياً بوجبات الطعام على مدار اليوم ، الى مساعدة العالقين على الحدود ، الى حملات التوعية التي تطالب البولنديين بالبقاء في منازلهم ، وتقديم معلومات صحية عن طريقة التعامل مع الكوادر الطبية لتجنيب إصابتهم بالعدوى .

٤ـ إغلاق المدارس :
إيضاً كانت بولندا سباقة في قرار إغلاق المدارس ، فقد تم إتخاذ القرار قبل وصول عدد الإصابات الى 50 حالة , وهو ما ساهم بالضرورة في الحد من إنتقال العدوى بين الطلاب ، وتركيز طاقات قطاع الصحة على التعامل مع الحالات المشتبه بها ، دون الخوف من تسجيل إعداد كبيرة من الإصابات

  • مراقبة الحدود :
    أشارت تقارير حول إنتشار الفايروس في الدول الأوروبية ، الى أن دول أوروبا الشرقية كانت أقل عرضة لإنتشار الفايروس ، لقلة عدد الأجانب المقيمين فيها ، وهو ما ساهم في الحد من وصول الفايروس من خارج البلاد .

وإن كان هذا صحيح ، الا أنه ليس السبب الوحيد الذي جنب بولندا تفشي الفايروس بشكل سريع كما حصل في دول أخرى من غرب أوروبا .

فـ بولندا ومنذ اللحظة الأولى ، وضعت قائمة بالدول المصنفة على أنها بؤر لإنتشار الفايروس ، وقامت بفرض رقابة على المسافرين القادمين من تلك الدول ، أولها فحص درجة الحرارة للقادمين من تلك الدول ، مروراً بـ الطلب من مواطني تلك الدول ملء استمارة توضح مكان سكنهم وطريقة للتواصل معهم ، اضافة الى إصدار توصيات ملزمة بعدم السفر الى تلك الدول .

وفي مرحلة لاحقة كانت بولندا من أوائل الدول التي أعلنت عن إغلاق حدودها الخارجية مع العالم ( قبل أن يتخذ الإتحاد الأوروبي هذ القرار ) ، حيث أعلنت الحكومة عن تعليق الرحلات الجوية الدولية ، وفرض رقابة على الحدود البرية ، إضافة الى حصر دخول بولندا بـ مواطني هذه الدولة ، وحاملي إقامتها .

وعلى الرغم من أن هذه الإجرائات كان لها إثر سلبي على الراغبين في العودة الى البلاد ، الا أنها أسهمت بشكل واضح في تنظيم طريقة العودة ، وضبط الحالات المشتبه بها ، وإبقائها تحت الرقابة .

وكانت بولندا السباقة في فرض الحجر الصحي لمدة ( 14 يوم ) على الأشخاص العائدين الى البلاد ، وهو ما سيحد من إنتقال العدوى من المصابين منهم الى الأشخاص الأصحاء

كما أن بولندا كانت أول دولة أوروبية تطلق برنامج خاص لإعادة البولنديين من الدول الموجودين فيها حول العالم ، والذي حمل اسم lotdodomu ، والذي تتحمل الحكومة جزء كبير من تكاليفه .

  • إعداد القطاع الصحي :

منذ بداية إنتشار الفايروس في إيطاليا ، عملت وزارة الصحة البولندية عن تجهيز مستشفيات خاصة للتعامل مع المصابين أو الحالات المشتبه بها بالإصابة بفايروس الكورونا ، كم تم زيادة عدد الأسرة المخصصة لـ أقسام الأمراض المعدية ضمن المستشفيات ، حيث وصل عددها ( قبل الإعلان عن الحالة الأولى ) الى ألف سرير ، فيما إرتفع العدد لاحقاً الى ثلاثة آلاف سرير .
كما تم تزويد عشرات المستشفيات بـ نقاط خارجية ( خيام ) لفحص الأشخاص المشتبه بإصابتهم بفايروس الكورونا ، قبل دخولهم الى المستشفى ، لتجنيب الطواقم الطبية والمرضى الآخرين من الإحتكاك مع مرضى الكورونا وإلتقاط العدوى .

كما تم تجهيز عشرات المباني للأشخاص الذين يُفرض عليهم الحجر الصحي ، منها السكن الجامعي المخصص للطلاب ، وغيرها من الأبنية التي تخضع للإشراف الحكومي .

ولم يقتصر العمل في المجال الصحي على العاملين في هذا القطاع ، فقد ساهمت الشرطة والجيش وقوات الدفاع المدني بمساعدة الطواقم الطبية في عمليات فحص المرضى ، ومراقبة الأشخاص المحجورين صحياً لضمان إلتزامهم البقاء في منازلهم ، كما أن جميع الوزارت قامت بتسخير طاقاتها لدعم القطاع الصحي ، مثلما حدث مع شركة المحروقات المملوكة لـ الدولة ، والتي طُلب منها حشد الموارد لصناعة مواد التعقيم ، وتعويض النقص الذي شهده السوق البولندي لهذه المواد .

والى جانب الإجرائات الحكومية ، فلا بد إيضاً من الإشادة بـ المجتمع البولندي الذي أثبت درجة عالية من الوعي في التعامل مع الأزمات ، وربما يعود ذلك الى أن بولندا لها تجارب سابقة من التعامل مع الكوارث بالتضامن بين أبناء المجتمع الواحد ، كان أوضحها فترة الحرب العالمية الثانية ، وما تلاها من إعادة إعمار للبلاد التي تضررت بيتها التحتية بنسبة تتجاوز الـ 70%

فنسبة الإلتزام بالبقاء في المنازل واضحة لأي مقيم في بولندا ، مع استمرار القطاع الخدمي بالعمل دون توقف ، كما أن الحاجات اليومية لم تنقطع من السوق ولا للحظة واحدة .

ومن المفترض أن تظهر نتائج الإجرائات التي إتخذتها الحكومة بعد أقل من اسبوعين ، فبحسب المعلومات المتوفرة عن فايروس الكورونا ، فإن فترة حضانته في الجسم تمتد لـ 14 يوم ، ما يعني أنه من المحتمل أن هناك أشخاص حاملين للفايروس لم تظهر عليهم الأعراض بعد .

ولكن بعد مرور فترة الإسبوعين ( منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية ) ، من المفترض أن يقل عدد الحالات المُسجلة ، لأن قابلة العدوى ستكون إنخفضت نظراً للإجرائات الحكومية التي تحدثنا عنها في ” مراقبة الحدود ”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى إيقاف مانع الإعلانات من المتصفح. موقع بولندا بالعربي يعتمد على ريع الإعلانات للإستمرار في تقديم خدماته شاكرين لكم تفهمكم